الدکتور محمد عياش الکبيسي، لقد ولی زمن الوصاية
    فهمي کاکه‌يي

   

نشر موقع هيئة علماء المسلمين في العراق قبل أيام مقالة لممثله في الخارج الدکتور محمد عياش الکبيسي بعنوان المقاومة و المسألة الکردية، حاول فيها حسب قناعاته أن يعطي صورة للوضع القائم في العراق و مقارنة ما يسميه بالمقاومة مع نضال الکورد من أجل إسترداد حقوقهم المسلوبة و ثوراتهم ضد الطغيان و الإستبداد المتمثلة بالحکومات المتعاقبة التي حکمت العراق، کما جاء بالکثير من الأدلة ليبرهن تمسك الأکراد بالدين الإسلامي و النضال التاريخي و المصير‌ المشرك اللذان يربطهما بالعرب، محاولا بشتی الوسائل شد الکورد إلی الإسلام و العرب و تحذيرهم من الأمريکان و الصهيونية، و ثقته من أن المخططات المريبة لن تغير من إسلامية الأكراد وهويتهم الأصيلة.

 

بدأ السيد الکبيسي بالتذکير بما وصفه بحقائق متفق عليها کمنطلق لبحثه. لکننا نری بأن کثيرا من النقاط التي ذکرها قد تکون حقائق من وجهة نظره و الذين يشاطرونه الرأي، و ما يعتبره السيد الکبيسي حقيقة قد لا تکون کذلك من وجهة نظر الکوردي، فهو يقول:

 

(إن الاسلام الذي ارتضاه الأكراد دينا وعقيدة يمثل القاعدة الكبيرة التي تجمعهم باخوانهم المسلمين من مختلف القوميات، وإن الاسلام لا يميز عنصرا على عنصر، «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات: 13) وبالتالي فأي شكل من أشكال التمييز العنصري مرفوض إسلاميا من أي جهة كان وعلى أي جهة وقع.)

 

بداية أری من الضروري التنويه بأنني لم أکتب مقالتي هذه لمعاداة الإسلام و العرب و لا شخص السيد الکبيسي، إنما لکي أناقش ألأفکار التي وردت في المقالة الموما إليها و أنقل للقارئ الکريم وجهة نظري ککوردي. أن ما يروی عن الکورد من أنهم دخلوا الإسلام طوعا و إرتضوه دينا ليست حقيقة متفقة عليها. الکورد أجبروا علی قبول الإسلام بحد السيف و لم يدخلوها طواعية، إنهم کانوا يريدون الإحتفاض بدينهم القديم، لکن العرب هاجموهم هجوما شرسا و حدثت معارك طاحنة بين الکورد المدافعين عن أرضهم و معتقدهم و بين الغزاة العرب، و في زمن الخليفة عمر إبن الخطاب إستطاع العرب (فتح) نينوی و ماردين و ديار بکر و لم تستطع الجيوش العربية إحتلال جميع أراضي کوردستان إلا بحلول سنة 730 ميلادية و کان قد مضی علی غزواتهم الأولی تسعون عاما و نيف، فهل يمکننا القول بأن الکورد إرتضوا الإسلام بعد أن قاوموا الغزاة ما يقارب قرنا من الزمان؟ و ماذا فعل العرب بکوردستان و أهلها؟ لقد حولوها إلی خراب و دمار، قتلوا أهلها و سبوا نسائها و أحرقوا الکتب و المعابد، فهل فعل العرب بما أمرهم الله تعالی به في کتابه الکريم؟

 

هذه بعض من الأبيات الشعرية من تلکم الأيام، فيها يصف الشاعر ما حل بالکورد علی أيدي الغزاة العرب و هي باللهجة الگورانية:

 

‌ هۆرمزگان ڕمان، ئاتران کوژان

وێشان شارده‌وه‌ گه‌وره‌ی گه‌وره‌کان

زۆرکار ئاره‌ب، که‌رده‌نه‌ خاپوور

گناو پاڵه‌يی هه‌تا شاره‌زوور

شن و که‌نيکان وه‌ ديل به‌شينا

مێرد ئازا تلی وه‌ رووی هوينا

ره‌وشت زه‌رتوشتره‌ ما‌نه‌وه‌ بێ ده‌س

به‌زێکا نێکا هۆرمز وه‌ هێوچ که‌س

 

المعنی بالعربية:

هدموا هورمزگان و أطفؤا نيران المعابد

و خبأ کبار القوم أنفسهم.

