تشريعات القسوة ضد حقوق المرأة في العراق

   

الدكتور منذر الفضل

www.alfadhal.net

 

 

مقدمة

Introduction

 

ورثت المجتمعات العربية –  وحتى الاسلامية غير العربية – تركة ثقيلة من العادات والتقاليد الخاطئة والثقيلة والسلبية ضد الانثى , وظهرت فيما بعد نتائج خطيرة من عملية التمييز بين البشر على اساس الجنس , اي التمييز بين المرأة والرجل بسبب الذكورة والانوثة  سواء في ميدان اللعب بين الاطفال ام في تقسيم العمل ام في الوظائف وفي ميدان الحقوق السياسية والمدنية وغيرها والتي ما تزال أثارها قائمة حتى الان في تلك البلدان بل وحتى في مجتمعات مختلفة غربية وشرقية .

 وبسبب هذا التمييز غير المقبول اخلاقيا وقانونيا وانسانيا عقدت مؤتمرات دولية كثيرة في العالم تتعلق بشؤون المرأة  كان منها مؤتمرات اقليمية وبعضها مؤتمرات دولية برعاية الامم المتحدة لتسليط الضوء على قضية المرأة ومعاناتها الانسانية الكبيرة حتى في اكثر الدول تطورا من حيث المدنية حيث نشطت فيها تجارة الرقيق الابيض والدعارة والاتجار بالبشر والعمالة الرخيصة في السوق السوداء واستغلال النساء  وتجارة الاعضاء البشرية من مناطق الدول الفقيرة والتباين او التمييز في الاجور بين المرأة والرجل وغيرها.

و
هذه الدراسة عن تشريعات القسوة ضد حقوق المرأة في العراق قدمت منا إلي المؤتمر الدولي عن العنف ضد المرأة الذي انعقد في باريس برعاية الحكومة الفرنسية وبحضور دانيال ميتران عقيلة الرئيس السابق فرانسوا ميتران وعدد من الباحثات والمهتمين بحقوق الإنسان المنعقد في 22 شباط (فبراير) عام 2002، كما أرسل إلي منظمة حقوق الإنسان في ألمانيا ــ هامبورك لعرضه في أسبوع التضامن مع الشعب العراقي الذي انعقد في نيسان (ابريل) 2002، ولمناسبة يوم المرأة العالمي المصادف 8 أذار  ومن أجل إنصاف المرأة في العراق وإلغاء التمييز بين الجنسين في الحقوق والواجبات وتعديل تفاوت الحماية القانونية في التشريعات العراقية النافذة وبهدف نبذ مظاهر العنف الذي يمارس ضد المرأة، ومنها جريمة ما يسمى ب القتل بدافع الشرف أو القتل بدافع غسل العار التي تعد مؤشرا صارخا وخطيرا في إهدار حقوق المرأة والاضرار بكيانها الإنساني، وبهدف تفعيل دور المرأة في عراق المستقبل، نعيد نشر هذا البحث لمناسبة (يوم المرأة العالمي) إسهاما منها في نشر ثقافة حقوق الإنسان وحكم القانون التي هي من مقدمات بناء المجتمع المدني في العراق الجديد.

 

 

لقد احتلت المرأة مكانة اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية متميزة في مختلف العصور ولعبت دورا فاعلا في شؤون الحياة كما تباينت أهمية وأشكال هذا الدور وهذه المكانة باختلاف الأزمنة , ففي المراحل الأولى للتاريخ كانت مكانه  المرأة في مرتبة الآلهة يعبدها البشر ويطلبون منها الغفران والرحمة وشكل وجودها  رمزا من رموز الخير والإنتاج والخصوبة  ولهذا كانت هناك علاقة وثيقة بين المرأة والخلق , كما ارتبط وجود المرأة مع الأرض المنتجة الخصبة التي تطعم البشر من خيراتها.(1)

وفي شريعة حمورابي وجدت العديد من النصوص التي تنظم الأسرة وتحفظ مكانة ودور المرأة البابلية في العراق القديم. (2) فقد كان للمرأة حق الطلاق من زوجها ولها حق رعاية الأولاد وحق ممارسة العمل التجاري ولها أهلية قانونية وذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها  ولها الحق في الرعاية والنفقة كما وضعت عقوبات قاسية على الشخص الذي يسيء معاملة المرأة أو ينتهك  حقا من حقوقها الثابتة في القانون المذكور .

 

كما احتلت المرأة دورا متميزا ومكانة كبيرة في العهد الإغريقي وفي جمهورية أفلاطون , غير أن هذه المكانة لم تكن كذلك عند العرب قبل الإسلام حيث وجدت مشكله وأد البنات في ذلك الوقت خوفا من الوقوع في الأسر أثناء الغزوات والحروب  و أخذهن سبايا فقد كانت من القيم الاجتماعية المهمة حينذاك هي أن لا تكون المرأة من السبايا أو أسرى الحرب مما يدلل على ضعف الجماعة التي يتم سبي النساء منها وقت الغزوات  وهو مما يشين ويحط من قيمه الجماعة  ولان الوضع الاجتماعي الاقتصادي كان يعتمد على دور الرجل في الزراعة والحروب حتى ظهور الإسلام الذي حاول التخفيف من المشاكل الاجتماعية التي كانت موجودة آنذاك.

 

والذي يهمنا هنا هو التعرف على الحماية التشريعية للمرأة في العصر الحديث وعلى مظاهر تفاوت هذه الحماية بين الجنسين ثم لبعض صور إهدار حقوق المرأة في العراق لغرض بيان التوصيات اللازمة لتعديل أو تحسين وضع المرأة في المجتمع العراقي في عراق ما بعد نظام  صدام ووقف الانتهاكات ضد حقوقها الإنسانية الثابتة ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد هذه الحقوق طبقا للقانون لاسيما وقد عقدت مؤتمرات دولية عديدة لبحث قضية حقوق المرأة ومحاولة الحد من هذه الانتهاكات ومنها مؤتمر بكين عام 1995 ومؤتمرات عديدة أخرى برعاية الأمم المتحدة كما سيتضح ذلك .

لذلك سنعالج الموضوع على النحو التالي :

 

القسم الأول الحماية القانونية للمرأة في القانون الدولي

القسم الثاني تفاوت الحماية القانونية بين الجنسين في التشريعات العراقية

القسم الثالث نماذج الانتهاكات لحقوق المرأة في العراق

 

 

القسم الأول

الحماية القانونية للمرأة في القانون الدولي

 

لم تغفل المواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بالمرأة وضرورة مساواتها مع الرجل ففي ميثاق الأمم المتحدة وردت في ديباجته أن شعوب الأمم المتحدة ألت على نفسها ( أن تؤكد من جديد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدرة و بما للرجال والنساء من حقوق متساوية ). كما نصت المادة الأولى من الميثاق في بيان مقاصد الأمم المتحدة هي : (  تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين و لا تفريق بين الرجال والنساء ). كما نصت المادة الثامنة من الميثاق على أن :  ( لا تفرض الأمم المتحدة قيودا تحد بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأي صفة وعلى وجه المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية ).

