كردي رئيسا للعراق .. لم لا ؟

   

نــــــــــــــــــزار حيدر في حوار صحفي عن نتائج الانتخابات ، ومستقبل العراق ، والدستور الدائم

 

انتهت الانتخابات العامة في العراق ، وبدا العراقيون ، ومعهم العالم ، يتساءل عن هوية الحكومة الانتقالية القادمة ، ومصير الذين لم يشتركوا في الانتخابات ، لسبب أو لآخر ، وعن ملامح الدستور الذي ستصوغ مسودته الجمعية الوطنية المنتخبة ، وعن المحاصصة ، وغير ذلك .

الزميل الأستاذ عباس المالكي الكاتب والمحرر اللامع في مجلة النبأ الدراساتية  البغدادية ، وشبكة النبأ الالكترونية للمعلومات ، أجرى الحوار التالي مع نــــــــــــزار حيدر ، مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن .

أدناه نص الحوار :

 

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

 

السؤال الأول:

بعض العراقيين يطالبون بالفيدرالية ، أسوة بما موجود في كردستان العراق ، ويرى هذا البعض ، أن الفيدرالية ضمانة أكيدة ضد الاستبداد والديكتاتورية ، بينما يرى آخرون أنها بداية لتقسيم العراق .

كيف تقيمون النظريتين ؟ .

 

الجواب:

أولا ، فان الفيدرالية هي ، في جوهرها ، مشروع وحدة وليس مشروع تقسيم .

ثانيا ، فان من يطالب بالفيدرالية في الجنوب مثلا أو في الفرات الأوسط ، أو في أي جزء آخر من أجزاء العراق ، على غرار ما هو موجود في الشمال ، فإنما يسعى لتطبيق بند من بنود قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت ، الذي أعطى الحق لأية ثلاث محافظات عراقية أو أكثر ــ باستثناء العاصمة بغداد ومحافظة التأميم (كركوك) ــ بتشكيل فيدرالية فيما بينها ، وكما نعرف فان القانون المذكور كان قد صدر بإجماع من توافق عليه ، وهم جميع أعضاء مجلس الحكم الانتقالي المنحل ، وهذا يعني انه كان قد حصل على نسبة كبيرة من التوافق بين مكونات المجتمع العراقي بمن فيهم السنة العرب الذين مثلوا في مجلس الحكم بخمسة أعضاء .

إن تجربة السلطة في العراق ، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن الماضي ولحد الآن ، علمت العراقيين بان النظام السياسي المركزي لا ينفع في حكم بلد كالعراق المتعدد الاثنيات والأديان والمذاهب ، بل وحتى الجغرافيا ، لأنه يساعد على تمركز السلطة بيد الأقلية ، مهما كان نوعها وانتماؤها ، ولذلك ، اتفق العراقيون منذ أن كانوا في المعارضة أيام سلطة النظام الشمولي البائد ، على أن يكون النظام السياسي الجديد في عراق ما بعد الطاغية ، لا مركزيا ، تتقسم فيه السلطات ، ويكون للأطراف ــ إن صح التعبير ــ دور في إدارة الحكم إلى جانب المركز ، فان مثل هذا النوع من الأنظمة الإدارية ، يحول دون تمركز السلطة بيد الحاكم ، كما انه يفسح المجال بصورة اكبر وبشكل حقيقي للمواطنين في إدارة محافظاتهم ومدنهم واقضيتهم ، وبذلك يتم نسف البنى التحتية لنمو ظاهرة الانقلابات العسكرية (السرقات المسلحة) التي ابتلي بها العراق منذ أكثر من سبعين عاما تقريبا ، كما انه سيحول دون تنامي ظاهرة الديكتاتور والنظام الاستبدادي .

لكل ذلك ، فانا اعتقد بان أفضل صيغة إدارية للعراق الجديد هو النظام الفيدرالي ، وان الخلاف بين العراقيين اليوم هو ليس على اصل هذا النوع من النظام وإنما على نوعيته وتفاصيله ، فبينما يرى قسم منهم بان الفيدرالية الجغرافية هي الأفضل للعراق ، يرى آخرون بان الفيدرالية الاثنية هي الأسلم له ، وكلي أمل وثقة ويقين بان العراقيين سيصلون في نهاية المطاف إلى الاتفاق على الصيغة الامثل والأفضل ، على العكس مما يتمناه المتربصون بالعراق الذين يراهنون على خلاف العراقيين واختلافهم في هذا الموضوع الاستراتيجي وأمثاله ، ما يحقق أمانيهم في إفشال تجربة العراقيين الجديدة .

