الکورد ماضون رغم الإنزعاج الترکي

محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني

 

ترکيا التي لم ير المرء في تأريخها صفحة بيضاء ولا حتی صفراء أو سوداء، بل دامية تترشح منها الدماء ويتلوها البؤس والتطهير العرقي والإبادة الجماعية علی قاعدة ( لنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون )... أبدت إمتعاضها بما توصلت إليه الأطراف العراقية والکوردستانية بشأن دستور دولة اتحادية يکون جنوب کوردستان أحد أضلاعها مع أقرب الامم إليه‌، وبالتالي فانها ليست مستعدة للإعتراف بهذا الكيان طالما کان الکورد عصبه... والإناء ينضح بما فيه‌..!

إن موقف ترکيا لا يدعو للدهشة والإستغراب ولا للتساؤل، لأنه من باب تحصيل الحاصل... لأن دولة هذا تأريخها مع شعب نسمته تقارب أو تزيد عن عشرين مليونا علی أرضها، وهو محروم من أبسط حق يتمتع به الإنسان وهو اللغة، ولا يحتاج إلی قانون يقرها أو مرسوم يعترف بها، ناهيکم عن قانون لا يشجعها أو يمنعها، وإذا سمح بها فتحت " بسکون الحاء " مطرقة أوروبا وعلی قاعدة مکره‌ أخوک لا بطل... ماذا تتوقع من هکذا‌ دولة وهي تری أن جزأ من کوردستان وبعد تضحيات وأنفالات، وبکل إصرار، يتقدم ولا يتأخر لبناء مستقبله‌ وتکوين کيانه‌ القريب من الکونفيدرالية منها إلی الفيدرالية ـ بقراءة دقيقة لمسودة الدستور ـ والعيش کباقي البشر مرفوع الرأس، شديد البأس وبالتوافق، وبشروط هي لمصلحة الکل.

أجل..! إذا کانت ترکيا يعزعليها الإعتراف بوجود الکورد في بلدها لأنها أدمنت علی کراهية القوم، فکيف لا تصيب بالصدمة والإنزعاج وهي تسمع أن أکثر من 90% من کورد جنوب کوردستان يصوتون لصالح دولة کوردية، وبالتالي کيف تعترف بوجود کوردي مهما کان إطاره وشکله‌ وحجمه‌، حتی لو کان في إطار لغوي او تراثي..

إن رضا ترکيا غاية لا تنال إلا بوأد الکورد وضرب کل مکسب، لأنها نابعة من عقلية نازية شوفينية تتربص بهم ريب المنون دائما ... ومشکلتها هي کيفية الخروج منها بعقلية عصرية في وقت کل مؤسساتها الدستورية والسياسية والتربوية بنيت علی أنقاضها وعفا عليها الزمن، بالرغم من ألأصوات المنادية بالتصدي لها بشئ من الحکمة والتعقل والإتزان بعد أن أصيبوا صغار" بفتح الصاد " عند أنفسهم وعند الناس، وباتوا هم يبحثون عن علاج، لأن الدنيا تغيرت والکورد لا يتنازلون.

والخطورة تکمن في أن تتأثر الدول والأطراف والطوائف الأخری المتفقة مع الکورد لبناء مستقبل إتحادي مشترک، بردود فعل ترکيا وخربطتها وهلوستها، وتضحي بالأولاد من أجل الجيران، کما يقول المثل الکوردي... وبالتالي تخرب بيتها والآخرين بأيديها من أجل ترکيا التي هي نفسها بحاجة إلی صدمات دماغية لتصحا من الورطة الکوردية والحساسية الکوردستانية التي أوقعت نفسها فيها بعنصريتها التي تولدت عنها العنجهية وبالتالي سفک الدماء والدمار و مقتل عشرات الألوف من البشر من الطرفين، طوال أکثر من ثمانين عاما...

لا بد وأن تراجع ترکيا حساباتها بخصوص موقفها من شعب جنوب کوردستان الذي تحتضن أرضها أيضا الأقلية الترکمانية التي يبدو أن ترکيا مستعدة حتی أن تضرب عنهم صفحا مقابل شاحنة من البترول وکرها لوجود تشم منه رائحة الکورد کذلک... لأن الکورد الذين قاوموا أکبر دکتاتور في التأريخ، حتی أوصلوه‌ إلی الجحر ومن ثم إلی السجن، لقادرون علی أن يکملوا المشوار مع الآخرين أيضا...

سواء إعترفت ترکيا بکردستان أو رفضت، فان هذا لا يهم الکورد الذين يحققون في کل يوم مکسبا لبناء مستقبلهم وتأسيس کيانهم الذاتي ويتواصلون رغما عنهم...

إن ترکيا التي جن جنونها حين إعلان رفع العلم الکردي ورفرفته‌ علی کل مؤسسات کوردستان، وأرغت وأزبدت، ومن ثم أرغمت علی الرضا بأمر الواقع تحت وطأة الإهمال الکوردي، لابد وأن تسکت يوما ما أمام الصمود الکوردي بعد تهديد ووعيد معهودين، ويعترف بالواقع الموجود أصلا.

 وما يفيد ترکيا الآن فقط هو المثل السويدي الذي يقول: إذا لم تلتفت إلی الوراء وتقرأ التأريخ لتعتبر منه‌، ولم تنظر الی الأمام وتقرأ المستقبل وتتنبأه‌ ، فالأفضل لک أن تترک الأمور وشأنها... والعاقل تکفيه‌ الإشارة..!

 والکورد ماضون...

 

mohsinjwamir@hotmail.com