 

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد نص صراحة على المبدأ الأساسي في المساواة بين الجنسين :هو ( جميع الناس يولدون أحرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق ) كما جاء في المادة الثانية : ( لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع ) .

ولهذا فان المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات تقررها المواثيق الدولية الخاصة ومنها العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان . كما لا يجوز مطلقا أن يكون الاختلاف في الجنس سببا في تباين الحماية القانونية أو اختلاف أو إنقاص الحقوق , كما ليس من المقبول مطلقا حرمان المرأة من التعليم أو العمل مثلا بسبب الجنس وإتاحة كامل الفرص للذكور بحجة أن الذكر أقوى أو اقدر أو اكثر إدراكا من الإناث وهي مخالفة للالتزامات الدولية والقيم الإنسانية والتشريعات الأخرى .

 

وفي 7 تشرين الثاني من عام 1967 أصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 2263 في إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة. وهو بيان رسمي دولي للقضاء على سياسة التمييز بين الجنسين (5 ).

أما على صعيد المؤتمرات الدولية التي عقدت من اجل حقوق المرأة فهي عديدة نذكر منها مثلا مؤتمر مكسيكو لعام 1975 حيث اعتبرت هذه السنة عاما دوليا للمرأة وغاية المؤتمر تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في السلم والتنمية وفي الأسرة والمجتمع  وفي فرص التعليم وفي الأجور وفرص التعليم وحق المرأة في أن تقرر بحرية  الزواج من عدمه وفي احترام جميع الحقوق الإنسانية لها . كما عقد مؤتمر كوبنهاكن 1980 تحت شعار المساواة والتنمية والسلم وجرى التركيز على المساواة في العمل والحق في الرعاية الصحية والتعليم وفي إشراك المرأة بصورة متساوية مع الرجل في الحقوق .

 

وفي عام 1985 عقد مؤتمر نيروبي  لمتابعة مسيرة وتطور وضع المرأة وحقوقها في العالم برعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة  وتنفيذا لقرارها المرقم 53- 136 في 11-12-1980 ولوضع خطة للنهوض بواقع المرأة في العالم حتى عام 2000 من خلال خطة استراتيجية للقضاء على كل أشكال التمييز وتفعيل دور المرأة في المجتمع . ثم جاء مؤتمر بكين العالمي عام 1995 وهو أوسع مؤتمر عالمي لتفعيل دور المرأة في العالم ولتحقيق المساواة ونبذ التمييز ضد المرأة حيث ورد في بيان المؤتمر التأكيد على مبدأ المساواة بين البشر وبين الرجال والنساء في الحقوق طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجرى التأكيد على سلسلة من التوصيات بهذا الشان .(6 )

 

ولابد من الإشارة إلى أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW نصت على تعريف التمييز ضد المرأة في الجزء الأول وورد في الجزء الثاني منها على مسألة النمطية بين الجنسين , أي تأثير الثقافات والتقاليد في تقييد تمتع النساء بحقوقهن وضرورة القضاء على الأدوار النمطية للجنسين وعلى نبذ مفهوم الدونية للمرأة ونبذ مفهوم التفوق لدى الجنس الأخر , كما طلبت الاتفاقية الدول بمكافحة جميع أشكال الاتجار بالنساء واستغلالهن في الدعارة و أكدت على الحق في التمتع بالمساواة الكاملة في الحياة السياسية والعامة إلى جانب حق النساء وأطفالهن في التمتع بالجنسية حيث لا يجوز بقاء المرأة والطفل بدون جنسية . 

وفي الجزء الثالث نصت الاتفاقية على أهمية تعليم النساء كما ونوعا أي على الدول الالتزام بالقضاء على التمييز ضد الإناث في التربية وعلى إتاحة التعليم  بصورة متكافئة والاهتمام بنوعية التعليم ( محتواه ).

وتناولت الاتفاقية في الجزء الرابع حق المساواة أمام القانون من حيث الزواج وقانون الأسرة كحقها في التفريق وحل رابطة الأسرة وحقها في اختيار الزوج وبصورة متساوية مع الرجل ودون تمييز بين الطرفيين .

 وجاء في الجزء الخامس تشكيل لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة تتألف من 18 خبيرا وتضاف أليها أعداد أخرى لتكون من 23 خبيرا بهدف تنفيذ بنودها ومراقبة تطبيق هذه البنود من الدول ومدى التزامها القانوني بها.

أما عن المعاهدات الدولية الخاصة بالنهوض بالمرأة وحمايتها ومساواتها بالرجل فهي عديدة حيث تلعب منظمة العمل الدولية دورا هاما في هذا الصدد منها حماية الأمومة وتحريم العمل الليلي للنساء في الصناعة ولعل من أهم هذه الاتفاقيات هي : اتفاقية حقوق المرأة السياسية لعام 1952 و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1981 سالفة الذكر . وهذا يعني أن هناك التزامات دولية يجب احترامها من الدول بخصوص حقوق المرأة ومساواتها بالرجل ومنع كل أشكال التمييز ضد المرأة في المجتمع .

 

وعلى الرغم من وجود هذه المؤتمرات والقواعد القانونية والإنسانية الدولية والتي يفترض احترامها والالتزام بنصوصها طواعية ومحاسبة المخالفين لها , إلا انه وللأسف الشديد ما تزال هناك انتهاكات صارخة ضد حقوق المرأة في العديد من دول العالم تتمثل في تجارة الرقيق الأبيض ( تجارة النساء لغرض أعمال الدعارة ) وتتمثل في التمييز بين الجنسين في التعليم وفرص العمل والسفر والحقوق الأخرى وكذلك في بيع النساء في العديد من دول العالم وللأغراض المختلفة .كما أن البعض من هذه الدول تقوم بتأويل أو تفسير الإسلام بما يخدم أفكارها المتخلفة فتحرم المرأة من العمل ومن التعليم وتحجب عنها المناصب السيادية وحتى حق الانتخاب وقيادة السيارة ...!! ومن كل الحقوق الإنسانية مما يدلل على خطورة هذه الانتهاكات في العديد من دول العالم ومنها مثلا  أفغانستان والسعودية والعراق في ظل حكم صدام وما بعده حيث ظهر استبداد جديد يمارس القهر ضد المرأة هو الاستبداد الديني والفتاوى الجاهزة التي تكرس هذا التمييز بين الجنسين خلافا للاعلان العالمي لحقوق الانسان.