هدم الطغاة العرب القری و المدن

من گناوپاڵه‌يي إلی شهرزوور.

سبوا النساء و البنات،

و ضرجوا المقاومين الشجعان بدمائهم.

لقد أضحی الزردشتية بدون سند

و لم يعطف آهورامزدا بحال أحد

 

هکذا کانت بداية التعارف بين الکورد و العرب، بداية لم تکن سلمية بأي مقياس کان .

 

يقول السيد الکبيسي: (إن تاريخ الأمة الاسلامية الذي امتد لقرون عديدة لم يشهد نزاعا بين «الكرد والعرب» بل العكس حيث اندمجا طيلة ذلك التاريخ المجيد في وحدة متماسكة... إن عصر الخلاف و«الفتنة» بدأ تماما بعد هيمنة الاستعمار الأوروبي أو «الصليبي» على هذه الأمة وخضوعها لسلطانه المباشر، وتعرضها جراء ذلك لحملات فكرية وثقافية غازية استهدفت هويتها ووحدتها..)

 

إن المعلومات أعلاه ليست دقيقة فقد حدثت ثورات و إنتفاظات و خروج عن الدين الإسلامي لسنا بصدد الدخول في تفاصيلها و يکفينا أن نورد حادثة قتل أبو مسلم الخراساني الکوردي بأمر أبو جعفر المنصور، و کان أبو مسلم الخراساني صاحب اليد الطولى في نجاح قيام الدولة العباسية و سيف الدعوة العباسية البتار، و کان يقال له: أمين آل بيت رسول الله صلی الله عليه و سلم. قتل قتلة شنيعة بسيف "عبد الله بن علي"، سنة 137 للهجرة في المدائن. لقد نکلوا بأبي مسلم الکوردي ثم سخر منه شعراءهم فقال فيه أبو دلامة:

 

أبا مجرم هل غير الله نعمة

علی عبده حتی يغيرها عبدُ

أفي دولة المنصور حاولت غدره

إلا أن أهل الغدر آبائك الکردُ

 

أين کان الإستعمار و الصهيونية يا سيدي عندما قتل أبو مسلم الخراساني الکوردي؟

 

يقول السيد الکبيسي و کلامه صحيح: (إن تقسيم الأمة الى دويلات صغيرة أو كبيرة لم يتم بإرادة «عربية» ولا بإرادة «كردية» وإنما تم بإرادة المستعمر وبتنفيذ مباشر منه، وقد ظلم الأكراد بهذا التقسيم حيث توزعوا في أربع دول، ولكن العرب أيضا ظلموا حيث توزعوا في عشرين دولة!! والصحيح أن الأمة كلها ظلمت بهذا التفتيت والتقطيع)

 

ما دام الأمر کذلك يا سيدي، إذن نناشدکم بالله و رسوله و أنتم أخوة لنا في الدين أن تنصفونا بعدلکم و تساعدونا لبناء دولتنا الکوردية و لتکن هويتها إسلامية، فهذا مبعث فخر لنا، فهل أنتم فاعلون؟

 

ثم يستطرد الکبيسي قائلا: (...وأما حزب البعث فمن المعلوم أنه ضم شخصيات كردية بارزة وصلت الى القيادة القطرية والقومية ومجلس قيادة الثورة، وأما الجانب العسكري فمن النادر أن تجد وحدة عسكرية في الجيش العراقي ليس فيها أكراد وفيهم ضباط متطوعون كبار، بل من المعروف أن الحكومة المركزية استعانت ببعض المتطوعين الأكراد «الفرسان» في حربها مع الأحزاب الكردية المناوئة لها!! وليس القصد هنا الحكم على هذه الظاهرة أو تلك وانما الاشارة الى أن هناك تواصلا وتفاعلا بين مختلف القوى والفعاليات «الكردية والعربية».)

