بين عاشوراء وعيد الحب لوحة حب لن تكتمل

 

 

فينوس فائق

venusfaiq@yahoo.co.uk

 

صادف إحتفال العالم بعيد الحب بعد ذكرى عاشوراء بعدة أيام . تلك الذكرى أكن لها الإحترام بدون شك كما أحترم كل الأديان بشعائرها و طقوسها، لأنها أديان جاءت لخير البشرية و تنظيم الحياة الإنسانية و معرفة الخير و الشر. لكن المفارقة العجيبة كانت في نوعية الطقوس المتبعة في كلتا المناسبتين. فهذه الأيام و بفضل التطور التكنلوجي و إختراق تكنلوجيا المعلومات أدق تفاصيل حياتنا حتى في إستذكار شعائرنا الدينية ، فإن العالم الإسلامي شأنه شأن كل المجالات و العوالم الأخرى على ظهر هذا الكون الزائل يستفيد من التطور التكنلوجي لتسهيل إيصال المعلومة و الخبر و حتى إرسال بطاقات التهنئة، أو (التعازي)  في الأعياد و المناسبات التي من نوع عاشوراء ، فقد تبادل الأصدقاء و الأحبة المسلمون من مختلف أنحاء العالم ممن يتبعون طقوس عاشوراء من الشيعة أنواع مختلفة من بطاقات (التهنئة الإسلامية) و إستذكارها الكتاب و أهل الدين و الفقه الإسلامي في مقالات قيمة و معلوماتية جيدة في المطبوعات وعلى مواقع الإنترت. كنت أتلقى في تلك الأيام و بشكل منتظم من تلك الرسائل رغم أنني لست شيعية و لا أتبع تلك الشعائر ، لكنني لم أكن أنزعج بتاتاً من الرسائل في بريدي لأنني أعتبرها في النهاية مناسبة للتواصل الأخوي و إشراك الآخرين في إحياء مناسباتهم.

لكن الذي كان يفزعني و يصيبني بالرهبة هو إستمرار مراسيم اللطم و الجنزير (الزنجيل) التي تستمر من الأول من شهر محرم وتتصاعد وقعا  ليلة التاسع منه ليعم الحزن ويمتزج الدمع بالدم في اليوم العاشر، حيث يتواكب المسلمون من الطائفة الشيعية في العراق  في كربلاء وفي غير كربلاء في مناسبة مقتل الإمام الحسين بن علي و أصحابه في القرن السابع الميلادي في معركة في كربلاء، التي يطلق عليها اصطلاحا واقعة أو معركة الطف. المواكب الحسينية هي عبارة عن مجموعة اشخاص يرتدون ملابس سوداء يسيرون بخطوات منتظمة على اصوات طبول يتقدم قارعوها الموكب لزيادة الحماسة لدى ضاربي الجنازير او (اللطامة). ففي حالة ضرب القامة (التطبير)، التي تكون في اليوم العاشر يرتدي المشاركون لباسا ابيض (كفن) في اشارة الى الاستعداد للموت والشهادة ، وقد تناقلت وسائل الإعلام وقائع المراسيم و نقلت شاشات التلفزة و الفضائيات مشاهد اللطم و الجنزير و ضرب القامة إلى العالم الخارجي..

ما أفزعني، وترك الأسى في نفسي هو مناظر الأطفال و إشراكهم في هذه الطقوس و تعليمهم الشعائر و تعويدهم على منظر الدم و هم مازالوا صغاراً لا يهفمون من منظر الدم سوى الجانب المخيف منه. يقول علماء النفس ان ما يخيف الطفل يتراكم في ذهنه ويسيطر عليه في منطقة اللاشعور، مما يترك أثراً سلبياً، دون شك على تكوينه الشخصي عندما يكبر فينقسم الاطفال الى متقبل لامر سيلان الدم بحيث لا يخيفهم او على الاقل يثير اشمئزازهم و هو يسيل من إنسان، كما تحاول التربية الفاشية فعله،  أو أنهم يتحولون إلى أشخاص بداخلهم كم هائل من الخوف و الرعب من غير الممكن التخلص منه وسط تلك المناظر التي تتكرر سنوياً..

أما عيد الحب الذي يصادف 14 من شهر شباط/فبراير من كل عام ، فهو عيد من يوم واحد فقط و كل طقوسه تتمثل في إما تبادل آيات الحب و الود بين الأحبة أو رسائل التهنئة بين الأصدقاء أو تبادل الورود الحمراء. ففي هذا اليوم في بريطانيا، مثلا،ً أشارت إحصائية هذا العام الى أن مبيعات الزهور بشكل عام،  و الحمراء، منها بشكل خاص، تصل إلى نحو 22 مليون جنيه إسترليني، فيما ترتفع أيضاً مبيعات الهدايا في المحلات التي تعرض منتوجات خاصة إحتفالاً بذلك اليوم..