       

القسم الثاني

تفاوت الحماية القانونية بين الجنسين في التشريعات العراقية

 

قبل الدخول في الموضوع لابد من القول أن وضع المرأة في العراق تدهور بصورة خطيرة منذ الانقلاب العسكري في تموز 1968 وما يزال يتدهور بصورة تنذر بالخطر وبخاصة بعد العدوان على دولة الكويت واشتعال الحرب الثانية في الخليج عام1991  بل وحتى ما بعد تحرير العراق في 9 نيسان 2003. وقد تأشر ذلك التدهور والانتهاكات لحقوق المرأة من خلال المئات من الأدلة ومنها ما وثقته منظمة العفو الدولية والمنظمات غير الحكومية المحايدة. وهذه الانتهاكات مخالفة صريحة للدستور والقوانين والالتزامات الدولية .

 

ففي الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 مثلا ورد في المادة 11 على أن الأسرة نواة المجتمع وتكفل الدولة حمايتها ودعمها وترعى الأمومة والطفولة (7 ),كما نصت المادة 19 على ما يلي: (  أ- المواطنون سواسية أمام القانون , دون تفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين .  ب - تكافؤ الفرص لجميع المواطنين مضمون في حدود القانون ).كما تأكدت هذه المبادئ في دستور عام 1990 الذي حذفت منه عبارة مؤقت .غير أن هذه النصوص وغيرها من نصوص الدستور العراقي ذات الصلة ليست إلا حبرا على ورق , لا بل جرى مخالفتها وخرقها بصورة خطيرة من الناحتين التشريعية والواقعية حيث لم تتحقق أية مساواة بين الجنسين في المجتمع واستمرت سياسة العنف والاضطهاد ضد المرأة العراقية بصورة منتظمة كانت  تستدعي تدخل المنظمة الدولية لوقف هذه الانتهاكات التي فاقت في بعض جوانبها القاسية سياسة حكومة طالبان الأفغانية  البدائية في إلغاء حقوق المرأة كبشر له حقوق إنسانية كما سنبين ذلك.

هذا فضلا عن عدم وجود التناسق والتوافق بين نصوص الدستور والتشريعات النافذة .ولهذا سوف نعرض إلى جانب من بعض هذه التشريعات التي تكشف عن إهدار حقوق المرأة العراقية ويتحمل مسئوليتها نظام صدام.

أولا منع المرأة من السفر ( مخالفة دستورية وقانونية )

 

اصدر النظام السابق لحكم صدام  قرارات متعددة مخالفة لحقوق الإنسان تقييد أو تمنع أو تصادر الحقوق الأساسية للبشر ومنها منع المرأة من السفر  خارج العراق حتى ولو كانت تحمل أعلى شهادة أكاديمية إلا مع شخص محرم وهو قرار اعتبر المرأة ناقصة الأهلية بينما أجاز النظام  للذكر البالغ لسن الرشد حق السفر خارج العراق لوحده حتى ولو كان بدون تحصيل دراسي ولا نعرف الحكمة التي دفعت رئيس النظام إلى إصدار هكذا تشريع مخالف لحقوق الإنسان وتهدر من آدمية المرأة ولهذا لابد من إلغاء هذا القرار ومساواة المرأة مع الرجل في التمتع بحق السفر دون قيد . كما لابد من رفع قيود السفر عن المواطن وإلغاء قيد الموافقة المسبقة من أجهزة الدولة للحصول على حق المغادرة .   وبعد سقوط النظام في نيسان 2003 ظلت هذه القرارات نافذة المفعول وتطبق رغم سقوط النظام وبسبب استفحال الفساد المالي الان فان مديريات السفر والجنسية في العراق لم تلتزم بقرارات مجلس الوزراء برفع هذا القيد عن المرأة للسفر بدون محرم .

 

ثانيا حقوق المرأة المهدرة في القانون المدني العراقي

ليس هناك أدنى شك في ان القانون المدني العراقي عمل كبير الأهمية وبالغ الأثر في تنظيم المعاملات المالية , بذلت في إعداده جهود مضنية حيث شكلت لجنه أولى عام 1933 أعقبتها لجنه أخرى في سنه 1936 لوضع مشروع تمهيدي للأحكام المتعلقة  بعقد البيع , إلا أن الجهود توقفت حتى صيف عام 1943 إذ عهدت مهمة إنجاز مشروع للقانون المدني العراقي ليحل محل مجلة الأحكام العدليه وتشريعات أخرى للجنة من كبار رجال القانون في العراق برئاسة الأستاذ الجليل السنهوري استغرق عملها 3 سنوات .

 

وإذا كان القانون المدني العراقي هو أول قانون مدني عربي يتلاقى فيه الفقه الإسلامي مع القوانين الغربية جنبا إلى جنب في الكم والكيف وهي من اخطر التجارب في تاريخ في تاريخ التقنين المدني الحديث كما وصفها الأستاذ الجليل السنهوري , فأن هذا لا يعني أن القانون المدني العراقي الذي صار نافذ المفعول عام 1953 قد جاء متكاملا وخاليا من الثغرات او انه حقق التناسق الداخلي والتوافق الخارجي فقد تضمن - فيما يخص حقوق المرأة نصوصا عديدة أهدرت فيها هذه الحقوق ولم تجعلها متساوية مع حقوق الرجل مما يوجب تعديلها وتحقيق التوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية .

 

ومن ذلك مثلا موضوع النسب وحمل الاسم الذي حصر في الذكور دون الإناث  تأثرا بالقانون الروماني ( مدونه جوستنيان ) كما حرم القانون المدني ألام من الولاية على الصغير في المادة 102 حيث جاء مثلا ( ولي الصغير أبوه ثم وصي أبيه ثم جده الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة او الوصي الذي نصبته المحكمة ).  ففي هذا النص إنكار واضح لدور آلام وهو غير جائز إذ كيف يقدم مثلا وصي الأب ووصي الجد على ألام التي قد تكون هي الوصية إذا وافقت المحكمة على ذلك  بينما نعتقد بضرورة تقديم آلام على غيرها أو ترك الأمر للمحكمة لتقدير مصلحة الطفل كما لابد من تعديل قانون رعاية القاصرين لكي ينسجم مع ضرورة احترام حقوق المرأة والرجل في الولاية والوصاية. وهناك نصوص أخرى مهمة تحتاج للتعديل أو الحذف لكي تنسجم مع الدستور ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.  

 

ثالثا حقوق المرأة المهدرة في قانون الأحوال الشخصية العراقي

 

يعود قانون الأحوال الشخصية العراقي  إلى عام 1959 وقد جرى تعديله مرات متعددة , غير ان هذه التعديلات لم تلتفت الى حقوق المرأة المهدرة في القانون والتي تتناقض مع القيمة الإنسانية للمرأة ومع دورها في الحياة وذلك لان هناك الكثير من النصوص التي تتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع القواعد الدستورية فضلا عن تعارضها مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المرأة و منع التمييز بين الجنسين .وإذا كان من الصعب التعرض لجميع هذه الحقوق المهدرة في قانون الأحوال الشخصية العراقي إلا إننا يمكن أن  نشير إلى البعض منها أملين الاهتمام بها وتعديلها في عراق المستقبل بما ينسجم مع المجتمع المدني الجديد في عراق ما بعد صدام .

