ليس كل الأنبياء عربا..!

   

جوابا علی معالي الدکتور فؤاد العنزي مستشار صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل

محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني

mohsinjwamir@hotmail.com 

في الوقت الذي کنت منهمکا بکتابة مقال ( لماذا أرادوا أن يکون العراق جزءا من الأمة العربية ) والذي نشر قبل أيام, تسلمت شاکرا رسالة ألكترونية من معالي الدکتور فؤاد العنزي مستشار صاحب السمو الملکي الأمير سعود الفيصل، يستوضحني فيها عن أمرين وردا في مقالتي ( أيها الکورد ! عضوا علی الکورد الفيليين بالنواجذ ) و ( لو أصبح العراق جزءا من الأمة العربية، لخسر الکورد وعلی الدستور السلام )...

 

 حول الموضوع الأول يقول السيد المستشار بالنص : ( بخصوص مقالک الذي لقيته‌ صدفة وعن أغرب طائفة سمعت فيها في حياتي إنهم الکورد الفيلي إن صح التعبير، فنحن نعرف الکورد. فهل لک يا أخي الکريم توضح لي من هم الکورد الفيليين، وهل هم سنة وشيعة سواء أم سنة فقط أو شيعة فقط ) .. وعن الموضوع الثاني يقول معلقا ومستوضحا بالنص أيضا : ( حرام عليک يا أخي، العراق بلد القبائل والعشائر العربية ومهبط الرسل والأنبياء الذين تکلموا العربية، هو العضو المؤسس للجامعة العربية، وعمق الوطن العربي وبقية الأقليات، ولکن يبقی العراق بلد عربي وخليجي أيضا. وأنتظر تعقيبک الکريم ).

 

ولإستغرابي لما جاء وذکر حول الکورد الفيليين خاصة، رجوتهم بأن يوضحوا ما يطلبونه‌ تماما حتی يتسنی لي الجواب.. وقد إستلمت شاکرا الجواب من مکتبه‌ وبالنص : ( السؤال واضح، المستشار يبغي يعرف من هم الکورد الفيليين، وهل يختلفون عن أکراد الشمال " کوردستان ـ م.ج " وهل هم سنة أو شيعة.. وأنقل إليک إستياء الدکتور نواف العنزي حول أن العراق بلد إسلامي، ويقول العراق بلد القبائل العربية الأصيلة، سواء کانت قبائل عربية سنية أو شيعية، ولکن لبقية الأقليات خصوصية، وننتظر ردک الکريم )..

***

اعتقد أن ما نشر وينشر حول الکورد الفيليين في مواقعهم يغني عن کل ما يمکنني أن أکتب عنهم هنا في هذه العجالة السريعة، ولعل في هذا الموقع : http://bahzani.org/abc/faeli.htm

 ما يدلهم إلی هذا الضلع الکوردستاني الذي کان ضحية الجلاد الذي حسب انه لن يقدر عليه احد ولم يره.. لذلك ما كان ذاك الغول يتناهى عن ملاحقتهم, لکورديتهم وتضحياتهم من أجل کوردستان.. وما تعرضوا له‌ من إضطهاد وتشريد وتسفير وتطهير وغصب لأموالهم وممتلکاتهم وبلداتهم‌ وبجانب الشرائح الکوردستانية الأخری، يتساوی مع ما تعرض له‌ شعب فلسطين، إذا ما طرحنا منه‌ عمليات الأنفال والقصف الکيمياوي..

 

 ثم هم جزء من النسيج الكوردستاني من حيث العادات والتقاليد والدين والنضال المشترك, عدا عن كون سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني الأستاذ حبيب محمد كريم كان فيليا, وذلك في السبعينيات..

 

 ومن نافلة القول أن الفيليين شديدو التمسك باللغة الكوردية في حلهم وترحالهم, وذكاءهم المتميز في مجال المال والاقتصاد معروف للخواص والعوام..

 

  وللعلم أن من بين الكورد طوائف دينية اخرى تجري طقوسهم وصلواتهم باللغة الكوردية, كاليزيدية والكاكائية.. ولمزيد من المعلومات يمكن التكرم بزيارة الموقع المذكور اعلاه ايضا.

 

أما بخصوص کون الأنبياء العراقيين قد تکلموا العربية، فلم أسمع ولم أقرأ قولا او دليلا علميا أو عقليا أو تأريخيا صحيحا لحد الآن ما يؤيد هذا القول وينبئ به.. أعتقد انه عارعن الصحة ومجرد تخمين.. سوی سيدنا محمد ـ روحي فداه‌ ـ الذي تحلق اسمه في ربى الافلاك, فقد ولد في مکة ودفن جسده‌ الطاهر في المدينة، ولم يکن ـ والحمدلله‌ ـ عراقيا .!

