القضية الكردية في تركيا من منظور باحث أرمني

د.جبار قادر

 

   

تعرض التاريخ الكردي عامة و تاريخ الحركة القومية الكردية بوجه خاص الى التشويه و التزييف الصارخين . ولم يقتصر الأمر على كتاب دون آخرين، بل نستطيع القول بأن هذا الموقف كان قاسما مشتركا لأغلب الذين تصدوا لدراسة تاريخ هذا الشعب من غير أبنائه، يستثنى من ذلك بطبيعة الحال عدد من الباحثين المنصفين الذين يعدون على رؤوس الأصابع و الذين تناولوا أحداث هذا التاريخ من منطلق علمي موضوعي . لقد كتب عدد من الكتاب الكرد عن بعضهم و أصبحوا معروفين لدى القارئ، كما اصبحت نتاجاتهم العلمية متداولة بعد أن ترجمت الى الكردية أو العربية أو التركية .

رغم المكانة المتميزة للمستشرقين في روسيا القيصرية و السوفيتية بإعتبارها الموطن الأول للدراسات الإستشراقية حول الكرد و بلادهم ، الا أن الأستشراق الحزبي لم يشذ عن القاعدة التي اشرنا اليها ، ونقصد بها قاعدة تشويه التاريخ الكردي في العديد من الحالات  . فقد ردد العديد من الكتاب و الباحثين السوفيات منذ عشرينات القرن الماضي و حتى الستينات منه تماشيا مع تنظيرات قادة الحزب الشيوعي،عددا من المقولات الجاهزة حول الحركات القومية ومنها الحركة القومية الكردية في تركيا .

فقد  لعب العامل الخارجي وفق تحليلات رجال الأسشتراق الحزبي الدور الأكبر في إندلاع هذه الحركات ، وهو أمر مناقض للتفسير الماركسي لصيرورة الحدث التاريخي والذي يؤكد على الدور الحاسم للعامل الداخلي دوما . ومن هذا المنطلق إتهم الأستشراق الحزبي قيادات الحركات الكردية المسلحة في العشرينات و الثلاثينات بالتحرك وفقا لرغبات الأنجليز أو الفرنسيين ، أو أن الحركات الكردية كانت في أحسن الأحوال مجرد (تمرد مجموعة من الأقطاعيين و زعماء العشائر و رجال الدين الرجعيين ضد الإصلاحات الكمالية). بل وكانت على حد تعبير العديد من رجال الأستشراق الحزبي حركات (تهدف الى إعادة الخلافة و السلطنة الى دست الحكم في تركيا ) ، حتى أن مستشرقا سوفيتيا درس الأنتفاضات الكردية و بحث في أسبابها و قواها المحركة و إطلع على حقائق لم يكن بامكان الكثيرين من اقرانه الأطلاع عليها في ذلك الوقت ، لم يتردد في اتهام القيادات الكردية (بانهم اناس باعوا انفسهم للأجنبي و افسدهم بريق الذهب ) (1) .

لست هنا بصدد الدفاع عن القيادات الكردية السابقة أو الحالية والتي يحاول بعض الكتاب الكرد تصويرهم كأيقونات مقدسة لا يجوز التعرض الى سياساتها بالنقد و التحليل . وهنا يجب التفريق دوما بين اولئك الذين يوجهون الأنتقاد الى القيادات السياسية الكردية أو بعض سياساتها و الذين يتطاولون على الشعب الكردي و حركته التحررية أو يريدون  الطعن في قضية الشعب الكردي .