ولعل من أهم النصوص التي وردت في القانون المذكور والتي تهدر حقوق المرأة هو موضوع تعدد الزوجات ( م 3 ) وحصر الطلاق بيد الزوج وكذلك النصوص المتعلقة  بأحكام النشوز , فالزواج يقوم على التراضي في العيش  والتفاهم الإنساني لا الإكراه , وكذلك أحكام ما يسمى بيت الطاعة والبيت الشرعي للمرأة التي ترفض استمرار الزوجية فالزواج يقوم على أساس حق الاختيار كما يجب تعديل المادة 25 من القانون التي تحرم الزوجة من النفقة إذا تركت بيت الزوجية بلا أذن الزوج او إذا حبست عن جريمة أو دين او إذا امتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر شرعي حيث يجب تحقيق المساواة بين الطرفين في الحقوق والواجبات .وكذلك ضرورة إلغاء المادة 26 من القانون لان القواعد الإنسانية توجب منع تعدد الزوجات .وكذلك تعديل نص المادة 27 من القانون .

وفيما يخص تحديد الحالات التي يجوز للمرأة بموجبها طلب الطلاق وحل الرابطة الزوجية , أصدرت وزارة العدل العراقية قرارا في كانون القاني من عام 2002 تؤكد فيه أن :         (  الضرب والشتم للزوجة لا يبرر لها طلب الطلاق لأنهما ليسا من الإضرار الجسيمة التي تبرر ذلك ) , و لاشك ان هذا القرار جاء منسجما تماما مع نص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 التي نصت على أسباب الإباحة ومنها ضرب الزوج للزوجة وهذه المادة لم تنص على مسألة ضرب الزوجة للزوج مما يدل على أن الأمر الأخير أن وقع يعد من جرائم الإيذاء البدني !! وتسأل الزوجة عنه قانونا .واذا كان هذا النص قد جرى تعديلة في ظل حكومة اقليم كوردستان ومنع ضرب الزوجة او ما يسمى بتاديبها ..! الا ان الضرب مازال قائما ضد الاولاد وضد التلاميذ في المدارس وهو غير جائز مطلقا لان الضرب جريمة تمس بسلامة الكيان الجسدي للبشر ولا يجوز استعماله ضد الانسان ولا ضد الحيوان فكيف يشرع للزوج ويحلل استعماله ضد الزوجه ؟ اذ ما تزال هذه النصوص باقية وتطبق الى الان في العراق حتى ما بعد تحرير العراق من الاستبداد القومي الصدامي .

ولا ننكر الدور الكبير الذي بذلتة وزارة شؤون المرأة في بغداد من جهد كبير بعد سقوط النظام لتحسين وضع المرأة وتعديل ما يمكن تعديلة من قرارات واجراءات مجحفه ضد المرأة بسبب سياسات النظام الخاطئة والاستبدادية .

 

القرار 137 لسنة 2003 خطوة الى اعادة انتاج الماضي

 

يستند قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل على قواعد اغلبها من الفقه الحنفي وهو يقوم اساسا على اضطهاد وحجب الكثير من حقوق المرأة العراقية من حيث الزواج والطلاق والنفقة وقواعد الحضانة وتعدد الزوجات  وتنظيم الاسرة وما يتعلق بها مثل مسألة الحكم بنشوز الزوجة الرافضة لمطاوعة زوجها وغيرها من القواعد التي تهين كرامة المرأة وادميتها و تجسد اولوية حقوق الذكر على الانثى بسبب عقدة التفوق للذكورة على الانوثة .

وكنا وما نزال من المطالبين بتعديل هذا القانون ووضع قانون اخر يتناسب والحياة الجديدة وقيم حقوق الانسان واحترام مكانة المرأة وحقوقها الانسانية وعدم الانتقاص منها لكونها مجرد انثى . غير اننا فوجئنا في نهاية ديسمبر بصدور قرار رقم 137 لسنة 2003 الذي صدر من مجلس الحكم والذي جاء فيه مايلي :


بسم الله الرحمن الرحيم
قرار (137)
قرر مجلس الحكم بجلسته المنعقدة بتاريخ 29 /12/2003 مايلي :
1 . تطبيق احكام الشريعة الاسلامية فيما يخص الزواج والخطبة وعقد الزواج والاهلية واثبات الزواج والمحرمات وزواج الكتابيات والحقوق الزوجية من مهر ونفقة وطلاق وتفريق شرعي او خلع والعدة والنسب والرضاعة والحضانة ونفقة الفروع والاصول والاقارب والوصية والايصاء والوقف والميراث وكافة المحاكم الشرعية (الاحوال الشخصية) وطبقا لفرائض مذهبه .
2 . إلغاء كل القوانين والقرارات والتعليمات والبيانات واحكام المواد التي تخالف الفقرة (1) من هذا القرار .
3 . يعمل به من تاريخ صدوره .


السيد عبد العزيز الحكيم
رئيس مجلس الحكم
29/12/2003

 

والسؤال الاول المطروح هنا هو : هل ان القرار من مجلس الحكم يلغي قانون ؟ نحن نعرف ان هناك تدرجا تشريعيا لابد من احترامه معروف للقانونيين المتخصصين ونستغرب من ضعف الصيغة التشريعية للقرار المذكور والاخطاء والنواقص الوارده فيه ومنها اغفال النص على تنظيم حقوق اتباع الديانات الاخرى والمحاكم المختصة وقد لاقى القرار المذكور معارضة شديدة من الرأي العام العراقي وحتى من عدد من اعضاء مجلس الحكم ومنهم الاستاذ مام جلال الطالباني وغيره من السادة حيث يبدو انه صدر بالاكثرية وان هناك تسرعا في اصداره واعترضت عليه العديد من المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الانسان حيث لم توافق على القرار المذكور داخل وخارج العراق رغم ان الحاكم المدني السابق  السفير بريمر رفض المصادقة على القرار رقم 137 .

الا انه في المحصلة النهائية ان هناك اتجاها خطيرا للعبث بالدولة والمجتمع وتحويلها الى نموذج للاستبداد الديني بينما تقضي وقائع الحياة بعد معاناة العراقيين من حكم الاستبداد القومي الصدامي- البعثي الى بناء دولة ديمقراطية تعددية تقوم على التسامح وبناء مجتمع مدني لا دخل للدين في السياسة ولا دخل للسياسة في الدين .ان الدولة والمجتمع لابد ان يقوما على احترام كل القوميات واتباع الديانات والمذاهب وعلى احترام حقوق الانسان وحرية التعبير والتفكير والرأي والاعتقاد ولا يجوز فرض دين او مذهب او قومية معينة .

