الشوفينيون العرب يريدون من الكورد التخلي عن ثوابتهم القومية !!

 

    أحمد رجب

   

 

لا بدّ من القول ان تحديات جدية واجهت عملية كتابة دستوردائم ديموقراطي في العراق يرسي الأساس الثابت والقوي لدولة ديموقراطية عصرية تقوم على حكم القانون والمؤسسات، وأن تعتمد الدولة المنشودة على مبدأ حق المواطنة، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتمائاتهم القومية والدينية والمذهبية، او المعتقد او العرق او الجنس او اللون .. دولة تستمد فيها السلطة من الشعب وتعبر عن ارادته، وتحترم فيها حقوق المواطن وحرياته المدنية والسياسية، الخاصة والعامة.

بعد مخاض عسير ومناقشات مطوّلة بين الأحزاب والأطراف والأطياف المختلفة، وبين مؤيدين ومعارضين استطاع العراقيون ولأول مرة في حياتهم من كتابة دستور يعتبرونه بالرغم من نواقصه والمآخذ عليه خطوة هامة على طريق انهاء  تركة الماضي الثقيل: تركة الدكتاتورية البغيضة وإزالة الأفكارالعروبية القذرة  والشوفينية المقيتة، ومن المرجّى أن يكون عاملاً مهماُ في إنهاء الاحتلال، وفتح آفاق لبناء عراق حر ومستقل ديمقراطي فيدرالي متحد يحقق أماني وآمال العراقيين في الديمقراطية والخلاص من عهود القهر والاستبداد.

ان كتابة دستور يدعو إلى الديموقراطية وإحترام حقوق الإنسان وبناء نظام يخدم توجهات أبناء القوميات المتعددة في العراق نحو ترسيخ الوحدة الوطنية، وبناء الدولة الإتحادية بين كوردستان والعراق والإبتعاد عن الطائفية وروح الإستعلاء، يكون دستوراً غير مقبولاً من لدن العروبيين وأزلام النظام الدكتاتوري الأهوج الذين إرتفعت وترتفع أصواتهم وصراخهم، وهم يدعون بلا خجل وحياء ويطلبون من الرجعيين العروبيين ومن الحكومات العربية الرجعية التدخل والوقوف ضد العراقيين وتطلعاتهم.

ممّا لا شكّ فيه أنّ العروبيين والبعثيين ومنذ نشأتهم وإلى اليوم وبالإستناد والدعم من الأنظمة العربية الرجعية كانوا السبب في جر الويلات والكوارث على الشعب العراقي وعلى البلاد، فبعد أشهر من قيام ثورة 14 تموز 1958 أقحم العروبي جمال عبدالناصر نفسه في شؤون العراق، وقام مع أصحابه من زمرة الوحدة العربية الكاذبة في سوريا ولتحقيق غاياتهم الدنيئة بحبك وتنظيم المؤامرات بغية خنق ثورة الضباط والجماهير العراقية، وضرب المكاسب والمنجزات التي تحققت للشعب العراقي بدءاً من التحركات العسكرية المشبوهة للعروبيين والبعثيين في الجيش العراقي المنحل، وصولاً إلى مؤامرة العقيد عبدالوهاب الشواف القذرة، ومن ثمّ مؤامرة البعثيين التي جاءت بقطار أمريكي في 8 شباط الأسود عام 1963، والتي أقامت منذ الساعات الأولى لقيامها مذابح بشرية للعراقيين ببيان صادر من الحاكم العسكري لحكمهم المهزوز المجرم رشيد مصلح، والذي أتهم فيما بعد بالجاسوسية لصالح اسرائيل، وأعدم من قبل أسياده البعثيين وتم تعليق جثته في ساحات بغداد لترهيب الآخرين، ووجهت المؤامرة ضربة ماحقة لمكاسب ثورة 14 تموز المجيدة.

وبعد أشهر من حكم البعثيين تآمر القوميون العروبيون عليهم وأسقطوا حكمهم المشبوه في 18 تشرين الثاني سنة 1963، ولمّا كانت المؤامرات ديدن العروبيين والبعثيين، نرى بأنّ البعث قد عاد مرة أخرى بمساندة فعلية من أزلام المخابرات الغربية من أمثال عبدالرزاق النايف وعبدالرحمن ابراهيم الداوود، حيث تمّكن البعث هذه المرة من تشديد قبضته على الحكم، وأصبح الشرير الساقط  صدام حسين نائباً للرئيس العروبي احمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية، وفي عام 1979 استطاع

