الرجال في الشرق يفضلونها ساذجة

في ذكرى 8 مارس هذا العام.

   

فينوس فائق

شاعرة و صحفية كوردية مقيمة في هولندا

كلما أكتب عن المرأة أو أقرأ شيئاً عنها أحس بأنني أقف خارج نفسي و أكتب أو أقرأ ، أحس أنني أكتب عن كائن لا أنتمي إليه أو لا يربطني به رابط ، و عندما يقترب الثامن من مارت ، أشعر و كأنني ربما نسيت أنني إمرأة و هذا تذكير بأن النساء موجودات ، أحس أن العالم يمن علي بيوم ، ينتابني إحساس بأن المرأة مخلوق يختلف عن الإنسان جاء من كوكب آخر و حل كالكارثة على كوكب الأرض و تحت أبطه قضية فاجأ بها المجتمع الإنساني ..

و بعد قراءة بعض خطابات الرجال عن المرأة أحس و الحق أقول أنهم لا يتحدثون عني ، و كأنهم يحدثونني عن مخلوق لا يعيش على الأرض ، لأنه و بإختصار شديد و بدون كلمات كبيرة و خطابات رنانة : المرأة مخلوق بسيط جداً أبسط من أن يشغل الرجل باله بها إلى هذا الحد و كأنها وباء ، فهي مخلوق لا تقل في شيء عن الرجل سوى أنها إمرأة و هو رجل ، أما مسألة الحقوق و الواجبات فهي مسألة نسبية من رجل إلى رجل و من إمرأة إلى إمرأة و الطبيعة كانت منذ الأزل كفيلة بمنحها لكن الرجل هو الذي إستحوذ عليها و عندما تطالب بها المرأة كأنها تطالب بأحد ممتلكات الرجل ، و الرجل هو الذي يعقد المسألة و يربطها بالمجتمع و السلطة و الدين ، فما من شريعة من شرائع السماء و لا قانوناً من قوانين الأرض أنصف المرأة بالشكل اللائق بها و لا حتى أعطاها حقوقها كما يجب أن يعطى الإنسان حقه ، بحيث صار كل شيء في عالمنا الشرق أوسطي يحمل صفة الذكورة و ، لدرجة فقدت معها الكثير من النساء حتى أنوثتهن ، و هذا يذكرني بقصة رجل كنا نعرفه لم يرزقه الله سوى بإبنة واحدة أسماها "أ" ، فكان يتصور نفسه عقيماً و يعلن ذلك على الملأ ، و كان يعاني من عقدة أنه لم ينجب صبي، و من شدة حبه للصبيان كان هذا الرجل يقص بإستمرار شعر إبنته و لا يسمح لها بأن تطوله ، و لا حتى يسمح لها بأن تطول أظافرها ، و عندما كانت صغيرة لم يكن يشتري لها غير اللعب التي تخص الصبيان ، و كان يحرمها من اللعب بالدمى ، و كان يأخذها معه دائما إلى حلاق رجالي في الحي الذي يسكنون فيه ، و كان يلبسها زي الصبيان و يأخذها معه إلى محل بيع أدوات السيارات الإحتياطية الذي يمتلكه ، فصارت تتصرف كالصبيان و تلعب مع الصبيان في الحي و لا تلعب مع الفتيات و لم يتصور أحد للحظة أنها فتاة ، و هكذا سارت الأمور بحيث حتى الذي كان يعرف الحقيقة نسى الأمر، فكبرت الصبية و كبرت معها معالم الأنوثة و لم يصدق أحد أنها فتاة ، فبدأ صبيان الحي يسخرون منه (أي منها) و يقولون أنه صبي لكن بثدي ، و يمشي مشية الصبايا و يتمايل مثل البنات ، فأطلقوا عليه (أو عليها) مختلف الإشاعات من أنه (أي أنها) مخنث ، حتى وصل الحال بالأب أن يخبر الناس بحقيقة أمرها لكن لم يصدق أحد ، ولم يتقدم لخطبتها أحد ، و المصيبة كانوا يقولون (ما من أب سيرضى أن يزوج إبنته لمخنث مثل إبن فلان) و بعد معرفة الحقيقة قالوا (ما من رجل يرضى أن يتزوج من فتاة تتنكر في ثوب ولد) ، فضاعت الفتاة ، و ضاعت أنوثتها و صارت مثل الصندوق المليء بالأحزان ، فقد عرف الناس بالحقيقة لكن بعد فوات الأوان ، بعد أن قضت فترة صباها و مراهقتها في ثوب صبي و بين زنزانة الذكورة ، و على دراجة خاصة بالصبيان ، و ذلك إكراماً لأبيها الذي كان يتمنى صيباً صالحاً يحمل إسمه من بعده ، لكنه أنشأ صبية غير سليمة كانت ضحية أب غير صحي التفكير، و وصل بها الحال أنها لم تتقن سوى المهن الرجالية مثل الميكانيكي و الوقوف في محل لبيع الأدوات الإحتياطية الخاصة بالسيارات الخاص بأبيها.. هذه القصة أتذكرها كل عام عندما يستذكر العالم يوم المرأة العالمي..