تعرضت الطروحات السوفيتية تلك حول القضية الكردية الى النقد و التحليل منذ بداية الستينات بالتزامن مع المد الجديد للحركة القومية الكردية والتي أصبحت كوردستان العراق مركزا لها هذه المرة. كانت اسباب تلك الطروحات تكمن برأيي في الموقف السياسي للنظام البلشفي و علاقاته مع تركيا الكمالية و ليس في التحليل العلمي النزيه للأحداث ، حتى لو كان هذا التحليل مبنيا على مبادئ الآيديولوجية الرسمية . المعروف ان البلاشفة تحالفوا مع الكماليين و أعتبروا حركة الأخيرين عنصرا يمكن الإستفادة منه في الصراع الدائر آنذاك مع القوى الأستعمارية المتسلطة في منطقة الشرق الأوسط و التي كانت تهدد منابع النفط  في باكو و الحدود الجنوبية للأتحاد السوفيتي . لذلك بادرت الحكومة السوفيتية الى توقيع المعاهدات مع الكماليين و تقديم المساعدات العسكرية و الأقتصادية لهم في وقت كانت مناطق واسعة من روسيا السوفيتية على حافة الأنهيار الأقتصادي و المجاعة . ولم يأت الموقف الأخير للحكومة السوفيتية لأعتبارات آيديولوجية تتعلق بدعم الحركات التحررية كما حاول ارجال لأستشراق الحزبي تصوير الأمر. فضلا عن ذلك فان الفكر السياسي السائد في العهد الستاليني كان معاديا للحركات القومية التي لم تكن (الطبقة العاملة ) تقودها والأصح التي لم تأتمر بأوامر الحكومة السوفيتية . كما ان العديد من المستشرقين السوفيت من ابناء الشعوب التي تمت بصلة قرابة الى الأتراك، كالتتار ، الآذريين ، الأوزبك و غيرهم حاولوا الدفاع عن كل ما كان يقوم به الأتراك و صوروا الحركة الكمالية كحركة تقدمية تهدف الى تحقيق العدالة الأجتماعية و التقدم الحضاري و معاداة الأستعمار الغربي، في حين صوروا المعارضين لها كأناس متزمتين يحاولون اعادة عجلة التاريخ الى الوراء ، و اقطاعيين يعملون من اجل تحقيق مصالحهم الخاصة وفوق هذا و ذاك فهم عملاء للمستعمرين الأنجليز و الفرنسيين.جرى ذلك كله تحت ستار الأخلاص للمبادئ الماركسية - اللينينية، اذ كانوا يدعمون آرائهم و مواقفهم بمقولات و نصوص مقتبسة من مؤلفات ماركس و انجلز و لينين و ستالين و غيرهم من زعماء الفكر الماركسي .

وبناء على ما سبق تكالب هؤلاء على الحركة القومية الكردية و الإنتفاضات الكبرى التي اندلعت في كوردستان الشمالية في العشرينات و الثلاثينات متهمين القائمين بها بالعمالة للأنجليز تارة و بدوافع التزمت الديني و الوقوف بوجه (الأصلاحات) الكمالية تارة اخرى. و لتعميق العداء أزاء تلك الحركات لم يترددوا في اتهامها بمعاداة الشيوعية و تهديد امن الحدود الجنوبية للأتحادالسوفيتي . وقد ظهر ذلك بوضوح في كتاباتهم بحق حركة (آكري داغ - آرارات ) التي تزعمتها جمعية (خويبون ) ، لأن الأخيرة كانت قد تحالفت مع حزب (طاشناق) الأرمني الذي إعتبره السوفيت من بين ألد أعدائهم .

الأنكى من ذلك كله انه وبعد انفراط عقد التحالف البلشفي - الكمالي و إنحياز الكماليين الى جانب  الغرب بدأت تهمة الشيوعية تلاحق أي تحرك كردي ، الأمر الذي يتقاطع تماما مع التهم السابقة التي كانت توجه الى الحركة القومية الكردية .

رغم ذلك ظهر في هذا الوسط الموبوء بالمداهنة و النفاق و الحزبية الضيقة أناس كرسوا حياتهم لإظهار الحقيقة بصورة موضوعية بعيدا عن تشويهات الأستشراق الحزبي و رسموا صورة قريبة من الواقع الذي جرت الأحداث التاريخية في اطاره و تمكنوا بعد سنوات طويلة من العمل المضني إلقاء الأضواء على جوانب مهملة و مهمة من التاريخ الكردي الحديث و أظهروا بطلان التحليلات السابقة بحق الحركة القومية الكردية.