 

ولکنني أعرف أن جبل جودي الذي يذكره قرآننا ( واستقرت علی الجودي ) هو في قلب کوردستان، ولن تجد غير الکورد ساکنا في هذه‌ المنطقة, ولم نسمع او نقرأ ان قوما غيرهم سكنوا فيها طوال التأريخ.. حتی انه‌ بالرغم من عملية التتريک المتواصلة التي مارستها الحکومات الترکية المتعاقبة ضد الکورد، لن تجد ترکيا واحدا يسکن فيها، ناهيکم عن العرب... فهل يعقل أن يکون سيدنا نوح قد دعا إلی دين الله‌ بغير لغة قوم جودي..؟  ثم ما المانع في أن يکون سيدنا نوح کورديا ـ أو غيرعربي ـ والآية صريحة في مسألة ارسال الرسل بلسان شعوبهم ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه‌، ليبين لهم) ولا تحتمل التأويل ولا يمكن حملها على غير محلها..؟

 

 

وهكذا الحال مع سيدنا إبراهيم، فان أحدث التحقيقات الأثرية وکما يقول الباحث المحامي مصطفی المختار، تؤکد أن سيدنا إبراهيم عليه‌ السلام ظهر في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وانطلق بدعوته‌ من مدينة ( أورفة ). وقد ورد في (العهد القديـم) إن إبراهيم جاء من منطقة ( فهران آرام ) ـ بالقرب من مدينة أورفة ـ مدينة ( حران ) في کوردستان الشمالية ( كوردستان تركيا ) و تغرب إلی فلسطين، وجاء يعقوب إلی أبيه‌ إسحاق إلی جبروت ( مدينة الخليل ) حيث تغرب إبراهيم. ويقول الباحث والمستشرق لورد في کتابه‌ ( قصة الکتاب المقدس ) : " إن الطريق الذي سلکه‌ إبراهيم  عليه‌ السلام کان بمحاذاة الجانب الأيسر من مجری نهر الفرات ".. وبخصوص اسم ابراهيم يقول الباحث مختار:" فكلمة ( ابراهيم ) تتكون من مقطعين باللغة الكوردية ( ابرا, وهيم ) , وابرا يعني ( الأخ ) وهيم يعني ( ألعالََم ) ولحد الآن تستعمل في لغتنا كلمة ( هي ) أي ( تعلم ) في نحو ( خو هي كى ) يعني ( تعلّمه..! ) ومن هنا يتبين لنا معنى كلمة ( ابراهيم ) وهو ( الأخ العالم). كما أن كلمة ( أبراهام ) كما وردت في التوراة فتعني في اللغة الكوردية  (أخ الجميع ) , فمقطع ( هام ) يعني الكل او الجميع والاسم في كلتا الحالتين اعجمي ممنوع من الصرف أي ليس بعربي, وكما أن اسم نوح عليه السلام اعجمي ممنوع من الصرف " العدد 16 مجلة حلبجة 1994.

 

أظن أن إقحام العواطف في المسائل التأريخية، باب لطمس الحقائق وإن ظـن أنه‌ يخدم الدين, بل هو تحامل عليه ليس الا.. ثم إن القول بعروبة العراق ليس من أرکان الدين ولا من اول المهمات, عدا عن كونها إثارة لآلام تجرعها غير العرب خاصة من ويلات العروبة...

 

 ثم حسب ما علمت ليس هناک سوی ثلاث دول عربية ثبتت في دستورها هذه‌ المادة. وإنه‌ لمن الظلم أن يکون هناک في الدولة الإتحادية المستقبلية بين کوردستان والعراق، جامع آخر غير الإسلام والوطن.. مع الأخذ بنظر الإعتبارـ وبجدية ـ خصوصية الأديان والطوائف الأخری المتواجدة في کلا الجزئين..

 

ثم إن جمال الإسلام من يوم البعثة النبوية، ينبع من کونه‌ جمع جميع الألوان والأطياف والشعوب والملل في بوتقته‌، لا من خلال تذويبها وصهرها وبالتالي تعريبها, بل بتهذيبها وتشذيبها وحفظ  شخصيتها وتقوية عری الأخوة والتضامن بينها ( وجعلناکم " شعوبا " و " قبائل " لتعارفوا ) وکذلک ( ومن آياته‌ خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتکم وألوانکـم )..