فأقول في نفسي : ترى كم أنثى أخرى هي ضحية مثل هذه الأفكار و الممارسات الرجعية؟ ترى هل كان على " أ " أن تدفع طفولتها و صباها ضريبة لأنها فتاة و ليست صبية ؟

ترى هل كان على 140 فتاة عاملة في مصنع في مدينة نيويورك أن يحترقن ليلتفت العالم إلى حقوق النساء و لكي يتم تحديد يوم للنساء على إثر مأساة كهذه ؟؟ و هل كان على روسيا و بعد كل الخسائر التي لحقت بها في الحرب و التي زادت على مليوني جندي أضحو وقوداً للحرب و أن تنهض على إثر تلك المصيبة المرأة و تطالب بإنهاء المأساة فيكلف ذلك قيصر روسيا عرشه ، فيتم خلعه لكي تنال المرأة حقوقها؟؟ ترى كم من الحكام في الشرق يجب أن يضحي بكورسي الحكم و أن يتم خلعه حتى تنال المرأة حقوقها ؟؟ ترى كم إمرأة يجب أن تحترق حتى تلتفت السلطات السياسية في الشرق إلى حقوق النساء و يعترفوا بها؟؟ لماذا لا تعطى الحقوق في أجواء سلمية ؟؟ لماذا لا تعطى الحقوق عن طيب خاطر؟؟ لماذا يجب أن نقود المظاهرات كل مرة نطالب فيها بحق من حقوقنا الشرعية؟؟

الرجال في الشرق بإمكانهم أن يكونوا متحررين حتى يصلوا باب منازلهم ، ما أن يصلوا أما باب الدار حتى يخفوا الشعارات الرنانة التي تدخل في خانة حقوق المرأة تحت شجرة على الرصيف ، و يعودوا يحملونها في اليوم التالي معهم ، هذا هو مرض العصر "الإزدواجية" الذي يعاني منه رجال الشرق عموماً ، فهم يؤمنون بحقوق المرأة إكراماً لعيون نساء غير نساء العشيرة ، إكراماً لعيون المصلحة التي يحققونها من وراء رفع شعار من شعاراتهم تلك ، أما الزوجة فيفضلونها ساذجة "قطة عمياء" تفتقر إلى أبسط الحقوق من بينها القراءة و الكتابة حتى لا تميز بين حقوقها و واجباتها ، و حتى لا تتمكن من قراءة الكتب و أن لا تقف يوماً تطالب بأبسط حقوقها و أن لا تناقش و لا ترفض و تعارض و لا تقف موقف الضد ، حتى لا تكتشف يوماً كلمة "لا" ، و حتى لا تكتشف العالم من حولها ، وأن ترى أين وصلت نساء العالم و هي مازلت قابعة في المطبخ ، و بدل البرفانات تشم رائحة البصل ، و حتى لا ترى العالم إلا بعيون زوجها ، و هو الذي يترجم لها كل ما يرد من أخبار من خارج صومعة الرجل .. وهكذا…

ففي اليونان القديمة أيضاً أعلنت مجموعة كبيرة من النسوة بقيادة الناشطة اليونانية في مجال حقوق المرأة ليسترانا إضرابهن عن الجنس ضد الرجال مطالبات بإنهاء الحرب.. والنساء الفرنسيات أيضاً لهن باع في مجال المطالبة بحقوقهن ، فأثناء الثورة الفرنسية نظمت النساء الداعيات للحرية و المساواة في باريس مظاهرة سرن خلالها إلى قصر فرساي و ذلك من أجل المطالبة بحق المرأة في الإقتراع ..