أشهر الروايات التي تحكى قصة هذا العيد تقول أنه في القرن الثالث الميلادي كان هناك إمبراطور روماني إسمه كلاودس الثاني لاحظ على قس إسمه فالانتاين أنه يدعو إلى النصرانية و يعارض البعض من أوامره ، التي كان من بينها أمر  منع عقد قران الشباب قبل إرسالهم إلى جبة القتال ، ظناً منه أن غير المتزوجين أكثر صبراً من المتزوجين من الناحية الجنسية أثناء الحروب. غير أن القس فالانتاين عارض هذا الأمر بالخصوص و كان يقوم بعقد قران الشباب على من يحبون ، حتى أنكشف أمره عند الإمبراطور وأمر بسجنه وإعدامه. في السجن، و قبل إعدامه، قام فالانتاين بمعالجة إبنة السجان من مرض عضال و بعد شفائها وقعت في غرامه و قبل إعدامه بليلة أرسل لها وردة حمراء بداخل بطاقة و وقعها (المخلص فالانتاين) و بعد وفاة فالانتاين تحولت الفتاة إلى نصرانية مع عدد كبير من أصدقاءها و أقرباءها..

و هكذا و منذ ذلك اليوم يحتفل العالم بهذا العيد ، ليس إستذكاراً لوفاة القس فالانتاين و إنما إحياءاً لمشاعر الحب في قلوب الناس و إشاعة الود و الألفة بين المحبين ، بدليل أن هناك الكثيرين ممن لا يعرفون أي شيء عن الرواية الحقيقية لمناسبة يوم الحب أو فالانتاين. أتذكر أن إحدى السيدات سألتني العام الماضي عندما مر عيد الحب: هل تعرفين ما معنى كلمة فالانتاين؟ أجبتها إنه إسم قس روماني ، قالت لا إنه إسم الوردة الحمراء التي يتبادلها العشاق في هذا اليوم.

لست هنا بصدد المقارنة بين المناسبتين ، فكما أنني لست بشيعية ، فلست ايضاً بنصرانية ، لكنني أبحث عن خيط يربط المناسبتين ، فوجدت اللون الأحمر الذي يتجسد في لون الوردة في مناسبة فالانتاين و الدم الذي يسيل في عاشوراء..

لا أقصد هنا إعلاء شأن مناسبة و التقليل من أخرى ، و إنما أريد القول أن الطقوس والمراسيم الدينية و شعائرها المتبعة هي بمثابة الثقافة التي تتربى عليها الأجيال ، وهي الإرث التي يتناقل عبر العصور كونها تحمل خصائص و ملامح الشعوب و مستوى رقيها وتكشف عن ذهنية الشعوب إن كانت مغرمة بحب  الدم و الإقتتال أومغرمة  بالتسامح و دعوتها لنبذ روح العداوة ..

ما الفرق بين أن نربي أبناءنا على منظر الدم و هو يسيل من الجباه ، سواء على أيدي الحكام الطغاة و أجهزته القمعية أو بسبب إتباعنا لطقوس و شعائر دينية (مقدسة) لكنها تحول الطفل من كائن بريء إلى كائن يتلذذ و يرتاح من منظر الدم؟  الا يكفينا الدم الذي يسيل على مدار الساعة على الأرصفة والشوارع على أيدي الإرهابيين و المتعطشين للدماء البريئة؟ ألم نكتفي بالدماء التي أسالها الطاغية وأعوانه على مدى سنين طوال من حكمه حتى نأتي اليوم و نريق الدماء كي لا يغيب منظر الدم من أعين أبنائنا الذين هم كل أملنا و مستقبلنا ؟

و هل من ضرر لو فتح أطفالنا أعينهم على منظر أمهاتهم و آبائهم و هما يتبادلون التهاني (ولا اقول القبل) بمناسبة عيد الحب و يتعرفون على اللون الأحمر في الزهور التي يتبادلها العشاق في يوم الحب الذي هو عنوان نبذ الحقد و الضغينة؟

ألسنا اليوم أحوج من كل العمر الذي مضى إلى الحب و التآلف و التكاتف و التآزر ، و أحوج إلى نبذ كل مظاهر العنف و كل المظاهر التي تذكر بلون الدم و الخوف و الضعف إزاء منظر الدم و هو يسيل بين الأقدام ؟؟

لندع المناسبات الدينية تمر علينا بقدسية دون ترك آثارا سلبية على عقول أطفالنا الذين هم كل أملنا في المستقبل ، و لنعلمهم ألفياء المحبة و السلام و الطمأنينة و العزة و قوة الشخصية ليفرقوا بين الدم الذي يسيل على الأرصفة على أيدي الإرهابيين و الدم الذي لا نريده أن يسيل على نفس الرصيف بدعوى البكاء على إستشهاد الإمام علي عليه السلام ، ليبقى اللون الأحمر الإشارة إلى كل ماهو حي و يبعث بالحياة فينا من جديد و إشارة إلى الحب و غيرة العشاق ...

فألف مبروك يوم الحب .. رغم أن هذه التهنئة جاءت متأخرة ، لكني أؤمن أن الحب لا زمان له ، فلوحة الحب ممكن رسمها بأي فرشاة تحملها انامل تعطرت بالحب .. أنامل أي عاشق اوعاشقة تدرك وتفهم ان للحب لوحة لا تكتمل الا بالحب. ، لكن وا أسفاه ان نجد  لوحة للحب هناك ملطخة بلون الدم القاني الذي يشبه لون الوردة الحمراء لكنها تفقد لون الحب.

 المهم أن نعلم الأطفال أن يفرقوا بين اللونين في لوحتين مختلفتين ، و إلا فإن لوحة الحب لن تكتمل..

 

 

           

 

02/09/2015