إلى الأخت فينوس فائق والرجل المناسب في المكان المناسب
هستيار هوشمند

   

كثيراَ ما يوصف الكُردي بالسذاجة وطيبة الخاطر وحسن النّية وهذا الوصف صحيح! بيد انّه، ولحسن الحظ، لا يشمل مجموع الكرد على أية حال. إذ بدأ الناس يتغيّرون وشرعوا في التعمق في الأمور وتعلموا التحليل الموضوعي والعلمي بعيداَ عن العاطفة الساذجة والذاتية المفرطة والشعور الباهت القائم على أساس ردود الفعل المباشرة.

هذه المقدمة كانت ضرورية للدخول في الموضوع. فالأخت فينوس لا زالت ضحية الوقوع في فخّ مثل هذا التفكير الساذج والبسيط. فهي قد هلهلت عند تنصيب الطالباني كرئيس للعراق. لماذا؟ لان المذكور كردي! وتنسى أن الكرد ليسوا سواسية وان كرديّاَ ما قد يختلف كلياَ عن أي كردي آخر، وذلك من حيث المبادئ والإخلاص الوطني وروح التضحية..الخ. كان من المفروض أن تقوم الأخت بدراسة وتحليل شخصية الطالباني مليّاً قبل أن تحكم عليه بهذه العجالة. إن الطالباني لم يصبح رئيساَ للعراق إلا لأنه ليس كردستانياَ وليس مخلصاً لقضية الشعب الكردي ولا يهمه تحرّر كردستان أبدا، وإلا لأنه ـ أي الطالباني ـ مخلص للعراق الموحّد وخادم مخلص للامة العربية المجيدة! لقد قال ما فيه الكفاية في هذا الصدد. أوَ ليس هو القائل بأن كردستان مستقلة غير قادرة على الحياة! أي أن المسؤول عن مأساة الشعب الكردي ليس هو الاستعمار أو الدول التي تحتل كردستان، وإنما السبب الحقيقي هو طبيعة كردستان نفسها! يبدو أن الرئيس لم يلتفت يوماً إلى طبيعة المعيشة في وطنه الدامي، وكيف أن الأعداء هم الذين يعتاشون عليها وينهبون ثرواتها وينتهكون الحرمات جميعاً. ألم يجعل من استقلال كردستان مجرد حلم أو حلم شعراء ليس إلا، وضرب بذلك حق تقرير المصير وحق الشعوب في التحرر والانعتاق عرض الحائط! ألم  يقل بأنه أو بأننا "وكأنه يمثل الشعب كله أو لعله هو الشعب ذاته" نتنازل عن الاستقلال الذي كان لنا طوال اكثر من عقد ونعيده إلى بغداد كي نبنيَ معاً عراقاً ديمقراطياً.  وقد فعل كل ما قاله ونفذّه بكل إخلاص ورويّة ودون تردد، حتى اكمل مهمته بتتويجه رئيسا للعراق الديمقراطي الفيدرالي التعددي الموحد! كل هذا وفينوس في فرحة وهلهلة وتناديه "أبي". هل عدنا ثانيةً إلى إطلاق الألقاب السخيفة والفارغة والي كانت رائجة في زمن البعث. لقد كان احمد حسن البكر يُكنى بالأب القائد! إن رئاسة الجمهورية هي مجرد وظيفة كبقية  الوظائف الرسمية ويجب أن تكون في إطار الدستور والقانون.

أما إطلاق العفو فهذا طبيعي، لأنه يريد أن يخدم وان يظهر بمظهر القوي صاحب السلطة، ولعله أراد بذلك أن يتشبه بسلفه المسجون ولكن واحسرتاه! لقد كان ظنه خائباً كالمعتاد. أما فرحة الخلايا بسيادة الرئيس فهذه عائدة إلى الطالباني ذاته وليس لغيره. فجلال أضحى رئيسا للجمهورية تحقيقاً لذاته وليس من اجل الكرد أو كردستان وستثبت الأيام صحة ما أقول!

ثمّ تغيرت المشاعر فجاء الامتعاض والقشعريرة حيث سماع خبر تنصيب وفيق السامرائي كمستشار الأمن القومي للرئيس. لو كنتِ تعرفين جلال الطالباني حق المعرفة لانتفت الحاجة إلى كل هذه المشاعر السلبية والتي مصدرها الطالباني وليس السامرائي كما تتوهّمين! لقد كان رد الفعل عندي بارداً كثلوج جبال زاكروس! إن السامرائي صديق عزيز على قلب الطالباني حاله في ذلك حال المجرم الآخر الخزرجي! لقد دافع عنهما كما يدافع اليوم عن صدام حيث لا يريده معدوماً. أما إعدام الشباب الكردي فشيء طبيعي للطالباني، لا ما قبل البعث وإنما من لدن الطالباني نفسه! كان من المفروض أن تقومي بعملية حسابية بسيطة لمعرفة حقيقة أبيك الروحي! حاولي أن تحسبي عدد البعثيين وخاصة الكبار منهم "وليس البعثيين الكرد لأنهم من الكرد على أية حال" الذين قتلهم الطالباني أو أصابهم بأذى مهما كان نوعها، أو كان هو وجماعته سببا لذلك، ثمّ احسبي عدد الكرد الذين قتلهم الطالباني أو عذّّبهم أو اعدمهم بقرار من محكمة أو دون ذلك أو وهم أسرى، أو كان هو وجماعته سببا لذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، ثمّ قومي بعملية طرح بسيطة وسترين النتيجة، حيث عدد البعثيين المقتولين سوف لن يكون حتى بنسبة عشرة بالمائة من عدد الضحايا الكرد والذين هم من جميع أرجاء كردستان وليس فقط من الجنوب! هذه هي النتيجة التي تقشعر لها الأبدان وتشمئز لها النفوس. هذه هي المشاعر التي هي جديرة بالاعتبار والمصداقية وليست تلك التي يسببها تنصيب من هو سامرائي أو خزرجي أو اعرجي! أنا لا أقول بان هذه العملية الحسابية بسيطة بيد أنها ممكنة لكل من يبغي الحقيقة ويكن لها الاحترام, وما عليك إلا أن تدرسي حياة الطالباني وتاريخه وتاريخ تنظيمه السياسي والذي أطلق عليه اسماً كبيرا لا يستحقه حيث الاتحاد الوطني الكردستاني!

وألان لماذا لم تستطع الأخت من طرح الأسئلة على المجرم المذكور؟ أم أن تنظيمها الديمقراطي منعها من ذلك حيث كانت وقتئذٍ صحفية الاتحاد لسان حال الأوك.

ختاما أريد التذكير بمدى ارتياح السامرائي ومحبته لكل من جلال الطالباني وزميله في النضال نوشيروان مصطفي حيث يضعهما في صفوف الوطنيين العراقيين المخلصين وذلك في الكتاب الذي كتبه بعد هروبه من بغداد والتحاقه بالمعارضة العراقية. ويبدو من الكتاب أن تلك الصداقة المزعومة قد توطدت أركانها بعيد ذهاب الاثنين أي كل من الطالباني وزميله المذكور إلى عاصمة صدام العروبة في متنصّف الثمانينات من القرن المنصرم. وكان سبب الزيارة هو إجراء المفاوضات من اجل الحصول على المطالب المشروعة للشعب الكردي المخدوع!