 

 

   رابعا حقوق المرأة المهدرة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنه 1969

 

وردت العديد من النصوص القانونية في قانون العقوبات العراقي التي تكشف عن انتهاكات خطيرة لحقوق المرأة هذا الى جانب عشرات القرارات الصادرة من رئيس النظام المخالفة للدستور وللالتزامات الدولية ولعل أهم هذه الانتهاكات هي:

1-  عقوبة الإعدام للمرأة في قانون العقوبات وخارج نطاق القضاء حيث تجري عملية الإعدام للمرأة حسب قانون العقوبات العراقي نظرا لوجود هذه العقوبة التي طالبنا بإلغائها من القانون .كما جرت وتجري عمليات الإعدام بصورة خطيرة بدون محاكمة وتنفذ من أشخاص يطلق عليهم ( فدائيو صدام ) بوسيلة السيف حيث يقطع الرأس والجسد بكل وحشية وهو جريمة خطيرة ضد حقوق الإنسان لا يجوز السكوت عنها ويجب محاسبة الفاعلين عنها وتعويض المتضررين حسب القانون . إذ لا يجوز القيام بهذه الأعمال الهمجية مهما كانت الذرائع .هذا إلى جانب عمليات القتل و الاغتصاب والتعذيب المستمرة ضد المرأة في سجون النظام البعثي – الصدامي  مما يستوجب محاسبة المتهمين بهذه الجرائم وعدم السكوت عليها مطلقا . .

 

2-  الزنا والقتل بدافع الشرف وتفاوت الحماية القانونية بين الرجل والمرأة

تعتبر ظاهرة جريمة القتل بدافع الشرف من الجرائم الخطيرة التي تهدد حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة أولا في المجتمع المدني , الأمر الذي يوجب القيام بكل الخطوات اللازمة لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة , سواء في العراق ام في البلدان العربية ام الدول الإسلامية ويكفي الإشارة إلى ما نشرته صحيفة أخبار اليوم السويدية   Dagens   Nyheter باللغة السويدية يوم 22 كانون الثاني 2002 عن جانب من هذه المشكلة من خلال الإحصاءات المتوفرة عن هذه الجريمة , حيث تشير الى جرائم القتل بدافع الشرف على النحو التالي :

-         حوالي  25 إلى 40 جريمة قتل بدافع غسل العار تقع سنويا في الأردن

-         حوالي 400 جريمة قتل تقع على المرأة في اليمن سنويا بدافع غسيل العار

-         حوالي 300-500 جريمة قتل تتعرض لهن النساء في باكستان سنويا لذات السبب

-         حوالي 200 جريمة قتل تتعرض لهن النساء سنويا بدافع غسيل العار

-         حوالي 60 جريمة قتل تتعرض لهن النساء في إيران سنويا لذات السبب

-         حوالي 50 جريمة قتل تتعرض لهن النساء في مصر سنويا بدافع غسيل العار

-          لا توجد إحصائية دقيقة عن الوضع في العراق والبلدان الأخرى إلا أن هذه الجريمة انتشرت حتى إلى المهجر فقد حصلت جرائم متعددة في السويد وهولندا  وفي بلدان أخرى غيرها بدافع غسل العار العائلي مما يزيد من خطورة هذه الجريمة.

 

ومن المعلوم أن قانون العقوبات في العراق  جعل هناك تفاوتا في الحماية القانونية بين الرجل والمرأة في هذه الجريمة وانحاز الى جانب الرجل ووضع عقوبات قاسية جدا على المرأة وصلت إلى حد إزهاق روحها من دون عقاب على الفاعل  او بعقاب  خفيف لا يتناسب مطلقا مع الجريمة المرتكبة بحجة أن القتل وقع بباعث شريف وهو غسل العار لارتكاب المرأة الزنا حيث منح القانون هذه الحماية للرجل دون المرأة فلا يجوز مثلا للمرأة أن تتذرع بان القتل الذي حصل منها لغسل العار بسبب ارتكاب الزوج مثلا جريمة الزنا في بيت الزوجية فان ارتكبت هذه الجريمة عدت مرتكبة لجريمة القتل العمد !! بينما إذا ارتكبها الرجل ( الزوج أو أحد المحارم ) يعاقب بعقوبة قد تصل الى 6 شهور مع وقف التنفيذ للعقوبة  !! كما حصل في جريمة دهوك التي ارتكبها العم ضد ابنه شقيقه لمجرد الشك في سلوكها بانها تحب شخصا من غير ابناء العشيرة ..! . ولهذا لابد من تعديل القانون وتحديد مفهوم الشرف وعدم السماح للرجل في أن يستفيد من هذه الحماية القانونية في ارتكاب هذه الجريمة بحجة غسل العار وتبييض الشرف .

ونشير هنا إلى إن سبب القتل بدافع الشرف الموجود في الكثير من البلدان العربية والإسلامية يعود إلى أن الدين والقيم الاجتماعية من العادات والتقاليد فيها لا تسمح بإنشاء رابطة عاطفية او علاقة جنسية خارج إطار الزواج فان وجدت مثل هذه العلاقة عد هذا الأمر عارا على أسرة المرأة لان هذه العلاقة - وفقا لتلك المفاهيم - من الأعمال التي تصيب سمعة الأسرة بالأذى وعلى المرأة أن تتحمل وزر ذلك فيوقع عليها العقاب من الأقارب الذكور بدافع تبيض الشرف وغسل العار الذي جلبته المرأة . أما الذكر فلا يلحق به أي ضرر أو سمعة سيئة ( بفعل تفاوت الحماية القانونية والاجتماعية )ولكن ربما يتعرض إلى القتل من أقارب البنت أيضا بسبب فعلته المذكورة وهي إقامة العلاقة غير الشرعية معها . بل ربما يعد شخصا منتصرا من هذا الوضع لاسيما و انه لم يجلب العار إلى أسرته  و لا يوقع ليه عقاب اجتماعي من الأسرة لانه ليس مفعولا به  و إنما كان من الفاعلين.

ولعل أيضا من دوافع هذا العقاب القاسي هو دافع منع اختلاط الأنساب التي تهتم به كثرا من المجتمعات , مع العلم أن هذه المشكلة ليست حديثة و إنما تمتد الى تاريخ قديم وبخاصة منذ الشرائع القديمة التي أوقعت الجزاء على المرأة المتزوجة بعقاب قاسي اشد من معاقبة المرأة الزانية غير المتزوجة كما هو الحال في شريعة حمورابي والقانون الروماني . و إذا كان هناك ما يبرر ذلك في الماضي القديم إلا انه لم يعد أمرا مقبولا في العصر الحديث مما يوجب معالجة هذه الظاهرة بصورة تحترم حقوق المرأة بما يجسد إنسانيتها ويبرز قيمتها الإنسانية .ونشير إلى قرار رقم 59 الصادر في كردستان بخصوص هذه الجريمة غير أن القضية تحتاج إلى المزيد من الخطوات القانونية والاجتماعية الشجاعة لرفع مكانه المرأة في المجتمع .