الفيدرالية إذن ، مشروع وحدة وليس مشروع تفتت أبدا ، ويدل على ذلك ، كل تجارب دول العالم الفيدرالية ، وان من يتحدث عن مخاطر تقسيم العراق ، إنما يدلل على جهله بواقع العراق الاجتماعي والسياسي والجغرافي ، وان من يدلل على طموحات الكرد في الانفصال ، إنما يسعى للتصيد بالماء العكر ، فكلنا نعرف جيدا الفارق الكبير بين الواقع والطموح ، ولطالما ميز قادة الكرد وزعماءهم بين الواقع المعاش والطموح الذي يتطلعون إليه ، وان طموح الإنسان لأمر ما لا يغير من الواقع شيئا ،

إذ لكل امرئ طموح ، ليس بالضرورة أن ينسجم مع الواقع .

إن من يحاكم العراقيين على نواياهم ، ولا يحاكم الآخرين على أفعالهم ، إنما هو يريد الشر بالعراق والعراقيين ، وأنا شخصيا اعتقد ، بان من يرفض النظام اللامركزي للعراق الجديد ، إنما يتربص بالعراق الدوائر لينزو على السلطة في بغداد من جديد ، أو انه يدفع باتجاه التقسيم الفرضي ، لأنه لا الكرد ولا غيرهم يقبلون بان تعود عقارب الزمن في العراق إلى الوراء ، فتعود الأقلية تتحكم بمصير الأغلبية المطلقة ، من خلال سرقة السلطة في خلسة من الليل والناس نيام ، وبالاستعانة بدبابة وعدد من الرشاشات وزمرة من الرفاق .

وان اللامركزية ، هي صمام الأمان الذي سيحمي العراقيين من مخاطر تجارب الماضي .

السؤال الثاني:

كيف تقرؤون المستقبل السياسي للعراق في ضوء المشاركة الكبيرة للعراقيين في الانتخابات ، وغياب بعض الأوساط عنها ؟ .

بعبارة أخرى ، هل تتوقعون بروز تحالفات سياسية بين الكيانات التي شجعت العملية السياسية وشاركت فيها ، في مقابل تحالفات أخرى للكيانات التي وقفت بالضد منها ؟ .

وهل الديمقراطية يمكن أن تتحقق مع التوافق والمحاصصة ؟ .

 

الجواب:

بحمد الله تعالى ، فلقد وفق العراقيون لتسجيل اكبر ملحمة انتخابية في التاريخ الحديث ، ليقولوا رأيهم ويدلوا بصوتهم لمن رأوه أهلا لتحمل المسؤولية التاريخية في هذا الظرف الحساس والعصيب الذي يمر به العراق اليوم .

لقد أسست الانتخابات لضرورتين هامتين ، هما عمادا أي نظام ديمقراطي في هذا العالم ؛

الأولى ، هو مبدأ العودة إلى صندوق الاقتراع ، لتحديد كل أمر يخص الشعب ، ما يعني إطلاق سراح إرادة المواطن العراقي التي ظلت سجينة أكثر من نصف قرن من الزمن .

الثانية ، هي حضور المواطن العراقي في الساحة ، بعد أن غيب عنها لعقود طويلة .

إن المشاركة الشعبية في الشأن العام ، سيحيي مبدأ المساءلة والمراقبة للمسؤول بابهى صورها ، فلم تعد الأمور تدبر بليل بعد الآن ، ولم يعد للدبابة دور في تحديد هوية الحاكم الذي يعتلي كرسي الحكم في العراق الجديد ، ولم يعد للغة التآمر والقتل والتصفيات الجسدية والسحل في الشوارع والتهديد بالقوة والثأر دور في رسم معالم النظام السياسي في العراق الجديد .

أما الذين تخلفوا عن المسيرة والقواعد منهم عن المشاركة في العملية السياسية الجديدة ، فان من حقهم أن يشكلوا قوة معارضة في الشارع العراقي لإقناعه بمشروعهم الذي يرونه الأنسب إلى العراق ، شريطة أن لا يتورطوا بالعنف والإرهاب والقتل ، فاللغة الحميدة المطلوبة للحوار والتفاهم بين مختلف شرائح المجتمع العراقي وقواه السياسية ، هو المنطق وليس لغة الرصاصة .

إن من المنتظر أن نشهد تحالفات جديدة ليس في صفوف الفائزين في الانتخابات فقط ، وإنما حتى بين من فاز فيها وبين من لم يشترك فيها لأي سبب كان ، إذ ليس كل من لم يدلي بصوته في هذه الانتخابات ، هو ضدها وضد العملية السياسية أو حتى ضد الديمقراطية ، أبدا ، فان كثيرا منهم ، وهم الأغلبية ، اجبروا على مقاطعتها ، أو منعوا من الوصول إلى صندوق الاقتراع  بطريقة أو بأخرى ، ولذلك فإنني شخصيا بانتظار أن نشهد تحالفات سياسية من نوع جديد ستجمع بين أمثال هؤلاء وبين

الفائزين في الانتخابات .

