من اجل كوردستان خالي من ارهاب الاسلام السياسي
صفوت جلال الجباري

   

المقدمة  :  لاشك ان ظاهرة الارهاب وبالاخص التي تتخذ من الدين الاسلامي عنوانا ودافعا لها, قد اصبح الحديث الاكثر تداولا بين  مواطني كوردستان هذه الايام ,وخاصة بعد انكشاف ( وليس كشف) الشبكة الارهابية التي تزعمها الشيخ زانا البرزنجي والتي صدمت تفاصيلها من سلوك اجرامي و منحرف وشاذ  الكثيرين , رغم ان ما ورد في اعترافات المتهمين هو العرف  والطبيعة السائد ة  للحياة الداخلية  لكل الارهابين والمتطرفين سواءا كانوامنطلقين من خلفيات دينية او مذهبية او قومية او سياسية,فهنالك اكثر من خيط  مشترك يربط بين كل الارهابين بمختلف توجهاتهم ومراميهم, وارهاب الاسلام السياسي لا يشذ عن هذه القاعدة ابدا .

 

ان تناول ظاهرة الارهاب الاسلامي السياسي لن يكون مجديا وهادفا مالم يتم الخوض وبكل حيادية وجرأة في الجذور الفكرية والنظرية لها ,فهي ليست جرائم عادية وجنائية يمكن درء اخطارها على المجتمع وانهائها بمجرد اعتقال او محاكمة عدد من المتورطين بها وانزال القصاص العادل بهم , بل ان جذورها متغلغلة في مفاصل حيوية من المجتمع تمتد من المؤسسات الدينية (جوامع ومعاهد دينية وحسينيات) الى احزاب دينية( متطرفة و معتدلة )  و الى الكثير من العادات والتقاليد المتوارثة, اضافة الى كل ما يمت الى المقدس والمعصوم من كتب( سماوية ) واحاديث نبوية ( شريفة) وسير الصحابة والاولياء( الصالحين) , اضافة الى المناهج الدراسية السائدة, وكل ما منع من التداول من الافكار والآراء  والمعارضة التي لا تتفق مع كل هذا وذاك, وكان مصيرها وعلى مر التأريخ التكفير والحرق والافناء.

 

صحيح ان الدين شكل في الماضي جزءا مهما من تأريخ البشرية على الاقل في الستة آلاف سنة الاخيرة من عمرها التي تقدر بعدة ملايين من  السنين, وانها كانت وحسب مفاهيمها احد الادوات التي ساعدت الحكام والاباطرة والفراعنة  بل وحتى بعض الشعوب في بسط نفوذها وسلطانها على الآخرين,الا ان هذا النفوذ و تلك السطوة قد تراجعت رويدا رويدا مع التطور البشري واتساع رقعة المعرفة والعلوم التي اتاحت للبشرية الوقوف على معظم  الاسرار والطلاسم الطبيعية والبشرية وتعليلها او حتى السيطرة عليها او تفسيرها وفق سياقاتها السببية و   كما هي ومن دون اضافات غيبية ,والتي حاولت  مختلف   الاديان   كل حسب طريقتها واستغلال  جهل الناس في الفهم الحقيقي لاسبابها وكينونتها ونتائجها,  بالسيطرة على عقول الناس  وادعاء ها  القدرة على امتلاك  قوة على التأثير عليها سلبا او ايجابا,ونتيجة لهذا التراجع المنطقي لاكثر الاديان امام سطوة  العلم والمعرفة تراجعت كذلك كل مؤسساتها الكهنوتية( والتي كانت والى فترة قريبة جزءا ملازما بل وشرعيا  للانظمة السياسية للحكم),الى مواقعها الطبيعية مكتفية بدور  الارشاد الروحي او الاصلاحي  للافراد الذين لا يزالون يؤمنون  بمثل هذه التعاليم و مستغلة الجوانب المشرقة والاخلاقية والايجابية التي وردت فيها ومتخلية عن الجوانب الاخرى التي باتت غريبة عن المفاهيم العصرية الحديثة في احترام خصوصية وانسانية الانسان واحترام طاقته العقلية والابداعية وحقه الطبيعي في التمتع بافاق حرياته الاساسية التي تم ادراجها وتثبيتها في الشرائع والدساتير والمواثيق الحديثة.

 

ان الدين الوحيد الذي لايزال يرفض الانصياع لمنطق التأريخ ومتغيرات العصر هو الدين الاسلامي بدعوى ( خصوصيته) وكونه آخر  الادين ومكملها ,وكون نبيه محمدا هو خاتم الانبياء والمرسلين,وكون امة الاسلام هو خير امة اخرجت للناس وانها هي التي ستقيم العدل الالهي على وجه الارض في آخر المطاف ,وان اقامة هذا العدل الالهي يستوجب الجهاد في سبيل الله وان افضل الجهاد هو الجهاد بالنفس وطلب الشهادة للارتقاء بالروح المطمئنة الى جنة  الخلد حيث الحور والغلمان بالانتظار .

 

ومن اجل رؤيا علمية وتحليلية لواقع وموقع الاديان في الحضارة البشرية , ومن اجل فهم مفهوم الجهاد والشهادة في الاسلام ,ومن اجل تسليط المزيد من الاضواء على الجوانب الفكرية والنفسية والاجتماعية لشخصية الانتحاري(المجاهد) واخيرا من اجل الشروع بعمل جدي متكامل لاستئصال شأفة الارهاب وبالاخص الارهاب الاسلامي السياسي في كوردستان , اقدم هذا البحث   المتواضع في عدة حلقات لخدمة المسيرة الديمقراطية الظافرة في كوردستاننا الجريح,  والتي اعطت الكثير الكثير للاسلام ولم تكن حصادها غير التجزئة والاستعمار والانفال والقهر والاستبداد وازهاق الملايين من ارواحها البريئة, وها ان نفرا ضالا من امثال الشيخ زانا وامثاله , يريدون ايضا ان يجعلوا من الاسلام السياسي تلك العباءة التي تخفي وببراعة اهدافهم الحقيقية الشريرة.