شغيلة العراق

بين عسف المرجعيات الزائفة وقيود الاستغلال الطبقي المتفاقم

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

   

2005/05/01

E-MAIL:  tayseer541@hotmail.com

 

تشكلت الطبقة العاملة العراقية حتى قبيل تأسيس الدولة الوطنية العراقية العام 1921. ولقد تميَّزت تلك الحقبة بوعي واضح نجم عنه التوجه الجدي الفعال للطبقة العاملة نحو تنظيم نفسها في جمعيات ونقابات ومنظمات عديدة ومتنوعة ما كان سببا للارتقاء بالفعاليات العمالية ومشاركة الشغيلة بانتفاضات شعبنا الوطنية والمعارك الطبقية النضالية المشرقة.

وفي منتصف القرن الماضي، زمن الحرب الكوني الثانية كانت الطبقة العاملة العراقية قد تقدمت كثيرا في مجال التنظيم والنشاط السياسي الطبقي والوطني، واتجهت لتشكيل تنظيمها الحزبي الذي يتقدم نضالاتها، وكان من نتائج ذياك الكفاح المشرِّف قيام ثورة الرابع عشر من تموز التحررية الوطنية. ولكن سرعان ما استُهدِفت الطبقة العاملة العراقية وتنظيماتها النقابية والحزبية فجاء شباط  الأسود  والتصفيات الهمجية الدموية التي طاولت قيادات الحركة العمالية والديموقراطية في البلاد..

وما أنْ استطاعت أن تلملم جراحها حتى سارعت القوى المخابراتية الدولية والإقليمية أن تدعم أجهزتها المتخفية بتنظيمات حزبية كانت الأداة لإدخال العراق في أتون حروب متصلة وعلى مدى عقود ما لم يشهده تاريخ البشرية إلا نادرا. وجرى إرسال شغيلة البلاد إلى ميادين الحروب الطاحنة وماكنتها التي أكلت حوالي المليون عامل وجعلت ملايين أخرى بين معاق بدنيا ونفسيا وبين مستباح نزيل سجون الطاغية المعتمة أو منفي بالقسر إلى بلدان المنافي والشتات..

واليوم تجري حرب أخرى ضد الطبقة العاملة العراقية لتطحن وجودها وفاعليتها وتشطب على دورها في بناء الوطن وإعادة إعمار ما خربه زمن الموت والتخريب والتدمير.. إن الحرب الجديدة تكمن في أمرين الأول عملية طمس الشخصية الطبقية للشغيلة عبر عدد من التوجهات؛ حيث تشهد النقابات العمالية هجمات مريرة من ميليشيات الأحزاب التي تمَّ تجهيزها في دول مجاورة واليوم أعيدت لتمارس دورها التخريبي الذي أُعِدت له..

كما إن سلطات الأمن وبعض من القوات الأجنبية مارست ضغوطا بما يدخل في إطار حصة سلطة الأحزاب المعنية واختراقها لأجهزة الدولة.. ومن الطبيعي أن نجد التنظيمات الحزبية التي تخدم نظام الاستغلال الطبقي وسرقة الثروات والخيرات التي ينتجها عمال العراق بطاقاتهم وجهودهم، من الطبعي أن نجدهم يتسترون بفلسفة المرجعية الدينية  ما يخص مذهبا بعينه وطاعة ولي الأمر في مذهب ديني آخر ولكنهما يلتقيان في أمر واحد وهو هدف تطويع قوى الشغيلة وإخضاعها لسياساتهم المعادية للرأي الحر الذي يتصدى للاستغلال..

إ نَّ  تركيب مجتمعنا المعاصر منذ عشرينات القرن الماضي قد بدت فيه كثير من التحولات وعلى الرغم من سيادة الاقطاع في ظل مجتمع زراعي طوال العقود الأولى من قيام الدولة العراقية؛ إلا أن الطبقة العاملة العراقية توسعت بنيتها وتشكيلاتها ومن ثم نوعيتها في العقود التالية وهي اليوم تشكل الفئة الرئيسة من مكونات مجتمعنا العراقي. هذا يعني أننا ينبغي أن نجد الحجم المناسب للتنظيم الذي يدافع عن السعة الحقيقية للشغيلة في العراق...