" باني مجد الأمة العربية " صدام حسين بالإستناد إلى دعم ومؤازرة جهاز حنين الإرهابي إزالة البكر، وفرض نفسه رئيساً للجمهورية، وفي أول خطوة له قاد بنفسه المجزرة الدموية بحق مجموعة بارزة من قيادة حزبه الفاشي، وذلك عن طريق التصفية الجسدية البشعة لهم، لأنهم عارضوا إتجاهاته الإستبدادية ونزعته المريضة في الإستيلاء المطلق على مقدرات حزب البعث والشعب والبلاد، وأعلن الحرب على جميع الأحزاب والقوى الديموقراطية مطالباً إيّاها الإستسلام لإرادته المجنونة بالإنضمام عملياً إلى حزبه، وإلا فانّ الموت مصيرها قيادةً وقواعد، وهكذا بدأت في العراق حملة تبعيث المجتمع بكامله بجميع مؤسساته السياسية والإجتماعية والنقابية والمهنية.

واتخذ هذا التبعيث بالنسبة للشعب الكوردي طابعاً مأساوياً تمثل في حركة واسعة للصهر القومي القسري وتقديم الإمتيازات للقائمين بهذه العملية المدانة والمشرفين عليها والمساعدين لها، وعلى هذا المنوال تمّ تهجير آلاف العوائل الكوردية من كركوك وخانقين ومندلي وجلولاء ومخمور وسنجار وغيرها إلى المناطق العربية والصحراوية، أو حجزها في معسكرات سكنية قسرية شبيهة بالسجون، وشنّت حرباً ظالمةً على الشعب الكوردي استعمل فيها نظام الحكم الدكتاتوري كل وسائل الإبادة التي في حوزته، بما فيها الأسلحة الكيمياوية المحرمّة دولياً.

يركز العروبيون والبعثيون هذه الأيام على محاربة كل شيء يرتبط بالكورد، فهم على سبيل المثال يدعون وبصراحة الوقوف ضد الفيدرالية على أنها تقسيم للعراق، ومحاربة قوات البيشمه ركة كونها حسب عقلياتهم المتخلفة ميليشيات، ويطالبون بالكف عن الحديث عن مدينة كركوك لأنها عراق مصغر، فبدلاً أن نضع لهم خط أحمر، هم يضعون خط أحمر لنا.

ويتحدث قسم من هؤلاء الخاسرين والبائسين عن حق تقرير المصير وتشويه الحقائق لغايات قذرة في نفوسهم وعقولهم النتنة.

أن الشعب الكوردي طالب ويطالب في العراق بالفيدرالية للعيش مع الآخرين، ولكن بالرغم من ذلك له الحق بتقرير مصيره بنفسه بعيداً من الضغوطات عليه، فالمبدأ الماركسي ـ اللينيني يقر ويعترف لجميع الأمم والشعوب صغيرها وكبيرها بحقها في تقرير مصيرها، وانّ الفهم الماركسي ـ اللينيني لهذا الحق يعني الإعتراف بحق الشعوب والأمم في الإنفصال سواءً عن الدولة التي تحتل هذه الأمة أو هذا الشعب، أو عن الشعب أو الشعوب التي تعيش هذه الأمة أو هذا الشعب معها في ظل دولة واحدة متعددة القوميات كالعراق وإيران وتركيا وسوريا، وبهذا الصدد يقول لينين بصفته الذي أطلق حق الأمم والشعوب في تقرير مصيرها بكل وضوح :

ان المقصود بحرية الأمم في تقرير مصيرها، هو إنفصالها كدول عن مجموعات قومية أخرى، هو بالطبع تكوينها دولاً قومية مستقلة. وان الإعتراف بحق تقرير المصير لكل شعب أو أمة هو حق مطلق وذلك بغض النظر عن طبيعة قيادته، أو قيادتها السياسية أو الإجتماعية في هذه المرحلة أو تلك.

تقر الماركسية ـ اللينينية الإعتراف المتبادل بين الشعوب والأمم في تقرير مصيرها على أساس المساواة فيما بينها، وهي إذ تعترف بحق الأمم والشعوب بالإنفصال فذلك لا يعني أنها دائماً وفي كل الظروف مع الإنفصال، ويركز لينين أن يجري الإنفصال عند الحالات الضرورية التي تعود بالفائدة على القوميات والشعوب التي تعيش معاً في دولة واحدة.

هذا هو حق تقرير المصير للأمم والشعوب، فمتى يسكت الشواذ من العروبيين والبعثيين ؟!!.

                                                                          4/9/2005