من الضروري ان نشير هنا بأن هؤلاء الباحثين عانوا بسبب مواقفهم العلمية المنصفة الأمرين على ايدي رجال الأستشراق الحزبي، متهمين اياهم بالخروج على المبادئ الشيوعية تارة أو التأثر بالمواقف القومية البورجوازية تارة أخرى . وكان مانفيل أرسينوفيج هسراتيان واحدا من أبرز هؤلاء المهتمين بالدراسات الكردية . وقد يكون لأصله الأرمني دورا في إختياره التصدي لدراسة القضية الكردية في تركيا . فقد جرت ابادة مئات الالاف من بني جلدته على أيدي الأتراك من رجال الأتحاد و الترقي الذين شكلت أرائهم و طروحاتهم القومية المتطرفة المنابع الفكرية لمصطفى كمال و رفاقه (2).

يعتبر هسراتيان واحدا من المستشرقين القلائل الذين بحثوا في التاريخ الكردي المعاصر باسلوب موضوعي بعيد عن التشويه. وقد نشر العديد من البحوث و الدراسات و الكتب التي اصبحت مصادر لا يستغنى عنها كل من يتصدى لدراسة التاريخ الكردي المعاصر و بخاصة تاريخ القضية الكردية في كوردستان تركيا. وقد كشف هسراتيان الستار عن العديد من الحقائق التاريخية غير المعروفة في التاريخ الكردي المعاصر، كما ويعتبر اول مستشرق سوفيتي درس احداث كوردستان الشمالية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى و حتى منتصف الثمانينات بعمق و شمولية . مع ذلك فإن القليل من القراء يعرفون الكثير عن هذا العالم الجليل . ومن حقه علينا ان يرجي التعريف به و تسلط الأضواء على جهوده العلمية المخلصة .

ولد مانفيل أرسينوفيج هسراتيان ( Manvel Arsinovich Hasratiyan  ) في 21 ايار 1924 في قرية كلاكة (Kalaga  ) باقليم اسماعيلان بأذربيجان السوفيتية سابقا . تخرج من معهد الدراسات الشرقية بموسكو عام 1952 و حصل على الدكتوراه من جامعة موسكو عام 1956 عن أطروحته الوسومة (المسألة القومية في تركيا بين الحربين العالميتين ) . عمل بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في دار نشر الآداب الشرقية بموسكو ، تلك الدار التي إشتهرت بنشر امهات الكتب و المخطوطات الشرقية . ومنذ عام 1961 بدأ العمل في معهد الدراسات الشرقية في موسكو و الذي كان يتبع آنذاك أكاديمية العلوم السوفيتية و أكاديمية العلوم في روسيا الأتحادية حاليا . ومنذ ذلك الوقت نشر عددا من الدراسات و البحوث في الدوريات و المجلات العلمية فضلا عن الكتب التي ألفها أو شارك في تأليفها (3 ).

بدأ هسراتيان نشاطه العلمي منذ إنشغاله باعداد اطروحته للدكتوراه و التي شكلت القاعدة العلمية التي استند عليها في دراساته اللاحقة. وكانت القضايا القومية في تركيا محور إهتمامه، مؤكدا في كل ما كتبه على انها لم تفقد أهميتها و حيويتها بانهيار الدولة العثمانية و تقسيم ممتلكاتها و قيام الكيانات السياسية العديدة في منطقة الشرق الأوسط . في حين كان العديد من المستشرقين و معهم جميع الكتاب الأتراك يرددون مقولات مفادها أن تركيا تخلصت من المشكلة القومية بزوال الدولة العثمانية، بل ذهب بعضهم ابعد من ذلك عندما كانوا يؤكدون على حالة التجانس القومي في الجمهورية التركية .  ولكن هذا العالم الجليل بقي مؤمنا بحقائق التاريخ و الجغرافيا مؤكدا على خطأ تلك الآراء و التصورات و مشيرا الى أن الكرد و العرب و اللاظ و الشركس و اليونانيين و غيرهم بقوا يشكلون نسبة مهمة من سكان تركيا حتى بعد إنهيار دولة آل عثمان ، الأمر الذي لا يختلف حوله أثنان في يومنا هذا(4).

المعروف أن الكرد يشكلون القومية الثانية بعد الأتراك في تركيا وقدر إحصاء عام 1970 عددهم بثمانية ملايين و نصف المليون نسمة ، ويعزو البعض رفض الحكومة التركية نشر نتائج ذلك الأحصاء الى هذا السبب بالذات (5 ).

