لا تصدقوا الجبهة الترکمانية... فانها تکذب ..!
محسن جوامير ـ کاتب کوردستاني

   

أصدرت الجبهة الترکمانية بيانا تعترض فيه‌ علی ما جاء في بعض بنود الدستور من مواد واصفة إياها( أن الحقوق العامة والحريات لم توزع بشکل عادل، بل تم توزيع الحقوق علی أساس القوة الموجودة في الوقت الحاضر)... و‌‌هذا التصريح يأتي بعد أن فقدت المذکورة مصداقيتها، وأصبحت نموذجا فاقعا بين من تدعي هي تمثيلهم وهم منها براء، لکونها قد تحولت إلی عراب لا يحمل معه‌ إلا البؤس والأکاذيب، بعد أن کان الغموض سيد الموقف لوقت ما ولم تنکشف أوراقها بعد.

بالرغم من الهفوات الموجودة في الدستور والنقائص التي يکتنفها والثغرات التي ينبغي ملئها، وإعتراضات الکورد وغيرهم عليه‌ وکما ذکرت في مقالات سابقة... ولکن المطالع لما ورد فيه‌ ولاسيما ما يخص الأقليات القومية ومنهم الترکمان، يکاد يصل إلی حقيقة أن حقوقهم المثبتة هی فوق ما کان متوقعا، وتفوق نسبيا ما حصل عليها حتی الکورد لو أخذنا بنظر الإعتبار حجمهم وتواجدهم السکاني الحقيقي  ضمن حدود جغرافية وتأريخية ثابتة وموغلة في القدم، بعکس طبيعة التواجدات الأخری المقطوعة الصلة ببعضها والمحدودة النفوس... وهذه‌ حقيقة وليست سما في الدسم... ويعرفها أصحاب العلوم والهمم، من ترک وعرب وعجم...

أظن أن ما قيل وتسرب عن دور المفاوضين الکورد  سواء منهم العلماني أو الإسلامي في الدفاع عن الأطياف الموجودة في کوردستان وفي أروقة لجان الدستور، في منتهی الصحة، ودليل علی نظرتهم الواقعية للامور وکونهم أبصر من زرقاء اليمامة من دون إحتکار أو تشنج قومی کما نراه‌ لدی الأطراف الأخری... وکذلک کان نابعا من تصور العيش المشترک دون تمييز، وبعيدا عن التأثر بلخبطات الجبهة الترکمانية وأشباهها التي ساءت دائما سمعا فأساءت إجابة، والتي طالما کانت عاملا للفتنة والشقاق من يوم ولادتها في رحم أعداء کوردستان ولغاية اليوم... بل وکأني بالمفاوضين الکورد دافعوا عن الأقليات أکثر من دفاعهم عن بني جلدتهم، ولکن يبدو أن جزاء التمرة کان جمرة..!

 وأظهرت مواقف الجبهة الشاذة والغريبة حتی عن طبيعة المجتمع الترکماني، مدی عمالتها وحقدها وبالتالی خطورة ديمومتها في نسيج العمل السياسي المنفتح علی الآخرين برغم الإختلاف، لکونها نشأت وهي في بطن الأتاتورکية علی قاعدة الرفض البات المطلق لکل ما هو کوردستاني.

 لذا يبدو من القراءة الاولی للبيان أن الغرض ليس هو التصدي للدستور بالبيان والتحليل أو التعرض إليه‌ بالجرح والتحليل فحسب، إنما الهدف هو الکورد وبيت القصيد هو کوردستان ، وکما جاء في بيانهم ( فان الدستور وصلاحيات الأقاليم الإتحادية سيؤديان إلی ظهور أرضية لتمزيق وحدة البلاد مستقبلا )... إنهم وبحکم تربيتهم وتوجيهات أسيادهم کما ذکرت آنفا، باتوا لا يطيقون حتی سماع وجود إقليم باسم کوردستان الذي هو بمثابة صاعقة من السماء تنزل عليهم، ويموتون بغيظهم وبغضهم وتراهم سکاری وما هم بسکاری... ويستشف القارئ هذه‌ الحالة العصيبة والدوامة القاتلة في بياناتهم وکتاباتهم التي تصل في کثير من الأحيان إلی حال من ( لا يعرف الحي من اللي ).

 المطلع علی ما جری  لهذه‌ الجبهة المقصوصة الجناح من إنشقاقات داخلية نتيجة صحوة ويقظة بعض الذين إنخدعوا بشعارات لا واقعية ومراهقات فکرية أقرب إلی الطيش منها إلی الوطنية، يتراءی له‌ بأن لا مندوحة لها عن التحول إلی مکاتب تصدر البيانات لتعکير صفو العلاقات بين القوميات والأقليات، بدلا من تنظيم يمثل طموحات جما‌‌‌‌هيره ويبني بالتالی جسور الثقة بينه وبين الآخرين ولاسيما مع الکورد الذين هم أقرب إليهم تأريخا وقرابة وأکثر ودا وسماحة.

