تركيا ليست جديرة بالانضمام الى الاتحاد الاوربي

ما لم تعترف بالشعب الكردي وكيانه وحقوقه القومية

فائق جميل المحامي

 

  في الاشهر الاولى من تسنم رجب طيب اوردكان الحكم في الجمهورية التركية بعد فوز حزبه بمعظم المقاعدالبرلمانية في البلاد في الشهر تشرين الثاني عام 2002 باشر ووزير خارجيته عبدالله كول بالقيام بعدد من الزيارات الرسمية المتلاجقة الى الدول العربية والاسلامية كان يبدو القصد منهاالاعراب عن النوايا الحسنة لحكومته المنتخبة حديثا تجاه تلك الدول والتاكيد لما تنشده حكومته من الرغبة في تطوير علاقاتها معها نحو الافضل موحيا با ن حكومته تختلف عن معظم سابقاتها في هذا المجال بكون الحزب الحاكم يتصف بالطابع الاسلامي في دولة مسلمة علمانية النظام وتفعيلا لبعض جوانب  تلك التطلعات فقد بادر عبدالله كول باطلاق عدد من التصريحات انطوت على انتقادات لاذعةلاسرائيل ورئيس وزرائها شارون كما كانت تتضمن بعض مواقف التاييد للقضية الفلسطينية وفي هذا السياق نفسه فقد اولت حكومته مسألة علاقات تركيا بالجمهرية العربية السورية بكثير من الاهتمام  وذلك بسعيها لحل المشاكل العالقة بين الدولتين الجارتين  على اكثر من صعيد ومعظمها كان موروثا  وقد توجت تلك المساعي  بزيارة بشار الاسد الرسمية لتركيا تلك الزيارة التي وصفها الاعلام التركي من ضمن امور اخرى—بانها جاءت اعترافا من الدولة السورية بحدود  تركيا الدولية اي بمعنى اخر فان سوريا قد تخلت عن مطالبتها بلواء الاسكندرونة – اللواء المغتصب—كما تسميه النخبة العربية القومية , خاصة  لم تكن مسألة هذا اللواء مندرجة ضمن جدول المباحثات الثنائية في اية مرحلة من مراحلهاومنها الزيارة التي نحن بصددها هذا في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة ولا تزال تمارس ضغوطا سياسية واقتصادية شديدة على دمشق من جراء تحميلها مسؤولية جوانب من تفاقم الوضع الامني المتأزم في العراق واحتضانها للمنظمات العربية المتطرفة وفي هذا السياق  كان اصدار القرار 1559 من مجلس الامن بالزام سوريا بسحب قواتها من الاراضي اللبنانية والتخلي عن دعم المجموعات الارهابية هناك كان اخر

المطاف في هذه المرحلة من جهة اخرى وجدنا ان حكومة اوردكان قد خطت خطوات جادة نحو التقارب الاوثق من الدول الاوربية ان كانت فرادى اوكمجموعة الاتحاد الاوربي هذا التقارب الذي يأخذ الجانب الاقتصادي والسيياسي منه الثقل الاكبر كما يشمل مجمل علاقات دولته باوربا التي تعود الى ما قبل الحرب العالمية الاولى عام 914/918  بعقود عديدة خاصة بالنسبة الى المانيا وفرنسا وكان التوقيع

 على ما سمي ب--وثيقة بروكسل—من قبل حكومة اوردكان والمفوضية العليا للاتحاد الاوربي – بخصوص التمهيد الاولي لانضمام تركيا الى الاتحاد في غضون  الشهرين الاخيرين  تتويجا لما بذلته الحكومة التركية في هذا المجال . 

من الملاحظ ان حكومة اوردكان ومنذ اللحظة التي تولت الحكم حرصت على ان تبدو مستقلة في رسم سياساتها الخارجية ونهجها في علاقاتها الدولية خاصة بالنسبة الى قضايامنطقة الشرق الاوسط , وقد تكون الجهود المبذولة نحو تطوير علاقاتها مع العالم العربي والاسلامي وابداء تعاطفها مع القضية الفلسطينية على حساب علاقاتها المتنامية مع دولة اسرائيل  والوصول الى حل مشاكلها المتراكمة مع جارتها سورياوتنمية العلاقات الجارية  بينهما على عدة المستويات وكذلك بالنسبة الى الجانب الاوربي مؤشرات واضحة في هذا الاتجاه الذي تجسد  وتجلت معالمه في الموقف المعارض الذي اتخذته الحكومة التركية بخصوص قيام  الحرب على العراق من قبل امريكا وحليفاتها بغرض اسقاط نظام صدام حسين والذي ترجم عمليا على ارض الواقع عندما رفضت حكومة اوردكان مرور القوات المسلحة الامريكية عبر اراضيها واجوائها وصولا الى العراق .

