العلم الكوردستاني والهلوسة التركية

   

محسن جواميرـ كاتب كوردستاني

 

كشفت تقارير صحفية عن انسحاب مسؤولين أتراك من إجتماع كوردي امريكي بسبب رفع علم كوردستان على بوابة إبراهيم خليل على الحدود التركية الكوردستانية منذ عام 1991. وذكرت صحيفة " صباح " التركية أنه إزاء الرفض الكوردي, طلب المسؤولون الأتراك من المسؤولين الامريكيين التدخل لحل المشكلة, لكنهم رفضوا التدخل بين تركيا والكورد. وقالت الصحيفة أن الكورد لم يكتفوا برفع علم كوردستان في البوابة الحدودية بين البلدين فحسب, بل بدأوا أيضا بختم كلمة كوردستان على جوازات سفر المواطنين العابرين. وهو تطور جاء في أعقاب مباحثات الرئيس جورج بوش مع الزعيم الكوردي مسعود البارزاني.

 

( حيرتنا يا أقرع من فين نبوسك ).. هكذا حال الكورد مع تركيا التي ينقطع منه الوتين كلما رأت خطوة يخطوها إلى الامام, وبالتالي لا تتوانى لحظة في محاربته بكل ما تملك من قوة عسكرية ورجال عملاء ومخابرات وأحزاب وإعلام وعلى كافة الجبهات والمحاور, منذ ان أعلنت الجمهورية التركية وبالتالي جعلت التتريك دينها وديدنها. والطامة الكبرى هي انها لا تكتفي بالتنكيل بكوردها واضطهادهم وقتلهم وتشريدهم ومحوهم فحسب, بل تريد ان تكون وصية حتى على بقية الدول أيضا لفرض مفاهيمها واطروحاتها, ونقل أساليبها الملتوية اللاإنسانية الى بقية المناطق.. كل ذلك من أجل سحق الكورد وإذلالهم والحيلولة دون تمتعهم بأدنى حق يتمتع به باقي خلق الله, وحتى لا تنتقل العدوى إلى كوردها الذين تتجاوز نسمتهم عن 15 مليونا ومحرومون من أبسط الحقوق.. لهذا فهي تتحسس من كل تقدم كوردي ونهضة كوردية حتى لو كانت في جنوب شرق آسيا.

 

نعم.. ( الذي في بطنه ريح, مايستريح ).. طالما الكورد يتنفسون, لا قرار ولا إستقرار لتركيا, ولا راحة ولا نوم لها.. فكيف بها إذا تنفسوا الصعداء وصار لهم علم وختموا على جوازات سفر القادمين والذاهبين من وإلى كوردستان التي إسمها أقدم من اسم تركيا بمئات الاعوام, بشهادة مصادرهم لا مصادر الكورد أو بقية الاقوام.

 

لعل تركيا التي تموت كل يوم بغيضها, تدري بأن الكورد الذين هزموا أكبر طاغية في هذا العصر ووصل امر أحد أعوانه المريض في السجن أن يتوسل بالكورد من أجل الترحم عليه ومساعدته في المعالجة بعد أن قتل من الكورد والعرب والآخرين مَن قتل وشرد منهم مَن شرد, وقبول الكورد نداءه ..لعلها تدري بأن قرار الكورد في رفع علمهم في كل بقعة كوردستانية, هو قرار نابع من ضمير التاريخ الكوردستاني المخضب بدماء عشرات الالوف من المؤنفلين من الكركوكيين والهوليريين والسليمانيين والدهوكيين والخانقينيين والسنجاريين والبدرة والجصانيين, والفيليين والايزيديين والشبكيين وآخرين من الاخوة الكلدانيين والآشوريين, بحيث يصعب حتى على أقلام  تركيا إحصاءهم وتصنيفهم.. وإن هذه الارادة هي اقل الممكنات اليوم, وإلا فالامر أكبر من العلََم وأدهى وأمر على الاتراك, والمطلب أعظم من كتابة إسم كوردستان محفورا على الختم. والحالة الراهنة عند الكورد لا تعدو كونها أضعف الايمان ومن باب ما لايدرك كله لا يترك جله.! وهذا العلَمُ لم يعد محصورا لدى الكورد الجنوبيين, بل قلّما تجد بيتا في الشمال او الشرق او الغرب الكوردستاني لم يتشرف به أو لم تقر عين أهله به.

 

( ما حسدناهم على أكل الشوى والرقاق, ويحسدوننا على نوم الزقاق ).. لا ضير ان تكون للترك دولهم وأعلامهم وبطشهم وجبروتهم, ولكن أن يرفع الكورد علمَهم على حدودهم وأرضهم وأن يتمتعوا بحقوقهم وباتفاق وفي دولة إتحادية, فهذا كفر مباح, ودم الكورد به يستباح, لان الله اصطفى تركيا على العالمين ولا يمكن لارادة ما ان تقف في وجهها, ولا لشعب أن يقرر مصيره في حضور سطوتها وأمام غطرستها التي طالت العباد والبلاد طوال حكمها الذي يسمونه بالامجاد..ألا تباً لذلك المجد الذي يكون على حساب حرية وكرامة الشعوب.!

 

إن نيل كوردستان الاعتراف ككيان سياسي وجغرافي وعلى لسان رئيسَي أعظم دولتين في العالم وهي أمريكا وبريطانيا, جدير بأن يفسر رد الفعل التركي الاخير بشأن العلم الكوردستاني كونه لا يتجاوز حدود الهلوسة والجنون اللذين تطبعت عليهما تركيا عند كل تقدم كوردي حتى لو كان بمقدار قيد أنملة.

 

 ولكن الوقت كفيل بأن تتعلم تركيا ـ كما تعلّم غيرها ـ الرياضة الكوردية التي ستعود عليها بالفائدة القصوى, لان باب إبراهيم خليل الحدودي الاقتصادى ليس بالسهل على الاتراك غلقه, ناهيكم عن كون إسم كوردستان أصبح أمرا واقعا سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي, لاسيما بعد أن خرج من لوزان ودخل الامم المتحدة معترَفا به ومن ثم حل ضيفا في البيت الابيض بحلته وداوننغ ستريت بتأريخه. ويبدو ان المسألة كلها مسألة وقت وترويض ليس إلا.. وعسى ألا يكون الدخول إلى ( جنقايا ) مقر رئاسة تركيا بعيدا.!

 

mohsinjwamir@hotmail.com