 واليوم عندما يقول سعدالدين أرکيج رئيس جناح من أجنحة الجبهة الترکمانية لجريدة الحياة رافضا الدستور ومهددا بأن ( الأحزاب والقوی السياسية الترکمانية ستشکل ميليشا مسلحة لحماية وجود الترکمان ) وبالتوافق مع تصريح مرادفه‌ الشيخ حسين سلمان الجبوري ( إن عرب المدينة لا يعترفون بکل ما جاء في مسودة الدستور) وعلی قاعدة وافق شن طبقة والطيور علی أشکالها تقع...فان ‌هذا دليل علی مدی عظم الهزائم التي تتعرض لها الجبهة والأذناب البعثيين وتعرضت، نتيجة خيانتها لقومها بتعريضهم مع سبق الإصرار إلی إرهاب نفسي وترعيب روحي ومحاولة اشعال فتيل الحقد بين الأقوام بعد أن أطفأه‌ الکورد بتعامله العقلاني والحضاري في مسيرة التعايش الأخوي بين کل الألوان في کوردستان وردم الهوة التي أراد العملاء والمغفلون توسيعها.

  ولا بد أن يلفظ الإخوة الترکمان هذه‌ النکرة من مجتمعاتهم وقبل أن يتعرض شبابهم إلی الغواية والإنحراف الفکري. وإن أفکار الجبهة التحريضية يجب أن لا تؤخذ هکذا جزافا، وينبغي وضعها في خانة توجهات الجماعات الإرهابية، والتعامل علی أساسها معها، لأنها تنذر بخطر شديد علی الجميع، والبعوضة تدمي مقلة الأسد.

 عندما وضعت الجبهة يدها في يد الوافدين من الأعراب وأوحت للترکمان بأن الکورد أعدی من العقرب والجرب، وأرادت زجهم في معرکة نفسية لا طائل تحتها، خيبت الإنتخابات فألها وإنهارت بها أرکانها وصارت کمن في الصيف ضيعت اللبن وعلی نفسها جنت براقش... واليوم عندما تقول في بيانها ( الجبهة الترکمانية وهي مستندة علی  قوة شعبها وقوة الخيرين قد بدأت بجهودها لتعديل بعض المواد والنصوص في مسودة الدستور ) فانها لن تکون أسعد حالا ممن حاولوا بالأمس برغم حجمهم وقوتهم وجماهيريتهم، من ثني عود الثبات الکوردي والقوة الکوردستانية حين وضع الدستور، فکيف من بعده‌ وبعد أن برد الحديد ووضعت حرب الدستور أوزارها، وأصبح الکورد لکثرة المصائب تهون عليه‌ المصاعب.

 إن علی متن القطار الکوردستاني کل الأطياف والألوان، ووجهته‌ هي شاطئ الأمان، ومستعد أن يوصل الذين جاء بهم الصنم الذي أباد الله‌ خضراء ه‌ إلی أراضيهم التي أقتلعوا منها، بکل سلام، وفق المحطات المذکورة في الدستورالمکتوب للأنام الذين طالت عليهم الغربة من الکورد وغيرهم، وکذلک الذين طال مکوثهم  ظلما وعدوانا علی الأرض الحرام التي لا تقبل عليها صلاة وصيام، وبشهادة العرب الأصلاء من إخواننا الکرام الذين لا يبغون إلا إحقاق الحق وعودة الوافدين إلی أماکنهم، ليتحقق بها حسن الختام لهم وللکورد الذين يئنون في الخيام، وباتت أجسادهم تتحول إلی عظام من فرط عوزهم إلی الطعام... وبعکسه‌ فلا نعيق صبري طرابية ولا تقولات فهمي الهويدي ولا حامورابيات سليـم مطر ولا مرثيات علي الثويني  تساوي شروی نقير لدی الغني من کوردستان أو لدی البائس الفقير.

  فالأرض لمن أخذت منه‌، لا لمن أخذ... ولو أتی بألف حجة أو عتب، فلن يقبل منه‌، لأنه‌ عصی وشذ... وهذا القانون مکتوب من زمن أبينا آدم الذي طرد من الجنة لأنه‌ إغتصب، إلی عصر تبت يدا أبي لهب..! ولا فائدة من تعديل الدستور ولا يغني ذلک من اللهب والغضب... هكذا قال ربي، ومن يقول عکسه‌ فقد کذب...! ولتصلح الجبهة حالها باعلان الحداد في أدب... فلا الکورد ولا الترکمان الأحباء بحاجة إلی تلفيقات وخطب... وذهب عصرالمدفع والمشجب... وعليها أن تعرف هذا عن کثب.

  ومعظم النار من مستصغر الشرر، هكذا قال لنا من قرأ الواقع والقدر..!

 

mohsinjwamir@hotmail.com