   ان تظاهر حكومة اوردكان بالاستقلالية في رسم سياساتها الخارجية التي قد تبدوللبعض من خلالها وكأنها تنأ ى بنفسها عن امريكا وسياساتها واستراتيجتها في المنطقة وكذلك  توافق موقفها المعارض  من الحرب على العراق مع بعض  من الدول الاوربية منها الدولتان المؤثرتان في الاتحادالاوربي وهما المانيا وفرنسا لا يستند على الحقائق الثابتة اذ ان تركيا لايمكنها ان تتجاهل استراتيجية امريكا وسياساتها خاصة فيما يخص قضايا منطقة الشرق الاوسط كما ان  اقتصادياتها وراسمالها الاستثمارية ومشاريعها التنموية ومصالحها بشكل عام ترتبط ارتباطا وثيقا بالراسمالية الامريكية وامكاناتها الاقتصادية والعلمية الضخمة لا يمكن ان تنفصم بالاضافة الى انها  تشكل  الجناح الشرقي لمنظمة الحلف الاطلسي التي تتزعمها الولايات المتحدة ولها على اراضيها عدة القواعد العسكرية منها القاعدة – انجرلينك – الجوية الهامة .فالادعاء او التظاهر باستقلالية قراراتها بعيدا عن استراتيجيات امريكا واجندتها السياسية ومصالحها لا يقصد منه الا الابتزاز الاقتصادي والسياسي الذي دأب يمارسه معظم الحكومات التركية المتعاقبة تجاه امريكا ولعل اقرب مثل على ذلك هوالاعلان عن تراجع حكومة اوردكان عن موقفها السابق وذلك بالسماح  للتجهيزات والاليات والمعدات الامريكية العسكرية بالمرور عبر اراضي تركيا الى شمال العراق – كما قيل—في ( نقاط محدودة وفق شروط معينة )  عشية اندلاع الحرب على العراق ومن الواضح فان هذا الاجراء لم يتم الا لقاء ثمن .     .

 من اهداف تركيا في هذا الاطار هو  تحقيق ما يمكن تحقيقه من مشروع انضمامها الى  الاتحاد الاوربي اجلا او عاجلا حيث يحقق نجاح  المشروع -- او التمهيد لانجاحه على المدى البعيد -- مزيدا من فرص التنمية في المجالات الواسعة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسة مما يجعل هذا الانضام ان يكون انجازا كبيرا حققته حكومته  الحالية والذي فشلت في تحقيق ادنى حد منه جميع الجكومات المتعاقبة السابقة وكما قد يتيح للحزب الحاكم فرصة جديدة بالفوز بالولاية الثانية  خاصة بعد ان فقد الكثير من رصيده الشعبي بعد ان فشلت حكومة اوردكان  في تحقيق ادنى حد من وعوده الانتخابية التي كان قد قطعها على نفسه لقواعده الانتخابية فيما يخص رفع المستوى المعيشي للطبقات الاجتماعية الفقيرة والكادحة وحل مشكلة البطالةالمتفشية في البلاد والقضاء على الفساد الاداري والاقتصادي  بالاضافة الى  تشريع عدة القواعد القانونية ذات العلاقة  بالمجتمع المدني لم يحظ بالترحاب لدى المجتمع الاسلامي في البلاد .        