أبدا ، فان الديمقراطية لا يمكن أن تبنى بالتوافق والمحاصصات ، لانهما ضدان متناقضان ، فبينما تعني الديمقراطية ، حكم الأغلبية التي يفرزها صندوق الاقتراع ، تعني المحاصصة والتوافق ، اتفاق الأطراف على تقاسم الأدوار بالتساوي ، بغض النظر عن نتائج صناديق الاقتراع ، وهذا يعني أن التوافق هو محاولة لإفراغ نتائج أية انتخابات من محتواها الحقيقي ، وإذا كان العراق اليوم بحاجة إلى بعض التوافق ، بسبب الظروف الحرجة والصعبة التي يمر بها ، فهذا لا يعني أنها ستكون هي

القانون الأعلى الذي سيحكم العراق الجديد طيلة تاريخه المنظور .

حتى الذين يطالبون اليوم بالعمل بقانون التوافق ، سيرفضونه ويركلونه بأقدامهم إذا ما فازوا بالنسبة المطلقة في أية انتخابات عامة قادمة ، لأن مساواة الفائز والخاسر فيها ، هو ظلم كبير لا يقبله أي عاقل ، كما انه استخفاف مشين بأصوات المواطنين وأرائهم ، ونسف من القواعد للعبة الديمقراطية ، وإذا كان العراقيون يريدون الاستمرار في تحكيم مبدأ التوافق ، فلماذا إذن تحدوا الموت للوصول إلى صناديق الاقتراع ؟ إلا أن يريدوا أن يكتشفوا الحجوم الطبيعية لمختلف الفرقاء والمتنافسين ، أليس كذلك ؟ .

وإذا كانت الظروف المعقدة الحالية هي التي تحتم على العراقيين توظيف مبدأ المحاصصة والتوافق إلى حين عبور هذه المرحلة ، فان من الجريمة بمكان أن يدون هذا المبدأ في الدستور الدائم ليتحول إلى نص قانوني ، لأنه ، وبصراحة ، سيؤسس ، والحال هذه ، إلى اثنية وطائفية ، العراق والعراقيون في غنى عنها ، لأنها ستنسف كل الجهود المبذولة من اجل بناء عراق ديمقراطي ، من القواعد ، ولا اعتقد بان تجارب الشعوب الأخرى التي ابتليت بمثل هذه المحاصصة يحسد عليها أصحابها ، ليقتبس منها العراقيون لتجربتهم الجديدة .

السؤال الثالث:

هل تتوقعون أن تتوصل الأحزاب السياسية داخل الجمعية الوطنية ، إلى صياغة دستور لا يسقطه ثلثا ثلاث محافظات ، كما نص على ذلك ، قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ؟ .

 

الجواب:

بكل تأكيد ، فمسودة الدستور سوف لن ترى النور قبل أن يتوافق على بنوده الأساسية ممثلي شرائح المجتمع العراقي ، سواء أولئك الذين مثلوا في البرلمان الجديد أم لم يمثلوا بشكل مباشر ، لان الجميع متفقون على أن الدستور المزمع صياغته للعراق الجديد ، يجب أن يكون وثيقة العقد الاجتماعي الأساسية التي ستجمع العراقيين وتوحد صفوفهم وتصون وحدة العراق وثرواته وخيراته من العبث والسرقة ، فهي الوثيقة الأهم بالنسبة إلى أي شعب من الشعوب المتحضرة التي تنشد السلام والوحدة والتنمية والتقدم والرفاهية ، وهذا ما صمم على تحقيقه العراقيون ، بالفعل وليس بالقول واللفظ فقط ، وما يدل على ذلك ، سيرتهم خلال العامين الماضيين ، فبالرغم من كل التحديات الخطيرة التي واجهها العراقيون ، وعلى رأسها تحدي العنف والإرهاب الذي كاد أن يشعل نار حرب طائفية تارة ، واثنية أخرى ، إلا أنهم عظوا على الجراح متحملين كل شئ من اجل وحدتهم وتماسكهم ، وها نحن نراهم يسيرون إلى الأمام بخطا ثابتة وواثقة ، وهم يبنون نظامهم السياسي الجديد ، ومؤسساته الدستورية .

السؤال الرابع:

كيف يمكن للجمعية الوطنية أن تكتب دستورا حقيقيا يضمن وجود ديمقراطية تعددية ، وليس مجرد دستور شكلي ، قد يسقطه أي انقلاب عسكري ؟ .

 

الجواب:

بشان الدستور ، هنالك مسألتين ؛

الأولى ، ما يتعلق بالدستور كنص ، ووثيقة عقد اجتماعي .

بهذا الصدد يجب أن يحتوي الدستور على كل ما من شانه أن يضمن الحقوق الأساسية للمواطن العراقي ، وعلى رأس ذلك ، الحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص .

كما يجب أن يتضمن الدستور على  كل ما من شانه أن يصون قيم الشعب ومبادئه ودينه وأخلاقياته ، ليشعر المواطن بأنه ، بالفعل ، وثيقة قانونية صالحة لضمان حاضره ومستقبله ومستقبل أجياله .

الثانية ، ما يتعلق بالصيغ الكفيلة بصيانة هذا الدستور من عبث العابثين وسرقة الانقلابيين .

وإذا كانت المسالة الأولى سهلة المرام ، لأنها مجرد صياغات قانونية من السهل على الجمعية الوطنية الجديدة وجيش من القضاة والمحامين والأخصائيين وفقهاء القانون ، صياغتها بأحسن الجمل وأجمل العبارات ، فان العبرة بالمسالة الثانية التي ستكون محط الاختبار الحقيقي لقدرة العراقيين على حراسة دستورهم وصيانة هذا العقد الاجتماعي المقدس الذي بذلوا من اجل صياغته والاتفاق عليه حتى الآن ، انهارا من الدماء والتضحيات السخية .

إن الدول المتحضرة تبذل جهدا كبيرا لصياغة مواد دساتيرها ، ولكن في فترات زمنية محددة ، إلا أنها تبذل جهودا مضاعفة وجبارة وفي كل وقت من دون استثناء ، من اجل صيانة دساتيرها ، فإذا كانت صياغة الدستور تأخذ يوما أو بعض يوم ، فان حراسته تأخذ الدهر كله ، والعبرة ليست في صياغته ، وإنما في حراسته ، وهذا هو مربط الفرس .

وبقراءة سريعة لواقع البلاد العربية ، مثلا ، ترينا كم هي جميلة دساتيرها ، وكم هي رائعة ألفاظها وعباراتها القانونية التي رصت في موادها رصا بليغا يسحر القلوب وتطرب له الآذان ، إلا أن واقع الحال (الدستوري) الذي تعيشه هذه البلاد ليس فيه حتى رائحة من نصوص دساتيرها ، بل أن جل الأنظمة الحاكمة ، هي من خرقت الدستور وسحقت مواده تحت عربات الدبابات التي استولت بها على السلطة والحكم في البلاد .

اعتقد ، أن العراقيين بحاجة إلى أن يفكروا مرة لصياغة وتدوين الدستور الدائم للبلاد ، إلا أنهم بحاجة إلى التفكير مليون مرة لحراسته .

وإذا كانت مهمة الجمعية الوطنية ، هي صياغة مسودة الدستور لعرضه على العراقيين يوم الاستفتاء العام للتصويت عليه ، فان مهمة حراسة الدستور هي واجب كل مواطن عراقي ، حريص على حاضره وعلى مستقبل الأجيال القادمة ، وحريص على بلاده .

إن حراسة الدستور مهمة شاقة تقع على عاتق أكثر من طرف ، كمؤسسات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية والأحزاب الحرة والمستقلة وجيش المحامين والمثقفين ومنظمات حقوق الإنسان والإعلام الحر والسلطة القضائية المستقلة والبرلمان القوي ، وغير ذلك ، ويخطئ من يتصور بان حراسة الدستور تقع على عاتق القوات المسلحة والجيش أو الحكومة ، بل على العكس من ذلك ، فان أعظم خطر على الدستور يكمن في مثل هذه المؤسسات ، لأنها المستفيدة الأكبر من تجاوزه أو إلغاءه أو تعديله ، لأنها صاحبة المصلحة المباشرة في تقنين استحكام قبضتها على السلطة والبلاد .

بل العكس هو الصحيح ، إذ يلزم أن يتضمن الدستور الجديد مادة واضحة وصريحة تتحدث عن تحريم وتجريم تدخل الجيش وكل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ، في العملية السياسية ، إذ يلزم أن تكون فوق الانتماءات والولاءات ، وتبتعد عن العمل السياسي ، فالتجارب المرة علمتنا كيف أن القوات المسلحة هي أبدا ذراع اللصوص الذين يسرقون الحكم من ممثلي الشعب الحقيقيين .  

على العراقيين أن يتعلموا من تجربة الأشهر القليلة الماضية ، فلا يكفي أن يكون وزير القوات المسلحة مدنيا ، بل يجب أن يبتعد عن السياسة ، والا ، فليس من الصعب على الوزير المدني أن يتآمر مع العسكريين ، حال ما يشعر بزهو القوة ، لسرقة السلطة والبلاد من نواب الشعب المنتخبين ، كما سعى إلى ذلك الوزير المنتهية ولايته ، لولا أن ظروف البلاد الحالية لا تسمح له ولأمثاله بمثل ذلك .