فهل هذا هو ما نراه؟ أم أن شيئا آخر يجري في الأفق؟؟ إن ما يجري هو طمس حقيقة تكوين مجتمعنا العراقي. فتلك القوى المدعومة بأموال أجنبية وبسرقة خيرات البلاد هي قوى دعية تتستر بالدين والطائفة ومصالحهما ويصل بهؤلاء الأمر حتى درجة إضفاء القدسية على أنفسهم بوصفهم نواب الله على الأرض وممثليه الذين يحق لهم توجيه الناس جميعا بما يرونه هم وعليه فإنَّهم يكفرون كل من يعصيهم ويخرج على سياساتهم فأين الفرق بينهم وبين الطاغية المستبد المهزوم؟

إن هؤلاء يطمسون تكوين المجتمع البشري الإنساني على أسس طبقية حيث من يملك الثروة  ولا يشترك في الانتاج ومن لا يملك إلا طاقة العمل وهو المنتج الأساس للثروات والخيرات.. كما يقدمون بديلهم في تكوين المجتمع من طوائف وهو التشكيل الذي انتهى دوره الحقيقي ووجوده منذ مئات السنين. أما لماذا يحاولون إحياءه فيعود الأمر ليسيطروا على الشغيلة ويوجهونهم بالطريقة التي يريدونها..

من هنا كان لابد لنا أن نناصر عدالة نضالات الطبقة العاملة في تنظيمها نفسها مستقلة عن تكوينات سياسية متخلفة تعود بالمجتمع كرها وقسرا إلى قرون خلت وانتهت بغاية واضحة جلية هي غاية فرض رؤاها باسم الدين والله وبمسمى المرجعيات الدينية عندما يخاطبون أبناء المذهب الشيعي وطاعة ولي الأمر عندما يخاطبون أبناء المذهب السني وخذ الأمثلة من الديانات الأخرى مع فروق ينبغي دراستها..

إنَّ مطحنة مصادرة حرية التنظيم وحرية التعبير والرأي للعمال العراقيين بحجة أو ذريعة المرجعية الدينية أمر مفضوح الأهداف مكشوفها، وينبغي التصدي له من كل القوى الوطنية الشريفة المخلصة ويجب وقف تأثيراته السلبية حيث يلزم ألا يقبل شغيلة العراق بعودة طرف ما ليصادر حقوقهم في التعبير عن رؤاهم ومصالحهم بطريقة صحيحة صائبة تحقق لهم مطالبهم وتعيد حاجاتهم المسلوبة ..

بالأمس كانت الثروات منهوبة من الطاغية فكل ما في العراق هو ملك الطاغية حتى الإنسان، واليوم كل ما في العراق هو ملك آباء السوقة من الساسة اللصوص الذين دخلوا العراق باسم الله ودينه وبأدوات ما سموها زيفا المرجعية الدينية التي مارست دورها بشكل مفضوح في الوقوف مع تلك القائمة السياسية في وقت كان أحرى بها أن تبدي حياد وجودها مرجعية دينية فقط لا غير وألا تمارس أمورا دنيوية بالطريقة التي مارستها أي بطريقة تكفير القوائم جميعا إلا قائمة تخدم اليوم كما يرى شعبنا مصالح دول الجوار شرقا وغربا بحسب الولاءات؟؟!

إن الصائب الوحيد هو في العودة إلى التعبير عن واقع الشعب ومكوناته وليس من تكريب الشعب العراقي ما يعود إلى أكثر من ألف سنة ولَّت إلى غير رجعة. كما تركيبنا لا يمكن أن ندرسه من زاوية القيم الطائفية الرخيصة المبتذلة التي لا يهمها إلا تلهية العراقي بجلد ذاته جسدا وروحا عن جريمة لم يرتكبها بإقامة طقوس التطبير وضرب الزناجيل وغيرهما وكأن حياة العراقي مقصورة على تلك الطقوس..