ويعرف المطلعون كذلك ان كوردستان الشمالية تضم أكثر الولايات التي تعرف في تركيا الحالية بشرق الأناضول (Dogu Anandolu )، في حين  تحاول الحكومة التركية تقليص المنطقة الكردية من خلال تسميتها بجنوب شرق الأناضول (Guney Dogu Anadolu) والتي لا تتطابق بأي حال من الأحوال مع حقيقة الأنتشار الكردي في تركيا الحالية . و تتجنب الحكومة التركية و معها الصحافة وسائل الأعلام الأخرى أي استخدام لكلمة كوردستان حتى بالنسبة للبلدان الأخرى سواء في ايران ، حيث تحمل إحدى محافظات البلاد اسم كوردستان بصورة رسمية او العراق حيث هناك اقليم فدرالي بهذا الأسم و معترف به دستوريا  . و يثير الموقف التركي ازاء تسمية كوردستان سخرية الكثيرين ، إذ مر على استخدام هذه التسمية بشكلها الحالي في الكتابات التاريخية أكثر من ثمانية قرون.   شكل السكان الكرد و لا زالوا الأكثرية الساحقة في ولايات دياربكر (آمد) ، هكاري ، ماردين ، بايزيد ، سعرت (سيرت ) ، ملاطية ، مرعش ( قهرمان ماراش ) ، موش ، اورفة (شانلي أورفة) ، درسيم (تونجلي ) ، بدليس (بتليس ) ،أغري ، اليازيك (العزيز أو معمورية العزيز ) ،قارص، وان ، أرضروم، أرزنجان ، بينكيول ، أديامان  و عينتاب (غازي عينتاب ) ، فضلا عن اعداد كبيرة جدا من الكرد في ولايات سيواس ، أدنة ، قونية ، أزمير و أنقرة (6). و هناك من يعتبر أسطنبول أكبر مدينة كردية، إذ أنها تضم أكبر جالية كردية خارج حدود كوردستان ، حيث يبلغ تعداد الكرد فيها عدة ملايين حسب بعض التقديرات .

إنطلق هسراتيان من هذه الحقائق التاريخية و الجغرافية و البشرية و خرج بنتيجة مفادها ان القضية الكردية تلعب دورا مهما في الحياة السياسية التركية، ومن هنا خصص جزءا مهما من أطروحته للدكتوراه لدراستها و تحليل ابعادها السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية. ولولوج الموضوع بصورة علمية اشار الى حقائق و معلومات مهمة و نادرة تتعلق بعدد الكرد و مناطق انتشارهم و أوضاعهم الأقتصادية و الأجتماعية و الثقافية و الصحية و رسم صورة قاتمة عن تلك الأوضاع في ظل السيطرة العثمانية و بخاصة خلال الحرب العالمية الأولى ، التي الحقت أضرارا كبيرة بالشعب الكردي و خلفت آثارا مدمرة على كوردستان وجدت انعكاساتها في التطور اللاحق للأحداث هناك (7).

درس هسراتيان بعد ذلك مواقف الكماليين من التطلعات الكردية المشروعة و اشار الى السياسة الأنتهازية التي انتهجوها تجاه الكرد ، فقد نثروا الوعود في بداية حركتهم عندما كانوا بحاجة الى الدعم الكردي لمقاومة الأحتلال الأجنبي للبلاد ، ولكنهم سرعان ماكشفوا للكرد عن وجههم الشوفيني القبيح بعد اولى الأنتصارات على المحتلين حتى قبل ان يحققوا مهمة تحرير البلاد كليا . لقد حلل هسراتيان السياسات الكمالية منذ اللحظات الأولى من حركتهم و حتى وصولهم الى دست الحكم في البلاد من خلال قمعهم للتحركات الكردية الأولى بعيد الحرب العالمية الأولى و إتخاذهم سلسلة من الإجراءات المعادية للتطلعات الكردية .