السؤال الخامس:

يجري الحديث حاليا عن احتمال تولي كرديا لمنصب رئاسة الدولة العراقية  في المرحلة الانتقالية الجديدة ، والتي تمتد إلى نهاية العام الحالي ، موعد إجراء أول انتخابات دستورية عامة .

ما هو رأيكم في مثل هذا المشروع ؟ وهل انه يشكل بالفعل خطرا على هوية العراق ، كما يروج إلى ذلك بعض العرب هنا وهناك ؟ .

 

الجواب:

كردي لرئاسة الدولة العراقية .. لم لا ؟ .

إذا كنا نتحدث عن واقع سياسي جديد في العراق ، فيجب أن يكون من حق كل مواطن عراقي أن يتولى أي منصب في الدولة الجديدة ، بغض النظر عن انتمائه القومي أو الديني أو الاثني أو السياسي أو الفكري ، المهم أن يأتي عن طريق صندوق الاقتراع ، وان يتفق عليه العراقيون .

ثم ، لماذا يحق للعربي في العراق أن يكون رئيسا للدولة أو رئيسا للوزراء ، ولا يحق ذلك للكردي أو التركماني أو الآشوري أو غيرهم ؟ إذا كان المعيار الكفاءة والخبرة والنزاهة والتجربة والإخلاص للعراق وشعبه ؟ فالكردي لا يقل كفاءة وخبرة وعلما ومعرفة وتجربة عن أي مواطن عراقي آخر ، فالملاكات الحقيقية لا تحدد بالانتماء وإنما بالسعي والجدية والحرص والتفوق .

إن الديمقراطية تعني ، فيما تعني ، تكافؤ الفرص أمام كل المواطنين ، بغض النظر عن انتماءاتهم ، وان الدستور الديمقراطي يكفل حق المساواة وتكافؤ الفرص أمام الجميع ، فلماذا هذا التمييز بين المواطنين على أساس الانتماء العرقي أو المذهبي أو الديني ؟ .

ليس في العراق مواطنون من الدرجة الأولى يحق لهم أن يتسنموا ما يشاؤون من المناصب ، وآخرون من الدرجة الثانية تحدد أمامهم الخيارات والمناصب ، ففي العراق الجديد ، سوف لن تكون المناصب حكرا على فئة دون أخرى ، لا زال صندوق الاقتراع هو الحكم .

نريد عراقا نموذجيا يحق للمواطن فيه أن يتسنم ما يشاء من المناصب على أساس الكفاءة والنزاهة والخبرة فقط وليس على أساس الانتماء ، شريطة أن ينال ثقة العراقيين من خلال صندوق الاقتراع فقط .

لقد ميز نظام الطاغية الذليل صدام حسين العنصري الطائفي ، العراقيين إلى درجات ، فوزع المناصب على ازلامه ، وحصر المواقع المهمة فيهم ، وحرمها على غيرهم ، وياليته كان يفاضل بين ازلامه ، على أساس الخبرة والنزاهة والتجربة والكفاءة ، وإنما على أساس الولاء والطاعة العمياء فقط ، وهذا ما يجب أن تمحى آثاره في العراق الجديد جملة وتفصيلا .

لقد أغنى الكرد تاريخ العرب والمسلمين ، وتاريخ العراق الحديث على وجه التحديد ، بالكثير من القادة والمفكرين والأدباء والفقهاء والزعامات السياسية ، بالإضافة إلى أعداد غفيرة من الأكاديميين والاختصاصيين ، فلماذا لا يحق لهم أن يتبواوا أي مقعد سيادي يختاره لهم العراقيون ؟ .

كما أن الكرد سقوا شجرة الحرية في العراق بأنهار من الدماء والكثير من التضحيات ، فلماذا لا يحق لهم التمتع بثمار هذه التضحيات ، أسوة ببقية العراقيين الذين ضحوا كذلك معهم ، جنبا إلى جنب ؟ .

أما الأعراب الذين يدقون نواقيس الخطر على هوية العراق العربية إذا ما تولى مواطنا كرديا رئاسة الدولة في العراق الجديد ، فهؤلاء وأفكارهم ومبادئهم ، هم سبب كل البلاء الذي يمر به العرب اليوم .

إنهم سبب التخلف والمرض والجهل والأمية ، وهم السبب الحقيقي وراء نمو الأنظمة الشمولية والاستبدادية والديكتاتورية وظاهرة عبادة شخصية القائد الرمز، التي حكمت البلاد العربية منذ ما يسمى بالاستقلال ولحد الآن ، وهم سبب ضياع فلسطين وكل الأراضي العربية في العديد من البلاد العربية ، وهم سبب الحروب العبثية التي شهدها الوطن العربي ، وهم سبب نشوء ظاهرة الانقلابات العسكرية (السرقات المسلحة) التي دشنها الزعيم القومي جدا جدا جمال عبد الناصر .

