كيف جاء المتآمرون في 8 شباط الأسود ومتى سقطوا ؟؟

 

   أحمد رجب

 

بعد أن حققَت ثورة 14 تمّوز 1958 بعض المكاسب الوطنية التي كانت نقطة تحول في المسيرة الثورية التاريخية للشعب العراقي وكانت إنتصاراً هاماً وكبيراً، وإن لم يكن نهائياً للثورة الوطنية الديموقراطية، حيث بدأت الإنتكاسة، فتحت ضغط الإستعمار والقوى الرجعية في الداخل وفي بعض البلدان العربية والمجاورة، وبدافع الأنانية الطبقية البرجوازية والخوف من إستمرار المد الثوري الجماهيري، إرتدّ الحكم عن النهج الديموقراطي، وأطلق العنان للنشاط الرجعي المتفاقم ليستثمره ضد الحركة الجماهيرية الثورية، وأمعن في شق الصف الوطني وضرب الأحزاب الوطنية، وبدأت من جديد تطاولات الإقطاعيين والرجعيين المحليين، وانتهى الأمر بشن حرب عدوانية ضد الشعب الكوردي.

لقد بادرت شبكة عملاء الإستعمار بتشجيع من مختلف الأوساط الرجعية في الدولة والمجتمع برسم المخططات التآمرية، وهي تضم في إطارها الإقطاعيين والعملاء والرجعيين من أعداء الديموقراطية، وفي ظرف الصراع الدائر في كوردستان تمّ إنقلاب الردة في 8 شباط الأسود عام 1963 بواجهة بعثية قومية، ودشّن البعثيون والقوميون الإنقلابيون القتلة عهدهم القذر بالهجوم على الحركة الديموقراطية مركزين هجومهم على الحزب الشيوعي العراقي، وأعلن البيان رقم 13 المشؤوم الذي يبيح قتل الشيوعيين والوطنيين وإبادتهم، فأطلقوا العنان للحرس القومي الفاشي بإباحة القتل والسلب والنهب وهتك الأعراض، وتمّ فتح معسكرات الإعتقال التي ضمّت عشرات الألوف من الوطنيين والشيوعيين وجرت ممارسة التعذيب والتصفية الجسدية، واستشهد المئات من الكوادر الشيوعية والوطنية، وفي طليعتهم السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي سلام عادل والعديد من القادة وأعضاء الحزب والوطنيين العراقيين، وبعد أشهر من الهدنة مع قادة الثورة الكوردية والتي استثمرت لتصفية آخر بقايا الديموقراطية شهدت البلاد أفضع حرب تدميرية ضد الشعب الكوردي.

ولكن في خضم هذه الجرائم المروعة وإستبسال العراقيين في الوقوف بوجه الأعداء والحملة العالمية ضد الحكم الرجعي الجائر، ومقاومة الشعب الكوردي البطولية، وتدهور الوضع السياسي والإقتصادي زاد في عزلة الحكم، وحطّم الحلف بين الرجعيين والقوميين والبعثيين، وأشتّدّ التناقض الداخلي بين أجنحة البعث نفسه، الأمر الذي سهّل حصول إنقلاب 18 تشرين الثاني 1963 بقيادة الحاقد القومي والشوفيني العنصري عبدالسلام محمد عارف، وبالرغم من أنّ الحكم الجديد قد خفّف من وطأة الإرهاب وحل الحرس القومي الفاشي، وأطلق سراح العديد من السجناء، لكنه إستمرّ في تنفيذ أحكام الإعدام بالعديد من المناضلين، ثمّ شنّ الحرب العدوانية ضد الشعب الكوردي مجدّداً.

لم يستطع حكم عبدالسلام المتهريء من البقاء، فقد جوبهت السياسة العارفية الإرهابية المعادية لمصالح الشعب بمقاومة فعلية ومعارضة واسعة ومشتدة، وإلى جانب اللجوء إلى كبت الحريات والإرهاب ضد الجماهير والأحزاب الوطنية كسياسة دائمة، فقد حاول هذا الحكم إيجاد حلول للأزمة المستحكمة عن طريق عدد من كبار العسكريين الدمويين وقادة بعض القوى القومية الذين ساهموا في صياغة وتطبيق السياسات الدكتاتورية.

لقد تعرض الشعب الكوردي منذ سنوات حكم البعثيين الذي بدأ من عام 1963 إلى عام 2003 إلى حملة إبادة جماعية وحرب شوفينية حقيقية، إنطلقت خلفيتها من الموقف العروبي الشوفيني إزاء حق الشعب الكوردي في ممارسة حقوقه القومية المشروعة، إذ لم تتورع سلطة صدام حسين الدموية عن إستخدام الأسلحة الكيمياوية والقنابل العنقودية والفسفورية والنابالم ضد السكان الآمنين وضد مواقع قوى المعارضة الوطنية والكوردستانية، وأبتدأ النظام الدكتاتوري بتصعيد حربه الشوفينية القذرة بنقلة نوعية تجّسدت في إبادة مدينة بكاملها، حين قصف في آذار عام 1988 مدينة حلبجة بمادة السيانيد القاتلة والغازات السامة الأخرى، ممّا أودي بحياة أكثر من 5 آلاف مواطن ومحو عوائل بكاملها خلال دقائق معدودات.