 

إنه‌ في اليوم الذي دخلت فيه‌ فکرة " العروبة أولا " كما ذكرت في مقالاتي السابقة ايضا, بفعل الکاتب ساطع الحصري وأشياعه إلی المناهج والدساتير ضيع الکورد والعرب معا.. وکل ما حصل من کوارث للکوردستانيين والعراقيين خاصة من أنفالات وحلبجات والتهجير القسري للکورد الفيليين والآخرين ، کان من شجرة جحيم العروبة التي أساءت حتی للاسلام.. وإلا کيف يفسر محو 182 ألف کوردي تحت إسم أعظم سورة في القران، ما نزلت إلا لنصرة المستضعفين لا إبادة الآمنين والمؤمنين عن بكرة ابيهم.!

 

 ناهيکم عما جری لكورد کرکوک وأخواتها من تشريد وطرد، وجلب عرب من جنوب وغرب العراق وإسکانهم في أرض الکورد وبناء المستوطنات لهم على غرار المستوطنات الاسرائيلية... وهل بعد ان أوسعوا الكورد اهانة واشبعوه ابادة, يريدون ان يقولوا للكورد " يا عاذلي هلاّ كففت عن عذلي..! " ومن ثم  يراد منهم التوقيع بالأصابع العشرة وبقناعة علی بند " العراق جزء من الامة العربية " لكونه عضوا مؤسسا للجامعة العربية التي ضربت عليها الذلة من يوم تأسيسها.. والذي قد يکون ـ اي البند ـ مسوغا قانونيا لتثبيت الواقع المؤلم والمزري الذي أوجدته‌ نظرية " العروبة أولا " بكل سلبياتها و مثالبها ومآسيها وحماقاتها.؟!

 

إن النظرة إلی الشعب الکوردي من منظار الأقلية، في حين أن نسمتها تصل إلی  ثلاثين مليون إنسان على اقل تقدير وفي عصراستقلت قبائل وبطون وبلغت شأوا مقبولا بكيانها ودولها وشبت عن الطوق.. ثم الترحم عليه ببعض الحقوق من لسان او لباس أو ثقافة شعبية وفق سياسة تقليم الأظافر والانطلاء والخداع والنهش، من دون الإعتراف الکامل بحقوقه‌ السياسية الکاملة من خلال سيادته‌ علی أرضه‌ کوردستان، حتی ضمن أطر فيدرالية متفق عليها.. إن هذه‌ الرؤية لهي قاصمة الظهر التي تنزل بالعلاقة بين الشعوب الأخری وشعب کوردستان الى ادنى المستويات، کما رأينا جزأ منها في العقود الماضية حيث وهت كثير من عراها، ونرجو الله تعالى أن لا يرينا هذا المکروه ولا يرتفع له دخان في العقود اللاحقة..

 

وما أظن أن قضيتنا تستعصي علی الحل وبما يكافئ العصر إذا کانت هناک إرادة لإيجاده‌ والتجرد عن الأنانية والفوقية القومية التي تزيد الدخن في العلاقات.. فالکورد لا يرفضون أي حل بشرط أن تعاد حقوقهم وأرأضيهم ( مما قلّ منه او كثر) والتي أغتصبت منهم في کرکوک وأخواتها، وکذلک کل الممتلکات التي من الکورد الفيليين سرقت وسلبت، والبلدات التي طردوا منها عنوة وبغيرهم من العرب أسکنت.. ومن ثم جميع الأطراف أوفت بعهودها التي عليها عاهدت ووقعت..

 

وقتئذ يتحقق ما أمر به الرسل والأنبياء والعدول من الرجال والفضلاء سواء كانوا من العرب او الكورد او من غيرهم وفي مقدمتهم سيد الثقلين حبيب الأرض والسماء, مشكاة الأنبياء والمرسلين محمد صلّى الله عليه وسلم الذي اوصى في أول وثيقة لحقوق الانسان من بين ما اوصى به في حجة الوداع, مناديا:

يا أيها الناس ! ان ربكم واحد وأباكم واحد, ألا لا فضل لعربي على اعجمي ولا لأعجمي على عربي, ولا لأسود على احمر, ولا لأحمر على اسود الا بالتقوى..

أبلغت ؟ قالوا: بلغ رسول الله...

 

ولعل ما نشر من مقالی ( لماذا أرادوا أن يکون العراق جزءا من الأمة العربية..؟ ) المشار اليه سابقا وهو من جهد المقل, ما يشفي الغليل لما ورد فيه من دليل حول ضرر الدعوة القومية الفوقية على الرابط الوثيق الذي يربط  بعضنا ببعض وهو ليس بقليل..