ألا يكفيهم هذا الكم الهائل من الأخطاء (الجرائم) القاتلة التي ارتكبوها بحق الأمة العربية ، ليرفعوا أيديهم عنها شيئا فشيئا ، ابتداءا من العراق ؟ .

إذا حدث واتفق العراقيون على أن يتولى منصب رئاسة الدولة مواطنا كرديا ، فإنهم بذلك يريدون أن يبعثوا برسالة واضحة وصريحة لهؤلاء الأعراب ، مفادها ، أن الكرد ليسوا خطرا على هوية العراق أو وحدته ، إنما الخطر كل الخطر على العراق هو الفكر القومي العنصري  الشمولي الذي أنتج طاغية ارعن كصدام حسين ، الذي سلم مفاتيح العراق إلى الولايات المتحدة الاميركية ، فبعد حكم استبدادي دموي دام نيف وثلاثين سنة ، دمر فيها الأخضر واليابس ، لم يصمد نموذج فكرهم أمام القوات الاميركية إلا أياما معدودات ، لاذ بعدها ، هو (والقيادتين القطرية والقومية) بالفرار ليستخرجوهم بعد أيام من جحور الفئران التي اختبأوا فيها مذعورين .

كما يريد العراقيون أن يطمئنوا الأقليات في العراق الجديد ، بأنهم سوف لن يهمشوا بسبب القومية أو المذهب أو الدين ، بل أن الجميع سواسية في العراق الجديد كأسنان المشط ، لهم ما لغيرهم ، وعليهم ما على غيرهم ، اذ أن للجميع دور في المركز ، وان المواقع والمناصب ليست حكرا لأحد وممنوعة على آخرين ، أبدا ، وهذا هو المعنى الحقيقي لرسالة الديمقراطية .

السؤال السادس:

عقد في بغداد مؤتمرا للسنة العرب ، دعوا فيه الفائزين بالانتخابات إلى عدم تهميشهم في العراق الجديد ، واعتبارهم شركاء في العملية السياسية الجديدة .

ما هي رؤيتكم إزاء هذا المؤتمر ؟ وما هو السر في انعقاده في هذا الوقت بالذات ؟ ومن يا ترى يقف وراء محاولات تهميش السنة العراقيين ؟ .

 

الجواب:

في البدء ، يجب أن نعترف بان انعقاد مثل هذا المؤتمر ، هو خطوة بالاتجاه الصحيح ، وان جاءت متأخرة جدا ، فلو كان قد عقد بعيد سقوط النظام الشمولي البائد مثلا ، أو قبيل إجراء الانتخابات العامة ، لوفر سنة العراق دماءا غزيرة أريقت من نحور العراقيين على ارض الرافدين الطاهرة بسبب التخبط المرعب في المواقف السياسية ، والذي وظفه الإرهابيون ومجموعات العنف لتوزيع الموت والدمار في مختلف مناطق العراق .

وبالرغم من أن رائحة طائفية فاحت من هذا المؤتمر ، اذ لم يشترك فيه سوى السنة العرب الذين دعوا إلى المحاصصة الطائفية في بناء هيكل الدولة العراقية الجديدة ، عندما طالبوا بتولي مواقع سيادية في الدولة الجديدة ، فقط لمجرد كونهم سنة عرب ، هذا المنطق الذي رفضوه من الآخرين واستنكروه عليهم واعتبروه مؤامرة إمبريالية على العراق ، إلا انه يبقى (المؤتمر) خطوة صحيحة اعتقد أنها ستساهم في تصحيح المسار السياسي لهذه الطائفة ، فيعيد التوازن من جديد بين مكونات المجتمع العراقي ، لو صدقت النوايا ، ومد المؤتمرون أيديهم بحرص وتصميم إلى بقية مكونات المجتمع العراقي ، للتعاون والمساهمة في بناء العراق الجديد الذي خربته الديكتاتورية ودمره النظام الشمولي البائد بعنصريته البغيضة وطائفيته اللعينة وحروبه العبثية ضد شعبه وجيرانه .

لقد اعتبر الفائزون في الانتخابات العامة ، السنة العرب شركاء معهم في بناء الوطن ، من دون أدنى تمييز ، ولطالما دعا الشيعة والكرد سنة العراق إلى نبذ العنف وإدانة الإرهاب والالتحاق بركب العملية السياسية الجديدة ، اذ لم يكن في نيتهم تهميش أية شريحة من شرائح المجتمع العراقي ، فضلا عن السنة العرب ، وهم الذين يمثلون الأقلية الكبيرة في هذا البلد (قرابة 20 بالمئة) ولكن ماذا عساهم أن يفعلوا لو أن السنة العرب قرروا تهميش أنفسهم ؟ فلو ارتأى احد من العراقيين تهميش نفسه في العملية السياسية الجديدة فذاك شانه ، اذ لا يسع الآخرين أن يرسلوا لهم السيارات المفخخة لإجبارهم على الالتحاق بالعملية السياسية ، أو إجبارهم على شئ لا يرغبون فيه ، كما فعل الإرهابيون وحاولوا أن يجبروا الأغلبية المطلقة من العراقيين على التراجع عن التزامات كانوا قد قطعوها على أنفسهم مع الآخرين ، فحاولوا مثلا إجبارهم على مقاطعة الانتخابات العامة ، أو انخراطهم في موجة العنف والإرهاب ، أو ما إلى ذلك .

