من فمك ادينك 

 الحقوقي الصحفي
 محمد مشير

              

في 21/12/2005 جرت الجلسة السادسة لمحاكمة الدكتاتور صدام وزمرته المجرمة في قضية الدجيل ، هذا الدكتاتور الذي سخّر كل اموال وثروات العراق لبناء عرش وقصور دكتاتوريته التي لم تزرع سوى الرعب في نفوس العراقيين ولم يحصد العراقيون منها سوى الدمار والموت،فمنذ استلامه السلطة رسمياً عام 1979 كرئيس للجمهورية العراقية ، شهد المسرح السياسي العراقي اسود ايامه وابشع حملة من التصفيات الجسدية لاْولئك الذين تفوهوا حتى ولو بكلمة تدل على معارضة حكمه الدكتاتوري الاهوج ، ولعله من سخريات القدر كما يقولون ان نرى الطاغية في محاكمة عادلة اخرى (على قضية الانفال التي راح ضحيتها اكثر من 182 الف مواطن كوردي بريء،لا ذنب اقترفوه سوى كونهم اكراداً مسالمين عزّل) لم نرى لها مثيلاً طوال فترة حكمه الاسود التي امتلات بالمحاكمات الصورية التي لم يكن للمتهم فيها حق للدفاع عن النفس ،كحق قانوني مكفول للمتهم ايا كان وفق القاعدة القانونية المعروفة (المتهم بريء لحين ثبوت ادانته).في حين نرى الدكتاتور يتكلم بكل حرية و دون أي شعور بالذنب لما اقترفه من جرائم بشعة بحق ابناء الشعب العراقي هذا من جانب ، و من جانب آخر نرى محاميي الدفاع عن الدكتاتور يتشبثون بالصورية خلال تقديمهم الدفوعات الشكلية كرئيسهم المخلوع، فتارة يسألون المواطنة المشتكية (نجيبة فقي خدر)عن مدى بعد قرية (شيخ وسانان)عن ايران ، وأخرى يسألونها عن نوعية القنابل و اختلاف اصوات انفجاراتها وعن كيفية معرفتها لاسماء المقاتلات الحربية و و و... هذا التمسك الاعمى بالشكلية لايجدي نفعاً امام الادلة والبراهين القاطعة ، فمجرد اقرار المتهمين ، وفي مقدمتهم المتهم (هاشم سلطان ) بمشاركة افواج الدفاع الخفيفة ، والتي بلغ عدد افرادها 250000  حسب قوله ، في عمليات الانفال سيئة الصيت (والتي تسمى بالكردية  جاش خفيفة أو جاش وتعني الكلمة -الجحش- اشارة الى الخونة ) دليل قاطع على وقوع الجريمة واقرار ضمني بأن الجيش العراقي نفذ العمليات الاجرامية فعلاً و بمساعدة الجحوش لكونهم من اهالي المنطقة.

اشرت في البداية الى الجلسة السادسة في قضية الدجيل لاذكركم ببعض ما قاله الدكتاتور في تلك الجلسة ومنها " ادافع عن مسيرة استمرت 25 عاماً ، ادافع عنكم كعراقيين ولست بصدد الدفاع عن صدام حسين"، فيا له من مدافع بارع يتقن فن الدفاع ويدافع عن العراقيين بعمليات الانفال بذريعة صد الهجمات  الايرانية ويجفف مناطق الاهوار في الجنوب كي  يمنع تسلل الايرانيين الى داخل الاراضي العراقية، ويرش اهالي حلبجه بالغازات الكيمياوية ويشنق الالاف لكونهم معارضين لسياسات الحزب والثورة و يجبر خيرة العقول العراقية للهرب الى الخارج والبحث عن ملاذ آمن لهم هنا وهناك هرباً من بطش النظام وجلاوزته ،ويجبر الملايين على السكوت كرهاً والخنوع المطلق لسياساته الهوجاء و و و... هكذا دافع صدام حسين عن العراقيين الذين ذاقوا الامرّين لاْن " العراق كان خرابة " حسب قوله، فعمرها و مقابل التعمير عليك كعراقي دفع اجرة التعمير وذلك اما بالانتساب لحزب القائد والانتماء الى جوقات التطبيل والتزمير في اعياد ميلاده ومناسبات حزبه الفاشي، أوان تكون مدى الحياة محروماً من ابسط حقوقك كمواطن في امبراطورية الخوف التي بناها وعمرها  ببراعة الشياطين ليخلف لنا، حتى بعد سقوطه ،الاف المشاكل تاكيداً على قوله في الثمانينات، وذلك في احدى خطبه، على ان" ان كل من يحاول الاطاحة بحكمه سوف لن يستلم الا ارضاً محروقة" هكذا يعمّر ويدمر الدكتاتور ناسياً بان ذاكرة الشعوب وضاءة ولايمكنها قط ان تنسى اقوال و تصريحات القائد المشهورة !!.

امّا فيما يتعلق بقضية الانفال ،هذه القضية التي يبلغ حجم كوارثها درجة لايمكن تصورها لكونها فريدة في نوع جريمتها وجسيمة من حيث عدد ضحاياها الذين  لم يكونوا سوى مواطنين ابرياء قاطنين في قراهم البعيدة كل البعد عن تلك المناطق التي كانت تدور عليها تفاصيل الحرب العراقية -  الايرانية ، هذه الحرب التي تلجا اليها هيئة الدفاع لتبرئة الدكتاتور واعوانه في قضية الانفال وذلك بالتذرع الواهي على كون الهدف من تلك العمليات انما كان الدفاع عن الاراضي العراقية وطرد القوات الايرانية منها،ليست الا ذريعة واهنة وضعيفة اذ ليس من المعقول ان يكلف تصفية الاراضي من العدو اكثر من182000 فرداً وهم ليسوا تابعين للعدو وانما هم مواطنون تابعون لنفس البلد ، وهنا يبدو ان اعذار هيئة الدفاع اكثر قبحاً من قباحاتهم، كما يقول المثل الكوردي الدارج ، هذا من جهة ، امّا من جهة اخرى اسأل هيئة الدفاع عن الدكتاتور ،هذه الهيئة التي اطعن في نزاهتها لكونها تحاول الالتفاف على الحقائق باللجوء الى اللف والدوران مستغلة في ذلك بساطة المشتكين ، اسألها :

لنفترض ، وكما تدعون ،ان الجيش العراقي وبمساعدة الجحوش كان فعلاً يدافع عن اراضيه،فهل يعقل ان يهدم و يجرّف  اكثر من 4500 قرية كوردية خلال تلك العمليات وتمسح من الخارطة العراقية ؟؟ هل سبق وان سمعتم بأن حكومة معينة قامت بمثل هذه الفعلة الشنيعة دون سابق انذار لاهالي تلك المناطق ؟؟ واخيرا هل من المنطق ان لاتعرف تلك الحكومة بمصير وأماكن اكثر من 182000 مواطن من مواطنيها؟؟

 

 

اطفالاً وشباباً وشيوخاً ، نساءً ورجالاً ، وجدناهم في مقابر جماعية !!

فهل حاكمتموهم كما تحاكمون اليوم وجميع حقوقكم القانونية مكفولة؟!

 
           

 

02/09/2015