     ان كان اوردكان قد نجح في فتح نافذة صغيرة بعد عدد من الزبارات من قبل اوردكان نفسه ووزير خارجيته  للدول الاوربية ومقر الاتحاد الاوربي وذلك  بالتوقيع  على وثيقة بروكسل التي حددت الشهر تشرين الثاني من العام الجاري موعدا لاجراء المباحثات الثنائية بخصوص انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي  فان ذلك لم يكن بامر سهل حيث ان عدة الدول الاوربية من الاتحاد  تعارض هذا المشروع  من عدة الوجوه منها ان تركيا ليست دولة اوربية كما انها مسلمة اكثر من الثمانين بالمأتة من سكانها هم من المسلمين تختلف ثقافاتهم وتقاليدهم وتاريهم وتراثهم عن المجتمعات الاوربية المسيحية كما ان سجلها لحقوق الانسان يحتاج الى كثير من الاصلاح وكذلك جوانب عديدة من الادارة والحكم وحقوق المواطنين من غير الاتراك خاصة الكرد منهم كما ان عددا من دول الاتحاد لايرى انه من مصلحة الاتحاد مزيدا من التوسع بعد ان انضمت اليه في السنوات القليلة الماضية عدة دول كانت محسوبة لكتلة الاتحاد السوفيتي السابق كما ان ذلك قد يسبب  الخروج من اهداف ومقومات الاتحاد وعرقلة نشاطاته الاقتصادية والسياسية وقد يعرضه   لكثير من المشاكل والازمات وهو في غنى عنها ..ومن جانب اخر يلاحظ بان الوثيقة لم تكشف عن محتوياتها والشروط التي على تركيا ان تلبيها قبل المباشرة باية مباحثات ثنائية بصدد الموضوع –{على عكس ما كان يجري بهذا الصدد اثناء مساعي الحكومات السابقة في هذا المجال التي كان في جانب منها  تصطدم بما يتعلق بالشعب الكردي وان كان ذلك بصورة غير المباشرة }--الا ما يتعلق بالمسألة القبرصية من حيث الزامها بالاعتراف بها الذي تمتنع عنه وحدها في العالم  كدولة مستقلة ضمن  مشروع الامين العام لمنظمة الامم المتحدة كوفي عنان الذي يهدف الى توحيد الجزيرة على اساس الفيدرالي او الكونفدرالي . هذا مع ان الاعتقاد السائد هو ان  موضوع انضمام تركيا الى الاتحاد يستغرق ما لا يقل عن عشرة السنوات في حالة نجاحه بالرغم من ذلك  فان الكرد يتامل الا تتجاهله دول الاتحاد في المباحثات الثنائية المرتقبة وان تجعل اعتراف الدولة التركية بهذالشعب و بكيانه وحقوقه  وهويته القومية  المقيم على ارضه كردستان الشمالية  منذ القرون والتي الحقت بتركيا منذ تاسيسها عام 925 بزعامة مصطفى كمال قوامهم لا يقل عن عشرين مليون نسمة  شرطا اساسيا لضمان انضمامها الى الاتحاد اذ ليس من العدل والمنطق ان تحظى تركيا بهذا المستوى الرفيع على الصعيد الدولي والسياسي و  تصبح تركيا في مصافي دول الاتحاد التي توصف بانها تمثل قمة الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسا ن في العالم دون ذلك . ان الطغمة الحاكمة التركية لم تزل  تمنع عن ابناء الشعب الكردي لغتهم وتراثهم وتاريخهم و وصلت بها العنصرية الى حد تسميتهم –باتراك الجبال – واعتبار المواطن من الاصل التركي مواطنا من الدرجة الاولى ان كان داخل البلاد او خارجها ضمن بودقة عنصرية تسميها بالجامعة الطورانية ، من المفروض في هذا الاطار الا  تنطلي علي دول الاتحاد لعبة بعض الساعات من البث يتم  خلالها  نشر الاعلام التركي بالغة الكردية او اطلاق سراح بعض المناضلين من ابناء الكرد من سجونها مثل المناضلة ليلى زانا ورفاقها واتخاذها لبعض الاجراءات التشريعية بما يتعلق بالمجتمع المدني وذلك تحت وطأة ضغط دول الاتحاد لتحسين صورتها امام الراي العام العالمي والاوربي منه على الاخص ويبدو بانها جاءت للتمهيد على التوقيع على وثيقة بروكسل .

 هل من العدل والمنطق ان يمنح هذا الامتياز الى الدولة التركية وهي تلاحق الشعب الكردي في عقرداره خارج تركيا ولم يزل الحبر الذي كتبت به  وثيقة بروكسل نديا – كما يقول المثل— في مذكرة من عبدالله كول وزير خارجية تركيا بتاريخ 20 من الشهر المنصرم - - جينوري عام  2005  الموجهة الىالامم المتحدة حذر  مما سماه - - تغيير التركيبة السكانية لمدينة كركوك  واعتبر اعادة عشرات الالاف من المهجرين الاكراد منها من قبل النظام السابق الى موطنهم وسكناهم في كركوك عملا غير مشروع ...!!  يبدو كان عملا مشروعا لدى كول ما قام به صدام بتهجيرهم من موطنهم وسكناهم من كركوك والمدن والقصبات والقرى التابعة لها  ولم يؤد هذا التهجير القسري لتلك الاعداد الهائلة من الكرد واحلال العرب مكانهم تغيرا للتركيبة السكانية انذاك  حسب منطق كول  ...!!  ويقول   من جانب اخر من مذكرته -- بان حكومته قلقة من  الجهود التي تبذل من اجل تحويل الانتخابات على الاستفتاء على الاستقلال لما يسميه بشمال العراق -- ويضيف بان الذين يحرضون الى هذه النتيجة يرتكبون خطا فادحا في التقيم -- وهو ما يتضمن تهديدا واضحا للكرد في كردستان العراق . وقد اضاف رئيس الوزراء على وزيرخارجيته بتهديدات اشد واكثر صراحة حيث قال في السابع والعشرين من الشهر نفسه --  بان الولايات المتحدة ستتحمل عواقب اية اضطرابات عرقية في كركوك اذا فشلت في الحيلولة دون وقوع المدينة الغنية بالنفط شمال العراق تحت سيطرة الاكراد -- وهذا ما يشير الى استعداد حكومته لاشعال الفتنة داخل البلاد للحيلولة دون ذلك  و كأن الاكراد يقيمون في بلد غير بلادهم مثلا في انقرة او اسطنبول ,  ويسترسل في تهديداته للعراقيين  بالقول -- بان اية خطوة خاطئة في كركوك سيكون لها تاثير سلبي على السلام في العراق في المستقبل..... !!   وان اية تشكيلة عرقية غير مرغوب بها --اي ان لم تكن مرغوبة لدى الطغمة الحاكمة التركية  -- تعد خطا فان تجاهلوه   فانهم سيدفعون الثمن في المستقبل ... !!  واخيرا لنا ان نتساءل هل بهذه العقلية الشوفينية المتغطرسة العدائية  تنضم تركيا الى الاتحاد الاوربي ...!!؟   .  

                                                                    استراليا

   بداية الشهر شباط /فيبروري

                           2005      

 

HOME