أما لماذا عقد المؤتمر في هذا الوقت بالذات ؟ فهذا يعود ، برأيي ، إلى عدة أسباب ؛

فبعد الجهود الكبيرة التي بذلها الواعون والحريصون والمخلصون من السنة العرب للم شمل هذه الشريحة وتوحيد خطابها السياسي وتحديد اولوياتها بشكل صحيح ، توجت كل هذه الجهود اليوم بعقد هذا المؤتمر ، بعد أن اقتنعت الأغلبية بان العنف والإرهاب الذي راهنوا عليه في تخريب العملية السياسية الجديدة ، وهم ينظرون إلى الملحمة الانتخابية العظيمة التي شهدها العراق في الثلاثين من الشهر الفائت ، سوف لن يقودهم إلى نهاية سعيدة ، وان العملية السياسية في تقدم مضطرد عليهم أن يلحقوا ويلتحقوا بها قبل أن يهمشوا أنفسهم بأنفسهم ، ويضيعوا على جمهورهم فرصة تاريخية لا تعوض بسهولة ،  ولذلك نجح عقلاء القوم ، بحمد الله تعالى ، في إقناع الآخرين بأهمية ووجوب الاحتكام إلى العقل ، والإصغاء إلى نداء المصلحة الوطنية العليا ، من دون الاستمرار في المراهنة على الأوهام ، التي تقرب لهم ، في بعض الأحيان ، الماضي فيحنون إليه ، وكأن عقارب الزمن ستعود إلى الوراء ، فلماذا إذن نركض وراء سراب ؟ .

كما أن شعور السنة العرب بفشل اكبر هيئتين سنيتين ظلتا تختطف التمثيل السني زورا وبهتانا طوال السنتين الماضيتين ، وهما هيئة علماء المسلمين السنة والحزب الإسلامي العراقي ، في تحقيق أي مكسب لا سياسي ولا أي شئ آخر ، إن هذا الشعور دفع بالشخصيات السنية الأخرى من العلماء والوجهاء ورؤساء العشائر ، إلى البحث عن طرق أفضل واسلم لانتزاع هذا التمثيل المزور منهما والمبادرة إلى الإعداد لتأسيس وتشكيل تجمع جديد يكون الأقرب إلى الحقيقة في تمثيل السنة العرب الذين ظلوا طوال الفترة الزمنية الماضية ، مشتتين وموزعي الولاء السياسي ، إلى جانب الغضب الشعبي العارم والتململ الكبير الذي بدأ يشهده الشارع السني العراقي ، من مواقف من يدعي انه يمثلهم ، خاصة وان هتين الهيئتين ظلتا تلعبان على كل الحبال من دون تحقيق إنجاز يذكر، فيد مع مجلس الحكم ، وأخرى مع الاميركان ، وثالثة مع مجموعات العنف والإرهاب ورابعة مع الانتخابات وخامسة بالضد منها ، وهكذا ، حتى بانت الأمور على حقيقتها ، ولم يعد الشارع السني يتحمل كل هذا التردد والنفاق الذي تميزت به هاتان الهيئتان .

وخيرا فعل العقلاء منهم عندما بادروا إلى تنظيم هذا المؤتمر ، من اجل تصحيح مسار التمثيل السياسي والاجتماعي لشريحة السنة العرب ، لوضع حد لمحاولات التهميش التي يمارسها السنة أنفسهم بحقهم ، ومن اجل أن يميزوا أنفسهم بشكل واضح وصريح عن الإرهابيين وأدعياء الدين وفقهاء التكفير ، وكلنا يعلم جيدا ، بأن المصالح هي التي تحكم في العلاقات بين الأطراف وليس الدين أو المذهب ، والا ، فان المحتل لا زال يجثم على صدر العراق الحبيب ، فلماذا يتوسل من كان يدعو بالأمس القريب إلى المقاومة ويحرض الناس على مقاطعة العملية السياسية والانتخابات العامة بحجة أنها تجري و تسير في ظل الاحتلال ، الذين فازوا لإشراكهم في العملية السياسية ، ويسألونهم تقاسم الكعكة ؟ .