ومن الجدير بالذكر أن نظام صدام اصدر قانونا خطيرا  كرس بموجبة القيم البدائية ومفاهيم التمييز بين الجنسين والعنف ضد المرأة العراقية منتهكا حقوقها الإنسانية حين عدل نص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 واصدر القرار رقم 111 في 28 شباط لسنة 1990 الذي  أجاز فيه قتل المرأة دون عقاب على الفاعل و جاء فيه مايلي :

(( أولا :لا يسأل جزائيا من قتل عمدا أو عمدا مع سبق الإصرار :

                        1.         أمة أو أخته أو عمته أو بنت أخيه أو بنت عمه غسلا للعار .

                        2.         من أرتكب مع إحدى المذكورات في البند  1 من هذه الفقرة الفعل المخل بالأخلاق في دار الزوجية أو دار الأهل إذا كان  قتله قد وقع بعد قتلها وكان الباعث لقتلهما واحدا .

ثانيا :إذا كان القتيل قد ارتكب مع إحدى المذكورات في البند 1 من الفقرة أولا الفعل المخل بالأخلاق في دار الزوجة عد ذلك عذرا مخففا بموجب المادتين 128 و 129 من قانون العقوبات .

ثالثا : يعاقب بالإعدام من اتخذ أحد الأعذار المنصوص عليها في هذا القرار ذريعة لتنفيذ جريمته وظهر كذب ادعاءه. ))      

 

3- إلغاء النصوص المتعلقة بتأديب الزوجة فقد جاء في المادة 41 من قانون العقوبات العراقي مايلي :لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا للحق 1- تأديب الزوج زوجته .) على أساس أن التأديب من الزوج للزوجة هو استعمال لحق مقرر قانونا للزوج فقط دون الزوجة وله أن يضربها كجزء من التأديب ويهجرها كذلك وهو ما يتنافى وحقوق الإنسان والآدمية والقيم الإنسانية .فالضرب هو سوء معاملة ولا يجوز اللجوء إلى هذه الوسيلة من أي طرف ولأي سبب كان وهو يعد جريمة يستحق الفاعل العقاب إذا ثبت ارتكابها .ونشير هنا إلى أن قانون صدام الجديد الصادر في نوفمبر 2001 في إيقاع عقوبة الإعدام ضد المرأة المشتبه في سلوكها وضد من تدير محلا للدعارة او من تسهل ذلك وهي قوانين لم نشهد لها نظيرا في القسوة في العالم.

 

خامسا تعذيب النساء وإساءة معاملتهن خلال فترة الاعتقال السابق للمحاكمة

تشير الكثير من الوثائق التي تم الحصول عليها عقب الانتفاضة الباسلة عام 1991 أن هناك سياسة خطيرة اتبعت من سلطات نظام صدام ضد النساء في كردستان وفي مناطق مختلفة من العراق وبخاصة في السجون السرية وفي أثناء التحقيق والاعتقال . فقد تبين ذلك في سجون النظام المقبور  في السليمانية وفي سجون دهوك وغيرها حيث تعرضت الكثير من النساء إلى الاغتصاب والضرب وسوء المعاملة والقتل والتعليق من الثديين بأجهزة حديدية مثبته في سقف السجون .

وعادة ما يتم ايداع النساء في سجون الأجهزة الأمنية بمعزل عن العالم الخارجي ويرغمن على الاعتراف من خلال استخدام التعذيب والعنف وسوء المعاملة أو القتل خارج إطار المحاكمة إذا كانت التهمة سياسية . أما الأشخاص الذين يقومون بالاستجواب للنساء فهم غالبا من الرجال ممن لا يحملون شهادة العلم بالقانون  وهو ما يشكل مخالفة واضحة للدستور العراقي والقوانين النافذة ولكل الالتزامات الدولية .كما لم يسمح لمنظمة العفو الدولية ولا للمنظمات النشطة في ميدان حقوق الإنسان للتثبت من مدى الالتزام بالقواعد الأساسية لحقوق الإنسان حيث لم يجر انذاك  اي  تفعيل القرار رقم 688 لحماية الحقوق من خلال إرسال فرق التفتيش لفحص واقع حقوق الإنسان في العراق .

 

سادسا - حقوق المرأة المهدرة في قانون الوظيفة العامة وقانون المعهد القضائي

           (( منع المرأة من تولي منصب القضاء مخالفة دستورية وقانونية ودولية ))

 

لابد من الاعتراف أن هناك إهدارا لحقوق المرأة في ظل نظام صدام ولابد من إعادة النظر في قوانين الخدمة المدنية والوظيفة العامة ومنها قانون المعهد القضائي بما يوفر فرص متساوية للعمل بين الرجل والمرأة ووفقا للدستور والقانون والالتزامات الدولية وضرورة تحقيق المساواة في الأجور بين المرأة والرجل حيث لا توجد مثل هذه المساواة في العراق في ظل نظام صدام الى جانب انعدام حقوق المرأة في التقاعد والضمان الاجتماعي والضمان الصحي وحرمان المرأة من فرص كثيرة في التعليم و في مختلف مجالات الحياة وهو خلل خطير وتعطيل لدور المرأة وهي نصف المجتمع .

 

كما لا يجوز حرمان المرأة من تولي بعض الوظائف مثل القضاء او المناصب العليا في الدولة مثل المناصب السيادية ومناصب القضاء العالي  وهو مخالفة خطيرة للدستور والقانون ولحقوق الإنسان ولهذا لابد من إجراء مسح شامل للقوانين التي تهدر حقوق المرأة  في ميدان الوظيفة العامة و قانون المعهد القضائي وقوانين الخدمة الأخرى . فضلا عن شيوع سياسة التمييز الطائفي والعنصري والاثني و والجغرافي والفكري والسياسي  ضد المرأة في العراق في ظل النظام المذكور .