وجسد الدستور للجمهورية التركية و المعروف بدستور عام 1924 التوجهات الكمالية بصورة واضحة. فقد تجاهل هذا الدستور وجود الشعب الكردي و حقوقه و لم يشر من قريب أو بعيد الى المواطنين الكرد . من المؤسف أن هذا الموقف لم يقتصر على الدستور التركي الأول الذي أقر بعد اقل من عام من قيام النظام الجمهوري في البلاد ، بل أن دستوري عام 1961 وعام  1982 ، و لا زال الأخير معمولا به حتى يومنا هذا رغم التعديلات الكثيرة التي جرت على بنوده ، عاملا المواطنين الكرد بنفس الروحية . فكل من يلقي نظرة سريعة على بنود الدساتير التركية لا يرى في تركيا غير الأتراك رغم وجود أكثر من 32 أقلية قومية و دينية بإعتراف المسؤولين الرسميين الأتراك .

فالمادة (88) من دستور عام 1924 اعتبرت سكان البلاد ((أتراكا )) ، فيما اعلنت المادة (2 ) من الدستور نفسه اللغة التركية لغة رسمية وحيدة في البلاد . و أنكر الدستور بذلك حقيقة وجود الكرد كثاني قومية في البلاد فضلا عن اقليات قومية مهمة كالعرب و اللاظ و الشركس و اليونانيين و السريان و الأرمن و غيرهم . كما تتحدث بنود الدستور الأخرى عن (المواطن التركي ) فقط بديلا عن (مواطن تركيا ). وتثير هذه المسألة إشكالية التسمية العرقية للدولة التركية نفسها و التي تتناقض كليا مع حقيقة ضمها لأوطان وشعوب وثقافات عديدة من بينها الكرد و الأرمن و اليونانيين و غيرهم . وتبرز هذه المسألة الفرض الظالم للهوية التركية الواحدة وبصورة قسرية على هذه  الجغرافيا الواسعة الغنية بالحضارات و الثقافات الأنسانية الأصيلة .

وتأكيدا لما ذهبنا اليه نشير الى بعض مواد الدستور التركي الأول. فالمادة (10) أعطت حق الأنتخاب (لكل تركي ) بلغ الثانية و العشرين من العمر. أما المادة (11 ) فأكدت على حق (كل تركي ) بلغ الثلاثين من العمر في ان ينتخب الى المجلس الوطني الكبير (البرلمان التركي ) ، في حين اعتبرت المادة (69) (جميع الأتراك ) متساوون امام القانون ، واعطت المادة (92) حق تسنم المناصب الأدارية و السياسية (لجميع الأتراك ) . وهكذا وضع الدستور التركي الأسس القانونية و الدستورية لسياسة الصهر القومي و رفض حقيقة التنوع القومي في تركيا (8). 

لقد درس باحثنا محللا القوانين الكثيرة التي أصدرها (المجلس الوطني الكبير) في تركيا في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي و اظهر مضامينها المعادية للشعب الكردي . وقد شكلت تلك القوانين الى جانب مواد الدستور الأسس التي استندت عليها الأوساط الحاكمة التركية في تنفيذ سياسات الابادة الجماعية للكرد و تدمير بلادهم و ثقافتهم القومية و افراغ كوردستان من سكانها الأصليين (9).

يمكننا القول بان هسراتيان كان من بين اوائل من حلل بصورة موضوعية القانون الأساسي التركي و القوانين الأخرى التي اصدرها البرلمان التركي . وادان السياسة الشوفينية للكماليين بحق الكرد و غيرهم استنادا الى نصوص مقتبسة من تلك القوانين ، وهي ادلة دامغة لا يمكن التشكيك في مصداقيتها . وتضمنت اطروحته تحليلا وافيا للمعطيات الأحصائية التي تضمنتها مجلدات الأحصاء السنوي التركي ( Istatistik Yilligi ) ،و أظهر عمليات التشويه و التزييف التي شابتها . ومن الجدير بالذكر ان تلك المعطيات الأحصائية لا يمكن الركون اليها كليا لأن يد التشويه و التزييف قد نالتها ايضا ، لذلك استخدمها هسراتيان من منظور نقدي محاولا في الوقت نفسه رسم صورة قريبة الى الواقع.