 

يا سيدي إن (الشخصيات الکوردية البعثية) هم موضع ازدراء و إشمئزاز الشعب الکوردي و هم مرتزقة و خونة، حالهم حال کل من يخون شعبه، طه ياسين رمضان الجزراوي کانت تسير في عروقه دماء عربية حسب إدعائه، الضباط الکبار کانوا بعثيين، المتطوعين الکورد (الفرسان) کانوا جحوش، و کانوا يسمون بفرسان صلاح الدين و کان حالهم حال فرسان خالد بن الوليد، الذين أبلوا بلاءً حسناً في هدم القری الکوردية و نهب محاصيل و أغنام و ممتلکات الفلاحين الکورد و حرق مزارعهم . و بينما کانت إذاعة القوات المسلحة تشجع و تنفخ في أبواقها قائلة: (وين خفافيش الليل، وين صاروا بالنهار، عليهم يا إخوتنه‌ عليهم، فرسان صلاح الدين و وليد النشامة)، کان هؤلاء (النشامة) مشغولين بالفرهود.

لقد فعل هؤلاء اللصوص بالکورد ما لم يفعله سعيد بن العاص الأموي قائد الجيوش العربية التي غزت کوردستان و ميسوبوتاميا (بلاد الرافدين) زمن خلافة عثمان بن عفان، هذا القائد الذي قال: (إنما هذا السواد بستان قريش، ما شئنا أخذنا منه و ما شئنا ترکناه).

 

ثم يقول السيد الکبيسي: (ولكن الاحتلال اليوم يحاول أن يستثمر كل المآسي التي ألمّت بالشعب الكردي لصالح مشروعه في عملية توظيف ظاهرة تستهدف أول ما تستهدف هوية هذا الشعب وتاريخه وتراثه، وقد اعتمد على استيراتيجية ربما نستطيع تلخيص معالمها في الآتي:  

- تجاوز العرب والتعدي على المسلمين بصورة عامة وربما الاسلام نفسه!! يقول واحد من المروجين لهذا المشروع الخطير «اكتشفنا بعد حين أن أخي لم يقتله يهودي ولم يغتصب عرضي يهودي ولم يصادر أملاكي يهودي وإنما حدث كل انتهاك لإنسانيتي من طرف بعثي ومسلم» وجاء في ندوة «الكرد والعراق الجديد» المنعقدة في 16/4/2005 عن ملا بختيار عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني قوله: «صلاح الدين الأيوبي خدم الدين الاسلامي ولم يخدم القومية الكردية لذا فهو بالنسبة لنا لا يشكل قيمة معينة»!! وفي ندوة «ثقافية» بثتها احدى الفضائيات الكردية قال أحد المتحدثين الضيوف: «إن الفتح الاسلامي لكردستان هو الارهاب» وطالب في نهاية حديثه بعدم حب الصحابة!! ومنع الحج لأنه يخدم دولة عربية!!)

 

كان من المفروض أن يعترف الکبيسي بالحقائق أعلاه و لا ينزعج منها، فما قاله هذا الشخص (المروج) هو ليست الحقيقة کاملة، کان لا بد أن يقول: و إنما حدث کل إنتهاك لإنسانيتي من طرف بعثي و مسلم و عربي، هذه هي کامل الحقيقة و لا داعي للزعل يا سيدي. أما ما قاله السيد ملا بختيار فهي الحقيقة بعينها، ماذا يغير من الأمر إن کان صلاح الدين الأيوبي کورديا أم لا، فهو قد جلب نقمة العالم المسيحي علی الکورد بينما لم يجلب لنا رحمة العالم الإسلامي، فقد أخذ الکورد جزائهم من الغرب و ذلك بتقسيم أرضهم و توزيعها علی أربع دول بينما يستکثر عليهم العرب المسلمون حتی الفدرالية. أما عن الفتح الإسلامي فأنا أعتبره أول حملة تعريب تعرض لها الکورد في تاريخهم، فالعرب فرضوا علی الکورد الدين الإسلامي و عن طريقه اللغة و التراث و الحضارة العربية الإسلامية، أليس هذا صحيحا؟

 

يقول السيد الکبيسي: (أما النشاط الصهيوني فلم يعد خافيا على أحد لا سيما أن هناك اعترافات صريحة من بعض القيادات الكردية بوجود علاقات وزيارات قديمة للكيان الصهيوني!! بعد أن أصبح هذا في نظرهم ليس عيبا يستحى منه.)