كما اننا نستغرب من تصريحات مكتب السيد السيستاني بخصوص المرأة حين رفض سماحة السيد رفضا قاطعا ان تتولى سيدة عراقية من النجف منصب القضاء بحجة ان الشرع لا يجيز ذلك وان ظروف المدينة المحافظة لا تسمح ايضا بينما ان هناك العديد من المحاميات يترافعن امام المحاكم في مدينة النجف حيث ان المحامي هو القضاء الواقف والقاضي هو القضاء الجالس ولا يوجد اي نص لا في القرأن الكريم ولا في سنة الرسول ص تمنع المرأة من أن تتولى منصب القضاء , فالشريعة الاسلامية والفقه الاسلامي لا يمنع المرأة من ان تتولى المنصب القضائي لا سيما وان هناك قاضيات ناجحات في بغداد ومحافظات كوردستان و لا يمكن التمييز بين الجنسين في تولي مثل هذا المنصب لانه يخالف الدستور والقانون والشرع الاسلامي والاعلان العالمي لحقوق الانسان وكذلك الاتفاقيات الدولية في القضاء على كل اشكال التمييز بين الجنسين و ضرورة نبذ مفهوم التفوق لدى الجنس الآخر . بل ان ابن حزم الظاهري اجاز للمرأة ان تتولى منصب القضاء بصورة مطلقة وان الامام ابو حنيفة اجاز ذلك ايضا واستثنى الحدود والقصاص بينما منع  أغلب الشيعة الجعفرية تولي المرأة للقضاء ونحن لا نؤيد ابدا مثل هذا التمييز غير المقبول بين المرأة والرجل .

 

وهنا لابد من نشير إلى أن حكومة إقليم كردستان أصدرت سلسلة من القوانين والقرارات المهمة التي تعدل من وضع المرأة الحقوقي سواء على صعيد العمل الوظيفي للمرأة والمساواة في فرص العمل ورفع مكانه المرأة ام بالنسبة لما يسمى بجرائم غسل العار والقتل بدافع الشرف أو حماية حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة إلا انه ما يزال هناك خطوات كبيرة في هذا الميدان لابد من القيام بها وتعديل القوانين بما يحقق المساواة في الحقوق والواجبات.

كما إننا لابد من نشير إلى أن القيادة الكردية الموقرة , الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الزعيم المناضل مسعود البارزاني , وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة الأستاذ المناضل مام جلال الطالباني , تبذل جهودا قيمة وحثيثة على صعيد تحسين وضع حقوق المرأة في كردستان العراق وهما يدركان جيدا المسؤولية الوطنية والتاريخية والقانونية في هذا الميدان رغم المشكلات الكثيرة التي ما تزال تعاني منها كردستان العراق بفعل سياسة الأنظمة القمعية الضيقة الأفق ضد الشعب الكوردي والجروح التي يعاني منها من سياسة النظام الدكتاتوري .

ونعتقد أن تطوير كردستان وبناء المجتمع المدني الخاضع للقانون لا يكون إلا برفع مكانة المرأة والقضاء على كل أشكال التمييز بين الجنسين وفتح الأبواب على مصراعيها للمرأة في بناء المجتمع وبناء الأسرة .فالمرأة هي نصف الطاقة والمجتمع وهي المدرسة للأجيال وتعليمها يعني تعليم الأجيال وتحقيق النهضة والتنمية .  وعلى الرغم من تعيين أول امرأة وظيفة  قاضية في كردستان العراق جرى في كانون الثاني عام 2002 إلا إننا نعتقد أن هذه الخطوة المهمة - وان جاءت متأخرة - لكنها بدون شك خطوة رائدة وضرورية على طريق المساواة في الحقوق بين الجنسين في المجتمع ونأمل يكون للمرأة دورها الفاعل في مختلف المجالات في العراق الجديد . 

 

القسم الثالث

نماذج الانتهاكات لحقوق المرأة في العراق

 

في شهر أب من عام 2001 صدر تقرير منظمة العفو الدولية قسم شؤون الشرق الأوسط   ( الوثيقة رقم MDE 14-008-2001  ) وقد جاءت بعنوان ( العراق التعذيب المنهجي للسجناء السياسيين ) حيث جاء فيها ما يخص وضع حقوق المرأة في العراق وتحت عنوان    ( تعرض النساء لعمليات التعذيب و سوء المعاملة والإعدام خارج نطاق القضاء ) مايلي :

أن النساء في المناطق الخاضعة للسلطة المركزية تعرضن للتعذيب و سوء المعاملة والى حالات الإعدام خارج نطاق القضاء في العراق وعلى سبيل المثال تعرضت الدكتورة سعاد جهاد شمس الدين 61 عاما في عيادتها ببغداد يوم 29 حزيران 1999 إلى الاعتقال والتعذيب القاسي لمجرد الشبهة في أن لديها اتصالات مع المعارضة العراقية , كما تعرضت العديد من النساء إلى عملية الاغتصاب والاعتداء الجنسي كوسيلة للضغط على الأقارب النشطين ضد نظام صدام فقد استلم العميد الركن نجيب الصالحي شريط فيديو يوم 7 حزيران 2000 يؤكد هذه الجريمة .( ص 8 من التقرير المذكور ).

 

وفي شهر أكتوبر من عام  2000 قطعت رؤوس عشرات النساء المتهمات بممارسه الدعارة من دون أية إجراءات قضائية ( ص 8 ) كما قطعت رؤوس الرجال الذين اتهموا انهم يمارسون القوادة فقد جرت هذه العمليات بحضور ممثلين عن حزب البعث والاتحاد العام للمرأة العراقية وقد قامت مليشيات فدائيو صدام بقطع الرؤوس بالسيف أمام المنازل بطريقة بشعة وقتل العديد من الضحايا لأسباب سياسية  ( ص 8 ).

كما ذبحت الدكتورة نجاة محمد حيدر في اكتوبر من عام 2000 بحجة ممارستها للدعارة بينما كان السبب الحقيقي هو انتقادها للفساد في المؤسسات الصحية .كما قطع رأس سيدة عراقية أخرى تدعى  ( أم حيدر )بدون تهمة أو محاكمة في ديسمبر من عام 2000 وهي متزوجة ولها 3 أطفال بسبب دور زوجها السياسي المناهض للنظام والذي استطاع الفرار من البلاد ثم أخذت أجزاء الجثة في أكياس نايلون إلى مكان مجهول بينما ظل مصير الأطفال مجهولا      ( ص 9 من تقرير منظمة العفو الدولية ) .  

وليس من السهل حصر جميع الانتهاكات لحقوق المرأة السياسية و غير السياسية في العراق ذلك لان ما تعرضت له المرأة في العراق  وما تتعرض له الآن من انتهاكات كثيرة وخطيرة جدا تتنافى مع الشرائع السماوية والالتزامات الدولية والدستور والأعراف والتقاليد ونذكر مثلا ما نشرته صحف النظام عن أسماء العديد من الأدباء والكتاب العراقيين المطلوبين سياسيا الذين يواجهون حكم الإعدام ومعرضون للملاحقات ومن بينهم العديد من النساء العراقيات مثل السيدة أمل الجبوري وهدية حسين ووحيدة مقدادي والشاعرة لميعه عباس عمارة  و أنعام كجه جي وعاطفة رومايا و رفاه قاسم حسن  وغيرهن كثيرات حيث وصفن بالمرتدات  .

