توقيع أنثى*

فينوس فائق

مدارات نسوية

venusfaiq@yahoo.co.uk

النتاج الثقافي عند كل شعوب الأرض هو شأن أو ميدان يخص الجنسين على حد سواء  ، و بالتالي لا يجوز تجزأته و توزيعه على خانات ، الأدب كونه نتاج إنساني شامل يخص المرأة كما يخص الرجل ، فمن غير المنطقي تجزأته و إطلاق تسميات أخرى على أجزاءه كأن نقول أدب نسائي ، لأننا لو فرضنا جدلاً بوجود أدب نسائي لكان علينا أن نفترض مسبقاً بوجود أدب رجالي ، إذ من الممكن القول بأدب عمالي ، أدب إنكليزي أو عربي أو أدب الأطفال أو حتى أدب أمريكا اللاتينية ، لكن من غير الممكن أن ندعي بوجود أدب خاص بجنس معين ، ونقسمه على خانات على أساس الجنس ، و بالتالي نكتب على إحدى الخانات عبارة "الأدب النسوي" ، فلو سلمنا بوجودة أدب نسوي ، أكون قد إعترفت جزافاً بوجود مجتمع أبوي و قبولي بفكرة سيادة السلطة الذكورية في مجتمع قائم على اساس نظرية أن الكون مذكر.. فالمناداة بوجود أدب خاص تكتبه النساء و إدراجه قسراً تحت خانة و تسميتها عنوة خانة الأدب النسوي ، ذلك في حد ذاته إجحاف في حق المرأة ، و عزلها عن العالم الذي يتمرغ فيه الرجل كيفما يشاء ، فإما أن أكون أو لا أكون ، و كوني أريد أن أكون ، لابد أن "أكون" على الأرض التي يوجد عليها الرجل و ضمن الدائرة التي يكتب فيها الرجل ، و أكتب بنفس القلم و على نفس الورقة ، و أن أبدع ضمن نفس الدائرة ، و عليه فإن الأدب عطاء إنساني ، يكتبه الرجل و المرأة على حد سواء ..

المناداة بتخصيص خانة للأدب النسوي ناتج عن عقدة أزلية تسمى بـ"بعقدة الأنوثة" الناتجة عن فكرة أن المجتمع لم يعطي المرأة حقها في الكثير من المجالات و خصوصاً في مجال الأدب ، و ذكرها دائماً في الهامش من نتاجات الرجل الأدبية ، في حين أنه لم يطلق الرجل يوماً على نتاجه الأدبي إسم "الأدب الرجولي أو الذكوري" ، لكن محاولة تثبيت مثل ذلك المصطلح في القاموس اللغوي و الأدبي ماهو إلا جزء من نضال المرأة ضد الفكرة الذكورية السائدة في المجتمع و التي تستحوذ على كل مجالات الحياة و منها الأدبية ، لكن الذي يجب أن نؤكد عليه أن زمن الجبهات المنعزلة قد باتت في حكم التقليد البالي و غير المستحب في هذا الزمن الحافل بالتكنلوجيا الذي هو إنجاز بشري لا يقتصر على الرجل ، فالتكنلوجيا هي نجاح علمي ذكوري و نسائي على حد سواء ، فلو دعيتُ إلى عزل خانة للأدب النسوي أكون و بشكل غير مباشر قد تخليت عن حق من حقوقي داخل المنظمومة الإجتماعية التي هي أكبر من مجرد تسمية..فبدل القول بكتابات نسوية الأجدر أن نقول نساء كاتبات أو نساء أديبات ، و قد آن الأوان لإلغاء تلك الفكرة من طروحاتنا و حذفها من القاموس الأدبي ، لأن الأدب كنتاج هو ملك للمرأة و الرجل على حد سواء على إعتبار أنني أنادي بالمساواة في كل المجالات ، و بالتالي لن أتساوى بالرجل مالم أقف إلى جابنه ، بل أقتحم عليه مجال الأدب كإنسانة قبل أن أكون أثنى.. و الإبداع الأدبي عالم واسع من غير المعقول أن أتحرك داخل جزء منه تحت تسمية الأدب النسوي و أترك الباقي للرجل ،  لأنه سيتجزأ تأريخ الأدب أيضاً على خلفية ذلك التقسيم القسري للأدب و يكون هناك تأريخ لا يتطرق إلى الإبداع النسوي و تأريخ آخر لا يتطرق إلى إبداع الرجل و تنقطع كل الأواصر الإنسانية بين الأدبين ..

من الطبيعي أن هناك آراء مختلفة حول هذه الإشكالية ، و إن الإدعاء بوجود أدب نسوي هو دعوة صريحة بعزل المرأة عن الرجل و الحيلولة دون منافستها للرجل ، أي أن يتفرد الرجل بالمساحة الأعظم من ذلك النتاج الإنساني ، فتلك إشكالية سايكولوجية أكثر منها إشكالية إبداع أدبي ، فهنا تؤكد المرأة على نظرية أن العلاقة التي تربطها بالرجل تقوم على أساس مفهومي القوة و الضعف التي هي نتاج عقدة الأنوثة الآنفة الذكرو إشكالية السلطة بين الرجل و المرأة القائمة على صراع أزلي و التي أفرزت الكثير من الحركات النسوية التي  تعتبر المناداة بتخصيص خانة للأدب النسوي جزء من هذه الحركات ، و كل ذلك في النهاية محاولات غير مجدية للوقوف في وجه الثقافة المهيمنة التي يعتبر الرجل نفسه صاحبها أو هكذا تعتقد المرأة..

و إن تسمية الأدب النسوي هي محاولة غير مجدية لإثبات وجود الهوية الأنثوية للمرأة و إضفاء الصبغة الأنثوية على النتاج الأدبي ، في حين أن الأدب لا يحتاج لأن يكون مذكراً أو مؤنثاً ، فهناك أدب إنساني ينتجه الرجل كما تنتجه المرأة و هي في المحصلة تناج لمخاض فكر إنساني سواء كان رجلاً أم إمرأة ، فالموضوع و الطرح هو الذي في النهاية يفرض نفسه على القاريء أكثر من كون أن الكاتبة هي أنثى ، فما فائدة أن يكون هناك نص هزيل لكن كل ميزته أنه كتب بقلم نسائي؟

وهنا لابد من التساؤل : هل أن إبتكار مصطلح الأدب النسوي أو بمعنى أدق تقسيم الأدب على خانات على أساس الجنس يحل إشكالية العلاقة غير المتوازنة التي تربط المرأة بالرجل فيما يخص مفهوم القوة و السلطة؟ و هل بإمكان ذلك المصطلح أن يغير تلك النظرة المتخلفة من لدن المجتمع إلى المرأة ، و يرقى بالمرأة من الهامش إلى المركز؟ في تقديري أن مشكلة المرأة مشكلة شمولية تتعدى إلى كل المجالات حيث أن ميدان الإبداع الأدبي هو أحد هذه المجالات التي يتم تهميش المرأة فيها ، و يجب على المرأة أن تختلق المنافسة وتبتدع الحلول من على الأرض التي يقف عليها الرجل و ليس من داخل جبهة منعزلة تحت يافطة الأدب النسوي..

*توقيع أنثى: زاوية شهرية لكاتبة المقال تنشر في مجلة الطبعة الجديدة التي تصدر عن مؤسسة الرافدين الاعلامية توزع في العراق و مختلف الدول الأوروبية  www.alrafidayn.com