الطبقة العاملة تقف ضد الظلم الإجتماعي وتناضل في سبيل حقوقها

أحمد رجب

   

 

في الأول من آيار ( مايو ) تحل الذكرى 119 لمأثرة عمال شيكاغو ( 1886 ) التي يترّدد صداها منذ أكثر من قرن، بعد أن غدت رمزاً يجّسد نضال الطبقة العاملة العالمية، وتضامنها البروليتاري، ومثلها الثورية في سبيل الديموقراطية والسلام والتقدم الإجتماعي، فمنذ أكثر من مئة عام شهدت شيكاغو حدثاً كان له أثر بالغ في التطور اللاحق للحركة العمالية العالمية، فالتحركات التي نظّمها عمال المدينة آنذاك أرست واحداً من خيرة تقاليد البروليتاريا وأكثرها ديمومة، الا وهي التظاهرات التي تجري في اليوم الأول من آيار من كل عام. وكان للقرار الذي إتخذه المؤتمر الإشتراكي العالمي ( باريس – 1889 ) بهذا الشأن صدى واسعاً، ولقد دعا المؤتمر إلى تنظيم تظاهرة كبرى في موعد محدد بحيث يدعو العمال في آن واحد في جميع البلدان وفي جميع المدن، في اليوم نفسه المتفق عليه السلطات الرسمية إلى تقليص يوم العمل قانونا إلى ثماني ساعات، وفي السنة التالية جرى الإحتفال بيوم الأول من آيار في عدد من البلدان بوصفه عيداً اممياً للشغيلة، ومنذ ذلك الحين أخذ يكتسب أهمية متزايدة وهو الآن عيد تحتفل به البشرية التقدمية جمعاء.

وفي هذا اليوم المجيد يرفل مئات الملايين من العمال إشراقة المنجزات والإنتصارات والدور التاريخي للطبقة العاملة، إنّه اليوم الذي يتجلّى فيه وعيها الطبقي من أجل إنتقالها التاريخي إلى الإشتراكية، إذ أنّ الطبقة العاملة تناضل في البلدان الرأسمالية المتطورة، كما في البلدان الأخرى من أجل هذا الإنتقال في ظروف متنوعة ومتفاوتة وتقود صراعاً ضارياً يشتد على نطاق العالم بأسره من أجل لجم الإمبريالية العالمية التي تتمّرغ في أزمة تلو أخرى، ساعية للبحث عن مخرج بتشديد التوّتر، وتصعيد نزعة العسكرة والعدوان بأمل عرقلة حركة التاريخ.

لقد إنبثق عيد الأول من آيار قبل أكثر من مئة عام في غمرة النضال من أجل يوم عمل من 8 ساعات في الولايات المتحدة  الأمريكية، فقد تطّور إلى يوم فريد للأعمال والتظاهرات الجماهيرية لشغيلة العالم، فالأول من آيار هو إستعراض لقوى الشغيلة المناضلة في القارات كافة، وهو عيد ولد في خضم المعارك الطبقية ويجّسد التطلع إلى العدالة الإجتماعية والحرية والسعادة.

انّ الأول من آيار هو بالدرجة الرئيسية يوم للتضامن يؤكد فيه العمال في مختلف البلدان مجدّداً وبمهابة وفاءهم لإخوة العمل العظيم، ويوم الأول من آيار هو يوم للنضال من أجل الحقوق الإجتماعية والسياسية ضد الإستغلال والقهر بكل أشكالهما، ومن أجل السلام والديموقراطية والتقدم.

وحول عيد الأول من آيار قال القائد العمالي وقائد ثورة اكتوبر العظمى فلاديمير إيليتج لينين :

انّ عيد الأول من آيار هو العيد الذي يحتفل فيه عمال جميع البلدان بإستيقاظهم على حياة واعية طبقياً بتضامنهم في النضال ضد كل إكراه وإضطهاد للإنسان على يد الإنسان، النضال لتحرير الملايين من الجوع والفقر والإمتهان، وانّ عالمين يقفان في مواجهة أحدهما الآخر في هذا النضال العظيم : عالم رأس المال وعالم العمل، عالم الإستغلال والإستعباد وعالم الاخوة والحرية.