لقد أظهرت العديد من الأدلة انتشار ظاهرة التعذيب وسوء المعاملة والقتل للنساء في سجون نظام صدام وتبين وجود أنماط متعددة من التعذيب وانتهاكات حقوق المرأة في العراق نذكر منها مثلا  , الاغتصاب والشروع في الاغتصاب وإدخال الأدوات في جسم المرأة والتعليق من الثديين بأجهزة حديدية مثبتة في السقف والضرب بأدوات صلبة على مختلف أنحاء الجسم وقيام الحراس الذكور بإجبار المعتقلات على التعري وكشف الأجزاء الحساسة من أجسامهن  واستخدام عبارات غير أخلاقية تنطوي على جرح المشاعر والتعذيب الجسدي والنفسي وحرمان النساء من الأدوات الخاصة بالنساء وغيرها من أساليب التعذيب الوحشية بسبب انعدام الضمانات القانونية وفقدان القيم الأخلاقية لهذه الأجهزة المتمرسة بالعنف .

 

Recommendations

توصيات لحماية حقوق المرأة في عراق المستقبل

1-               ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام من القوانين العراقية ومحاسبة المسؤولين العراقيين عن الجرائم المرتكبة ضد المرأة كعقوبة الإعدام التي ينفذها ما يسمى ب ( فدائيو صدام ) بوسيلة السيف وقطع الرأس دون محاكمة ولمجرد الاتهام . 

2-                إنشاء لجنة وطنية عليا لمناهضة سياسة التمييز ضد المرأة في عراق المستقبل وهي تتبع وزارة حقوق الإنسان للقيام بتعويض النساء اللواتي تضررن من نظام صدام سواء تلك النساء اللواتي تعرضن إلى التعذيب الجسدي أو النفسي  أم إلى الاغتصاب ويكون التعويض القانوني للمتضررات أو ورثتهن إلى جانب حقهن في الرعاية ومحاسبة الفاعلين حسب القانون.

3-               احترام نصوص  الدستور وتطبيق القوانين بصورة عادلة بما يضمن المساواة بين الجنسين في العمل وعدم جواز حكر بعض الأعمال على الرجال فقط دون النساء وضرورة فتح أبواب العمل للمرأة في القضاء والشرطة والجيش والسلك الدبلوماسي وكل صنوف الأعمال الأخرى وبصورة متكافئة وقانونية ونعتقد أن الدعوات التي تنادي بعدم جواز تولي المرأة للقضاء أو بعض الأعمال الأخرى هي سياسة باطلة وغير شرعية ومخالفة للدستور والقانون .كما لا يجوز تأويل الإسلام او تفسيره بصورة بدائية لكي يخدم أغراض سياسية لجماعات دينية متطرفة تسيء إلى القيم الكبيرة في الديانات فالدين لخدمة البشر ولرفع قيمة الإنسان ولا يجوز تأويله في اتجاهات تحط من القيمة الإنسانية .  

4-               ضرورة إلغاء جميع القرارات الصادرة عن رئيس النظام أو مجلس قيادة الثورة التي تنقص من حقوق المرأة كعدم جواز السفر خارج العراق إلا مع شخص محرم فهو قرار ينقص من الأهلية القانونية للمرأة ومن كيانها القانوني وهو قرار غير دستوري ومحاسبة كل شخص لا ينفذ القرارات الصادرة من رئاسة الوزراء او السلطة التشريعية في هذا الخصوص  .

5-               إلغاء تعدد الزوجات وجعل الزواج المتعدد من الرجال و النساء جريمة وهو ما ذهب أليه القانون التونسي والتركي وقوانين اوربا وامريكا .

6-               تعويض ورثة النساء اللواتي اعدمهن نظام صدام سواء أكان الإعدام لسبب سياسي أم للأسباب غير السياسية فقد قام النظام بإعدام الآلاف من النساء لأسباب مختلفة .

7-               تعديل القوانين التي تمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات .

8-               القيام بحملة تثقيفية كبيرة في ميدان نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع وإشاعة الاحترام للمرأة كمبدأ جوهري واعتبار المعاكسة والتحرش الجنسي جريمة سواء وقعت أثناء العمل أم في الشارع واعتماد مبدأ المساواة بين الجنسين في الهوايات .

9-                وقف كل أشكال العنف ضد المرأة في المجتمع واتباع سياسة تثقيفية جديدة ترفع من مكانه المرأة في المجتمع.

10-          جعل الإكراه على الزواج في المجتمع جريمة يعاقب عليها القانون. وضمان حقوق الجنسين بالتساوي في اختيار الشريك شريطة أن يكونا بالغين سن الرشد.

11-           إلغاء جميع النصوص القانونية التي تخفف من عقوبة القتل بدافع الشرف واعتبار هذه الجريمة عادية يستحق الفاعل عند ارتكابها عقابا كاملا وغير مخفف.

12-          ضمان الحقوق التقاعد وإيجاد حقوق الضمان الكاملة للشيخوخة والمرض للمرأة في سن 60 أو قبلها وفقا للظروف وتامين مستوى معيشي للمرأة بما يتفق وقواعد حقوق الإنسان ..

13-          تحقيق المساواة الدستورية والقانونية بين المرأة والرجل في الحقوق ومنها الحق في تولي الوظائف والمناصب مثل الحق في تولي منصب القضاء .

 

 

References

1-               انظر علي الشوك المرأة وأحوالها الشخصية في المجتمعات القديمة مجلة أبواب بيروت 1996 ص 43 44

2-                انظر نصوص شريعة حمورابي الترجمة العربية القسم الخاص بالأسرة

3-               قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنه 1969 المعدل

4-               اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز  ضد المرأة ( سيدوا  CEDAW   ) 

5-                انظر تفصيل ذلك :الدكتور عبد الكريم علوان موقف القانون الدولي المعاصر من حقوق الإنسان و مساواتها بالرجل بحث غير منشور ص 3 وانظر الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948

6-                للمزيد من التفاصيل راجع بحث الدكتور عبد الكريم علوان  ص 10

7-                انظر نصوص الدستور العراقي المؤقت لعام 1970

8-                انظر القرار رقم 111 الصادر من مجلس قيادة الثورة يوم 28 شباط 1990 حول تكريس وتشجيع القتل بدافع غسل العار .

9-               انظر القرار رقم 59 الصادر في إقليم كردستان بتوقيع السيد جلال الطالباني حول جريمة القتل بدافع الشرف في منطقة كردستان

 

 

 

    --------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

Munther Al Fadhal, PhD of Law

Expert of Middle East Laws

International Legal Consultant – Stockholm

Visiting Professor of Law- College of Law - ICIS-London

Visiting Professor of Law- College of Law – Kurdistan

Member of Faculty of CEELI Institute-Prague

Adviser of the Prime Minister – KRG

Member of Iraqi National Assembly- Baghdad

Advisor of the Iraqi Democracy Information Center - Was.DC

 

alfadhal@hotmail.com

www.alfadhal.net

 

 

 

HOME