السؤال السابع والأخير:

ينتظر العراقيون تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة .

برأيكم ، كيف يجب أن يكون رئيس هذه الحكومة ؟ وما هي اولويات مهامها خلال الفترة الانتقالية المتبقية ؟ .

 

الجواب:

إذا كان شخص رئيس الحكومة مهما بالنسبة للعراقيين ، فان الأهم بالنسبة لهم هو طريقة أداءه ، وأسلوب عمله ، وكيف سيصف الاولويات في جدول أعمال حكومته ، وماذا سينجز للناس .

اعتقد أن هناك عدد من المهام التي يجب أن تضطلع بها الحكومة الانتقالية الجديدة ، وقبل ذلك ؛

أولا ــ يجب أن تمثل في تشكيلتها أوسع قطاع من العراقيين لتكون حكومة الأغلبية ، وليس حكومة الأقلية .

ثانيا ــ أن يختار رئيس الحكومة ، وزراءه من العراقيين ذوي الخبرة والكفاءة والعقلانية والحرص الشديد على مصالح العراق والعراقيين ، وان يحذر من تطعيم وزارته من أي من أيتام النظام البائد ، أو من مخلفات الفكر الشمولي البائد .

ثالثا ــ أن لا يكون رئيس الحكومة لقائمته أو طائفته أو حزبه ، بل يجب أن يكون لكل العراقيين ، حتى أولئك الذين لم يشتركوا في الانتخابات العامة ، لأي سبب كان .

رابعا ــ أن يصحح مسارات الوزارات التي انحرفت عن مسارها الصحيح خلال فترة الحكومة الانتقالية السابقة ، وخاصة وزارتي الدفاع والداخلية ، بالإضافة إلى جهاز المخابرات ، لتطهيرها من القتلة والمجرمين والإرهابيين وأيتام النظام البائد وعناصر أجهزة مخابرات دولية وإقليمية ، بدءا من الوزراء وانتهاءا بأصغر موظف فيها ، لحساسية هذه الوزارات والأجهزة .

يجب أن تأخذ الحكومة زمام المؤسسة العسكرية والأمنية بيدها ، حتى تستطيع أن تنفذ خطط العمل التي سترسمها للقضاء على ظاهرة العنف والإرهاب والجرائم المنظمة .

خامسا ــ كذلك ، على الحكومة الانتقالية الجديدة أن تعيد التوازن في العلاقات الإقليمية والدولية ، تلك التي عبثت بها الحكومة السابقة ، وبالذات عدد من الوزراء الذين لم يتصرفوا بمسؤولية كافية .

كما أن عليها أن تفكر بكل جدية في معاقبة الدول التي ظلت إلى الآن تسرق أموال العراق وتجند الإرهابيين ، وتتهم الأغلبية المطلقة ، استمرارا في تنفيذ سياسات النظام البائد ، وعلى رأسها الأردن الذي تعامل بعدائية مفرطة مع العراقيين منذ التاسع من نيسان عام 2003 (تاريخ سقوط الصنم) ولحد الآن .

سادسا ــ تفعيل قانون اجتثاث البعث ، لتطهير أجهزة الدولة من القتلة والمجرمين ، من الذين ثبت بالتجربة ، بأنهم لو يرعووا أو يندموا على ما فعلوه أيام النظام البائد ، وأنهم لا زالوا يتربصون بالمواقع الحساسة الدوائر لينزوا عليها لحظة أن تحين لهم الفرصة المناسبة .

يكفي العراقيين تجارب ، فقلد دفعوا ثمن أخطاء الحكومة السابقة وتهاونها في تطهير أجهزتها من البعثيين القتلة ، انهارا من الدماء ، ما اجبرهم على التراجع خطوة ، هم في غنى عنها ، إذ لا يجوز أن يتقدم العراق خطوتين ليتراجع خطوة بسبب أخطاء ليس لها أي داع .

سابعا ــ محاربة الفساد الإداري والمالي الذي استشرى زمن الحكومة السابقة ، والعمل على مراقبة حركة المال العام ، وإعادة ما سرق منه ، والسيطرة على ثروات العراق وعائداتها .

وقبل كل هذا وذاك ، فان ملفات الأمن والخدمات العامة وإعادة الاعمار ، يجب أن تأخذ الأولوية القصوى في برنامج عمل الحكومة الانتقالية الجديدة .

اسأل الله تعالى التوفيق والسداد لكل من سيتصدى لمسؤولية موقع ، صغيرا كان أم كبيرا ، فالعبرة ليس في حجم الموقع ، وإنما في حجم الأداء ، فهل ستنجز الحكومة الجديدة ما ضحى من اجله

العراقيون ، ألا وهو الأمن والحرية والكرامة والسلام والتقدم والرفاهية ؟ .

 

22 شباط 2005

 

HOME