إحتفاءً بهذا العيد الأغر لا بدّ من تسليط الأضواء على جانب من نضال الطبقة العاملة، ففي البلدان الرأسمالية تقف كل القوى السياسية تقريباً ضد الظلم الإجتماعي، ولكن خلافاً للأحزاب والتيارات البرجوازية يطرح الشيوعيون برامج التحويلات التي تتفق فعلاً مع المصالح الجذرية للشغيلة، وتخوض النقابات أيضاً نضالاً عنيداً من أجل حقوقهم.

تتكوّن وسائل نضال الطبقة العاملة  ضد الظلم الإجتماعي في خضم المعارك الشرسة مع البرجوازية التي تمارس سياسة الإنتقام الإجتماعي، وتنطلق القوى الديموقراطية من أنّ صد الهجوم المضاد الذي يشنه رأس المال يساعد على تطوير الحركة من أجل التحولات الجذرية وإقامة مجتمع العدالة الإجتماعية من أجل الإشتراكية.

إنّ الإحتكارات إذ تستغل الفروق التي تنشأ بين فئات من العمال، وكذلك بين العاملين والعاطلين عن العمل بتأثير الثورة العلمية والتقنية، فإنّها تحاول شق وحدتهم وتقوم بإثارة المزاحمات فيما بينهم وتقويض مواقع النقابات. وترّد المنظمات العمالية بمحاربة إستخدام التقنية الجديدة الذي يلحق الضرر بالعمال وتطرح بديلاً ديموقراطياً لتطبيق منجزات الثورة العلمية والتقنية، ويتركز النضال على قضايا مثل الحفاظ على فرص العمل وتنظيمه وتقسيمه والتعليم العام والتأهيل المهني والضمان الإجتماعي والعناية الصحية. ويظهر عدد من القضايا التقليدية للحركة النقابية بإشكال جديدة مع إشتداد حدتها. فانّ معدلات الأجور على سبيل المثال، يجب أن تواكب الآن ليس إرتفاع غلاء المعيشة فحسب، بل وتزايد الإنتاجية والمهارة وشدة العمل والجهد البدني، العصبي والعاطفي الذي تفرضه على العامل. امّا تقليص ساعات العمل فيجب أن يترافق ليس مع تخفيض شدة الإستغلال فحسب، بل وتقليص البطالة وتوفير الظروف لتطور الشغيلة مهنياً وثقافياً.

وتقضي سياسة الأحزاب الشيوعية بالتوافق مع مطاليب النقابات بتطوير نظام الضمان الإجتماعي والخدمات، كما تتضّمن برامجها زيادة معاشات التقاعد، وتطبيق حدها الأدنى، ودفع العلاوات المرتبطة بإرتفاع الأسعار بصوره تلقائية، ومضاعفة صناديق التقاعد من جيوب أرباب العمل وما شابه ذلك. ويجري الحديث أيضاً عن زيادة المساعدة المقدمة لمختلف فئات السكان من شبيبة ونساء وأسر كثيرة الأطفال ومقعدين، علماً بأنّ هذه الدفوعات ليست صدقة من المجتمع، بل هي قسم من ثمار عمل ملايين الناس التي يستولي عليها الرأسماليون.

ومن المطاليب الرئيسية التي يرفعها شغيلة العالم الرأسمالي الصناعي خفض وقت العمل مع الحفاظ على الأجرة كاملة.