أين شؤون معيشته وأين مصالح أبنائه وعائلته؟ وأين مصالحه؟ في العيش الكريم؟ وفي أخذ حقوق جهوده وجهود اشتغاله؟ أين حقوقه في تملك سكنه؟ وفي تملك مواصلات تخدمه عامة وخاصة؟ وأين حقه في الصحة؟ وأين حقه في التعليم؟ وأين حقه في الراحة؟ واين حقه في كل ما سُرِق منه حيث أسفار الوزراء والسفراء شرقا وغربا وتمتعهم بثورات البلاد في وقت يموت الابن أمام نواظر أمه وتختطف البنت وتغتصب أمام نواظر أبيها وأخيها!!!

أين كل حقوق الإنسان في الأمن والكرامة والطمأنينة والسلام والديموقراطية؟ هل الطائفية الدينية والمرجعيات التي تقبع على ثروات بالملايين تبني فيها في إيران وأفغانستان وتمول بها ما يستبيحنا يوميا ويفجر فينا أرواح أهلنا ويوقفنا عن عملية البناء، هل هذه السايسة الرعناء الطائشة المستهترة بمصالحنا باسم الدين والطائفة هل هي التي ستعيد إلينا بعد موتنا الروح والحياة؟؟؟؟؟؟؟

إن البطالة السائدة التي تطحننا اليوم وتستبيح الشغيلة، والفقر المدقع، والأمراض والأوبئة، وكل ما يفتك بنا؛ إنما ينجم عن بؤس السياسة التقسيمية الطائفية التي تعمل على تكفير كل من يطالب بحقه في الحياة... ألم تروا أمس كيف كان الاستهتار بضرب الطلبة في البصرة لأنهم أخذوا لحظة راحة اجتماعية وعندما هاج مجتمع المدينة رفعوا هراوة الدين والتكفير ما أعادنا من جديد لقبول عصا الجلاد يضرب أبناءنا الذين سهرنا لنربيهم أحسن تربية قويمة فيكفرونا وأبناءنا ويهينونا في أخلاقنا ونسكت لأن الأمر يأتي باسم الدين ومن مرجع ديني..

فلنتحقق وأبناء المدن والقرى يعرفون أن هذا الدعي لابس العمامة كان لصا وذاك كان مجرما نزيل السجون وغيرهما من سوق النخاسة وهم جميعا يفعلون ما يفعلون ويتخفون وراء ورقة الدين... كما يجب أن نراجع  أوضاعنا ومّمَّ يتركب مجتمعنا وكيف نهمل وجودنا ويضيعون علينا الفكر الذي ينير لنا طريق حريتنا وانعتاقنا من الاستغلال..

إن مطحنتي التعتيم الفكري باسم الدين والطائفية والاستغلال الطبقي بسرقة خيرات البلاد يجب وقفها فورا بسواعد العمال وفكرهم النيِّر.. ويجب أن تحتفل الطبقة العاملة العراقية وتوسع من تنظيماتها الطبقية التي تحمي مصالحها ملتحمة مع كل فئات شعبنا من أجل عراق ديموقراطي تعددي فديرالي موحد... ولن تكون مرجعية شغيلة العراق إلا تنظيماتهم الطبقية الخاصة بهم في زمن ولى فيه تنظيمات القرون المظلمة قرون العته والتخلف وعتمة الموت للشعوب وهي حية تنتج الخير ولا تملك ولا تحظى منه بشئ ولو يسير؟؟!!!!!

إلى حيث قوة الإرادة وسعة الوعي وعمقه كما أجيالنا التي بنت الوجود الكفاحي وانتصرت للخير وللشغيلة خالقة الحياة... بلا تردد هبوا ضحايا الاضطهاد ضحايا جوع الاضطرار ووحدوا الجهود ووحدوا الصفوف من أجل غد حر سعيد..........