 

يا سيدي إعطني حجة أو دليلا واحدا لکي لا يبني الکورد علاقات مع إسرائيل. إسرائيل دولة کأية دولة أخری علی وجه المعمورة و إن رأت القيادات الکوردية بأن إقامة علاقة معها تصب في مصلحة الشعب الکوردي فلم التحفظ  علی ذلك؟ مشکلة بعض العرب هي أنهم يريدون وضع نظاراتهم علی عيون الآخرين دون أن يأخذوا بنظر الإعتبار فيما إذا کانت هذه النظارات تلائمهم. و ليکن في علم هؤلاء بأن مشکلتهم مع الإسرائيلين هي أساسا مشکلة عربية إسرائيلية، أقول هذا مع إدانتي لإسرائيل في إحتلالها للأراضي الفلسطينية. العيب يا سيدي ليس في  إقامة علاقات بين الکورد و إسرائيل أو بين الترك و إسرائيل، العيب هو أن ترفرف الأعلام الإسرائيلية علی مباني الحکومات العربية قبل أن يسترد الفلسطينيون أراضيهم المغتصبة.

 

القسم المتعلق بتصريحات السيد مسعود البارزاني و علاقته بالحکومة المرکزية أترکه دون جواب، لأنني لا أعطي الحق لنفسي بالتکلم بدلا من الآخرين، فالحزب الديمقراطي الکوردستاني له إعلامه و کتابه الذين يستطيعون أن يردوا علی الکلام الموجه إليهم خيرا مني إن هم أرادوا.

 

في نهاية مقالته يتطرق السيد الکبيسي إلی مقارنة (المقاومة) مع الثورة الکوردية المسلحة ضد الحکومات الظالمة التي حکمت العراق و تعاملت مع الکورد بوحشية و همجية و جبن فهو يقول: (...ولماذا تكونون «أبطالا» لأنكم ضحيتم بكل شيء في مواجهتكم المفتوحة والطويلة مع الجيش العراقي؟! وبنفس الوقت يكون المجاهدون الذين يقاومون الاحتلال في نظركم مجموعة من «الارهابيين» أو «المتهورين» الذين لا يقدرون العواقب؟! هل هي ازدواجية المعايير التي باتت تحكم العالم اليوم؟! أو هناك أشياء لا نعرفها نحن ولا يعرفها حتى الضحايا الذين سقطوا طيلة ذلك الصراع المرير؟!)

 

أقول للسيد قبل أن أقارن الثورة الکوردية بما يسميه بالمقاومة:

رکعتان في العشق لا يصح وضوءهما إلا بالدم.

 

يا سيدي! الثورة الکوردية لم تقطع الرقاب يوما، إنها لم تغتصب النساء و البنات، لم تفجر دور العبادة و المحال و أماکن تجمع المدنيين و حتی العسکريين، لم تحارب داخل المدن و لم تقتل المدنيين، لم تسرق و لم تنهب، و أخيرا فإنها لم تفخخ الکلاب، لذا فإنها کانت مقاومة شريفة.

 

أما عن إسلامية الکورد فلا تخف، الأکراد مسلمون أصلاء، إنهم مسلمون بهوية کوردية، لذا فلن تکون أسماء أبنائهم أحمد و أبو بکر و عائشة و خديجة کما تتمنی، إنها ستکون: شيرکو و آزاد و شيرين و کوردستان.

 

لکم هويتکم و لنا هويتنا، فزمن الوصايات قد ولی.

 

السويد

31/5/2005

fahmikakaee@yahoo.se