للطبقة العاملة العالمية اليوم كثرة من التنظيمات والعديد من النقابات تدافع عن حقوقها وتقف إلى جانب العمال ضد الرأسماليين الذين يلجأون إلى تأليف جمعيات ماسونية حقيقية بوجه الطبقة العاملة بأكملها، وإزاء هذه الحقائق الدامغة ودفاعاً عن المنظمات والنقابات العمالية يصّر العمال في كل مكان على لملمة صفوفهم وتوحيد كلمتهم وإرادتهم على النضال ضد الرأسمال، وضد الحروب وأسبابها لإحلال سلام دائم ووطيد ومن أجل الدفاع عن مصالح الشغيلة في جميع الهيئات الدولية وتنظيم النضال المشترك لنقابات البلدان كافة ضد التطاولات على الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والحريات الديموقراطية ومن أجل ضمان حق العمل.

ومنذ عام 1945 استطاع العمال تأسيس إتحاد عالمي للدفاع عن حقوقهم، وأطلقوا عليه اسم : إتحاد النقابات العالمي، وينتهج هذا الإتحاد بدأب سياسة تهدف إلى توحيد الفصائل الوطنية للحركة النقابية في الدفاع عن المصالح المشتركة. وكان التضامن البروليتاري على الدوام سلاح الطبقة العاملة الرئيسي في النضال من أجل هذه المصالح. وتزداد أهميته اليوم أكثر من أي وقت مضى، فهو لا يقوم بدور حاسم في النضال من أجل مصالح العمال فحسب، بل ويعد من العوامل البالغة الأهمية في صيانة السلام ودرء وقوع كارثة نووية.

ويؤيد إتحاد النقابات العالمي مع سائر قوى السلام في العالم برنامج إزالة الأسلحة النووية بصورة تامة، كما يعبر الشغيلة عن تصميمهم على درء نشوب النزاع النووي المميت، وإنهاء سباق التسلح الخطر والمدمر، ويرى الإتحاد أنّ الأعمال التي تنظم من أجل السلام ونزع السلاح لا تنفصل عن النضال من أجل تشغيل الأيدي العاملة وإنعاش الإقتصاد العالمي الذي من دونه لا يمكن تحقيق مكاسب إجتماعية جديدة. ومن الضروري بصورة رئيسية تحويل الإنتاج الحربي إلى الإنتاج لأغراض سلمية. وقد دحّضت الحركة النقابية العالمية بشدة خرافة قوى العسكرية والعدوان التي تزعم أن نزع السلاح يؤّدي إلى المزيد من البطالة. فلقد أظهرت الأبحاث التي أجرتها النقابات نقيض ذلك، وأظهرت أنّ إلغاء الإنتاج العسكري سيجعل من الأسهل إنهاء أزمة التشغيل وحل القضايا الإجتماعية الأخرى. إنّ إستراتيجية النضال من أجل السلام وتشغيل الأيدي العاملة التي يقترحها إتحاد النقابات العالمي بديل واقعي عن السياسة الإمبريالية ـ سياسة سباق التسلح والإنقضاض على حقوق الشغيلة.

لقد كلّف نضال العمل العظيم ضد رأس المال عمال جميع البلدان تضحيات جسيمة، وأراقوا أنهاراً من الدماء في سبيل حقهم في حياة أفضل وحرية حقيقية. ويتعّرض ممن يناضلون في سبيل قضية العمال إلى إضطهاد لا يوصف على أيدي الحكومات وخاصة الرجعية والدكتاتورية منها، ولكن تضامن عمال العالم يتنامى ويزداد قوة رغم كل الإضطهاد، ويتوّحد العمال متراصين أكثر فأكثر في أحزاب إشتراكية ويتعاظم مؤازرو هذه الأحزاب إلى ملايين ويتقدمون بإطراد خطوة فخطوة نحو النصر الكامل على طبقة المستغلين الرأسماليين.

وأخيراً ليكسب الإحتفال بعيد الأول من آيار ألوفاً من المناضلين الجدد إلى قضية الطبقة العاملة، ويعزز قواهم في النضال من أجل حرية الشعوب بأسرها، ومن أجل تحرير كل الكادحين من نير البرجوازيين والرأسماليين.

                                                                 29/4/2005