ويجب أن لا ننسى بأنّ النظام البعثي الفاشي قد إستغل فرصة وقف إطلاق النار في حرب صدام المدمرة والمجنونة ضد إيران لسحب وتوجيه قوات ضخمة من جبهات الحرب وزجّها في عمليات عسكرية واسعة النطاق مدجّجة بالإسلحة الكيمياوية بهدف تصفية الحساب مع قوى المعارضة الوطنية وسحق كفاحها الأنصاري المسلح ووجودها السياسي وترويع سكان تلك المناطق وإجبارهم على إخلائها.

ولم يكتف النظام الدكتاتوري الأرعن بأعماله الهمجية، وشنّ عمليات الأنفال السيئة الصيت لإبادة الكورد وأبناء الشعوب والقوميات المتآخية في كوردستان، وقد أسفرت الحملات الجنونية لحرب الإبادة الشوفينية عن لوحة جديدة لوضع جديد في كوردستان، وأثمرت عن أرض محروقة سوداء وربايا عسكرية وشوارع تتحرك فيها آليات الجيش ودروعه وأزلام النظام.

ان الدكتاتورية المجرمة قد وزعّت خيراتها وبركاتها المتمثلة بالقتل الجماعي والمقابر الجماعية مع مظالمها المتعددة الأوجه بصورة عادلة على أبناء الشعب، لذا رأينا بأن الشعب العراقي بعربه وكورده وسائر قومياته المتآخية قد خاض معركة تحرير الوطن من براثن الدكتاتورية الباغية، بالرغم من أنّ هذه الدكتاتورية الغاشمة تمسّكت بطغيانها وإرهابها الدموي ونواياها الشريرة في إغراق القوى المعارضة بالدماء الزكية، فبدلاً من الرضوخ لإرادة الشعب العراقي المصمّمة على إسقاط هذه الدكتاتورية وبناء حكم منتخب من قبل أفراد الشعب يستطيع أن يلغي التميز القومي والطائفي والمذهبي، ويسهم في ترسيخ وإرساء قواعد السلم والإستقرار في المنطقة، وذلك عن طريق إسقاط المجرم صدام حسين ونظامه الدكتاتوري.

انّ الشعب العراقي عاش ابان حكم البعثيين الأوباش وأيام الحكم الدكتاتوري الرهيب مسلوب الإرادة، حيث فقد كل حقوقه الإنسانية، وتعّرض إلى التهجير القسري بذرائع شتى وبدع بعثية شوفينية، وتمّ نقل الكورد وإخوتهم من القوميات الأخرى من مدنهم في كوردستان إلى مناطق الوسط والجنوب ضمن سياسة التعريب والتبعيث والتهجير العنصرية الحاقدة، كما تمّ طرد الكورد من أعمالهم ومدنهم وهذه المرة إلى خارج البلاد باسم التبعية، وشملت هذه الحملة الجبانة مئات الألوف من الكورد الفيليين، كما تعرض العراقيون إلى الإعتقالات العشوائية لكي يعيشوا في السجون ويواجهوا الموت تحت التعذيب أو الثرم بواسطة الماكينة البعثية التي استوردها رأس النظام العفن، ومن ثمّ رمي الأجساد المثرومة في الأنهر حيثما أمكن، أو إرسالها إلى المقابر الجماعية التي غطّت أرض العراق من كوردستان إلى الجنوب، ولم ينس البعثيون قط صراعهم مع الكورد، وكانوا يشنّون بين فترة وأخرى حرباً ضروساً بمختلف الأسلحة بما فيها الكيمياوية ضد الكورد وسكان كوردستان.

ولمّا كانت الظروف العصيبة المفروضة على الشعب العراقي والمخاطر المحدقة باستقلال البلاد ووحدة أراضيه يتطّلب درؤها نضالاً متصاعداً من جماهير الشعب، وكان بعض السذج يأملون مبادرة فورية من أفراد وقادة القوات المسلحة، وتصدّياً فعّالاً من قواعد وكوادر الحزب الحاكم في العراق لإزاحة الدكتاتورية وأزلامها، ولوضع نهاية للكارثة، وقد نسى هؤلاء السذج بأن القوات المسلحة هي أداة قمع بيد الدكتاتورية، وانّ أعضاء وكوادر البعث الفاشي هم خدم أذلاء للمجرم صدام حسين.

لقد جاؤا وقتلوا وقاموا بأعمال مشينة وأشعلوا نيران حروب داخلية وخارجية، وصرفوا أموال البلاد ودفعوا رشاوي لشراء ذمم من لا كرامة وشرف لهم لبقاء حكمهم الأسود، وقد صفّق لهم من استلم المال العراقي والزمر الحاقدة، ولكن مهما حاولوا، إلا أنهم أصيبوا بخيبة الأمل وفي النهاية سقطوا، وعلى العراقيين غلق الأبواب عليهم كي لا يعودوا مرة أخرى، فالبعثية كمرض السرطان.

 

 

           

 

02/09/2015