أما فكرة تحديد يوم دولي خاص بالمرأة في العالم هي فكرة ليست بالقديمة فبعد المؤتمر الموسع الذي عقدته الإشتراكية الدولية في كوبنهاكن عام 1917 و شاركت فيه أكثر من 100 إمرأة من 17 دولة ، جاءت الموافقة على تبني الإقتراح بتحديد يوم عالمي للمرأة إلا أنه و في ذلك العام لم يتم تحديد اليوم حتى العام الذي تلاه حيث تم الإحتفال بيوم المرأة يوم 9 مارس في كل من ألمانيا و الدانمارك و سويسرا و النمسا ، و قد شملت مطالب المرأة الحق في التصويت و العمل في المناصب العامة ، و إنهاء التمييز في العمل ، لكن و بعد الحريق المأساوي الذي شب في أحد المصانع في مدينة نيويورك و الذي صادف 25 مارس و أودى بحياة 140 إمرأة عاملة في المصنع ، فقد شهد نضال المرأة نقلة سريعة نحو المزيد من الحقوق خصوصاً ما يتعلق بقوانين ضروف العمل في الولايات المتحدة الأمريكية .. أما كيف تم إعلان يوم 8 مارس تحديداً للإحتفال بيوم المرأة العالمي؟ فجاء ذلك إثر الإضراب الذي أعلنته المرأة الروسية عشية الحرب العالمية الأولى تحت شعار "الخبز و السلام" ، مما أدى في النهاية إلى إجبار قيصر روسيا لأن يستسلم و أن تمنح الحكومة المؤقتة المرأة حقها في التصويت ، و قد وافق ذلك اليوم التأريخي يوم 25 شباط / فبراير من التقويم (اليوليوسي) المتبع آنذاك في روسيا ، و وافق يوم 8 مارس/ آذار من التقويم (الغريغوري) المتبع في باقي أنحاء العالم ..

هكذا ناضلت المرأة طوال التأريخ و لا زالت تناضل من أجل حقوقها ، لكن الحقيقة التي مازلت أؤمن بها هي المشاركة السياسية ، فبدون المشاركة السياسية و بدون إشراك المرأة في معالجة مشاكل المجتمع الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية فلن تتحقق العدالة التي تنشدها البشرية من الأزل لحد اليوم في بناء مجتمع حضاري قائم على المساواة بين الرجل و المرأة ، فإذا لم تتساوى المرأة بالرجل في كافة الميادين و المجالات ستظل العدالة غائبة و إذا غابت العدالة فهذا يعني أن خللاً ما يوجد في السلطة السياسية التي يحتكرها الرجل على مر التأريخ..

و المشاركة السياسية هنا لا تأتي بالمفهوم التقليدي لكلمة السياسة على أنها تنظيم حزبي أو إلتزام تنظيمي بحزب معين ، بقدر ما يعني مشاركة المرأة الفعالة من تلقاء نفسها و من إحساسها بالمسؤولية الملقاة على عاتقها كإنسانة تجاه مجتمع هي الأساس في تكوينه و تركيبته ، و من إيمانها المطلق بأنها تستطيع أن تقف على نفس الأرض و نفس حلبة المنافسة أمام الرجل في المكان الذي تجد نفسها كفء لها في المناصب الحكومية و تشكيلة السلطة الحاكمة ، و بدون أن تكون محسوبة على إسم ذكوري ، و على أن لا يكون وجودها مثل بعض الزهور في مزهرية ، أو صورة جميلة داخل إطار ، المهم أن تقول كلمتها المناسبة في الفرصة المناسبة و أن تكون كلمتها مسموعة ، و أن تزاحم الرجل على نيل حقها في المشاركة في إتخاذ القرارات السياسية..

هكذا تعمل النظم الديمقراطية في الغرب ، فالبرلمانات في الغرب مثلاً لا جنس لها و كورسي الحكم لا جنس له و المناصب الحكومية ليست حكراً على جنس الرجل كما في الشرق ، و كما هناك رئيس سابق هناك رئيسة سابقة على العكس من السلطات السياسية في الشرق و بالأخص في الوطن العربي ، حيث ليس فقط لا توجد إمرأة رئيسة و إنما لا يوجد رئيس سابق ، هناك فقط رئيس راحل أو رئيس أغتيل ، هذا إن دل على شيء يدل على تغلغل النزعة الدكتاتورية في العروق ، لدرجة أن السلطة السياسية في الشرق لا ترى أن من حق الشعب التناوب على كورسي الحكم برجالهم و نساءهم كما يحدث في البلدان المتطورة في العالم ، فبعد سقوط البعض من النظم الدكتاتورية ولى زمن التفرد بالحكم و السلطة السياسية و المجتمعات الذكورية ، و ولى الزمن الذي تصغي فيه المرأة فقط إلى نشرات الأخبار دون أن تعرف ماالذي يحدث بين كواليس السياسية و خلف جدار الحكم ، و ولى زمناً كانت المرأة فيه قضية على الهامش من القضايا الإنسانية ، و حتى ولى الزمن الذي نقول فيه أن المرأة قضية ، بل ليست هناك قضية إسمها "قضية المرأة" هناك قضايا و مشاكل إنسانية يستوجب من المرأة المشاركة الفعالة في حلها و هناك سلطة سياسية يجب على المرأة أن ترشح نفسها لها و بجدارة و عن إستحقاق .. 

venusfaiq@yahoo.co.uk

 

HOME