ومن نافل القول ان نشير الى النواقص و الثغرات التي تعاني منها المعطيات الأحصائية في بلدان العالم الثالث عموما، اما في تركيا فان المواقف العنصرية و سياسة الأضطهاد القومي و الأبادة الجماعية للكرد و غيرهم من سكان تركيا من قبل الكماليين قد شكلت عناصر اضافية لتفقد تلك المعطيات مصداقيتها في جوانب مهمة منها . فالمعروف ان السياسة الرسمية كانت و مازالت تقوم على اساس انكار وجود غير الأتراك في البلاد.رغم التصريحات الخجولة للمسؤولين الأتراك في السنوات الأخيرة حول وجود الكرد و غيرهم و الأعتراف ببعض حقوقهم ، إلا أن التمعن  في مضامينها الحقيقية يعيد المراقب الى نقطة الصفر . كان من الطبيعي ان تجد سياسة الأنكار انعكاساتها في المعطيات الأحصائية . فعلى سبيل المثال لا الحصر إستندت الأحصاءات التركية على مبدأ (اللغة الأم ) في تحديد انتماءات السكان . ولكن حتى الذين إعتبروا الكرية لغتهم الأم عدوا (اتراكا يتحدثون الكردية ). وإستندت هذه الصياغة الغريبة على نتائج (الجهود العلمية الكبيرة ) التي بذلها (العلماء الأتراك ) لمعرفة اصل الكرد وتاريخ اللغة الكردية(10) . عموما فإن مبدأ اللغة الأم لا يمكن التعويل عليه كثيرا في تحديد انتماءات السكان القومية وبخاصة في ظل سياسات الأنكار و الأضطهاد القومي . فقد حاول الكثيرون اخفاء أصولهم القومية الحقيقية للتخلص من الملاحقات و سياسة الأضطهاد القومي. وفي ظل سياسة فرض الهوية التركية قسريا على الجميع اعتبر كل من عرف شيئا من التركية تركيا . لقد وجد هذا المبدأ الخاطئ انعكاساته في بعض الأحصائيات العراقية ايضا و جرى العبث بالأنتماءات الحقيقية للسكان هناك أيضا . فقد شهدت المعطيات الأحصائية الخاصة بلواء كركوك ، مثلا ، عمليات تزييف واسعة اثناء تعداد السكان لعام 1957 على ايدي القائمين بعمليات التعداد السكاني .

وهكذا نستطيع القول بأن المعطيات الأحصائية التركية و غير التركية تعاني من تشوهات كبيرة و هي بعيدة عن الواقع، و على سبيل المثال نورد بعض الحقائق . فقد بلغ عدد الذين اعتبروا لغتهم الأم الكردية بموجب تعداد السكان لعام 1927 في تركيا (1.184.446 ) شخصا، اما تعداد عام 1935 فقد قدر العدد ب (1.480.246 ) شخصا، في حين تناقص العدد الى( 1.362.895 ) نسمة بموجب احصاء عام 1945 ، اي ب 117.351 شخصا اقل عن عام 1935 ، في الوقت الذي زاد فيه عدد سكان تركيا خلال تلك الفترة بحوالي 2.5 مليون نسمة (11). وبعد ذلك التاريخ بعشرين عاما ، اي في عام 1965 وصل عدد الذين اعتبروا الكردية لغتهم الأم الى 2.370.000 نسمة (12) . لا تحتاج هذه الأرقام الى اي تعليق ، فهي (اي الأرقام ) تتناقض كليا مع المفاهيم الديموغرافية التي تؤكد على تضاعف عدد السكان كل (20-30 ) عاما . لقد ناقضت التخمينات التركية لعدد السكان الكرد عام 1970 أي بعد خمس سنوات فقط من احصاء عام 1965 تلك الأرقام ، وذلك عندما قدرت عدد الكرد في تركيا ب 8.5 مليون نسمة كما اشرنا الى ذلك . فضلا عن ذلك فان الأوساط الحاكمة التركية و معها عدد كبير من الكتاب و الصحفيين الأتراك لا يخفون مخاوفهم من الزيادة الكبيرة لعدد السكان الكرد في البلاد،إذ تشير الصحافة التركية في السنوات الأخيرة وبصورة متكررة الى أن الكرد سيشكلون أغلبية السكان في المستقبل القريب ، إذا استمرت نسب الزيادة في المنطقة الكردية على هذا المنوال في ظل تراجع النمو السكاني البسيط بين السكان الترك .

رغم ذلك كله يستطيع الباحث ان يستنبط من المعطيات الأحصائية التركية كم كبير من المعلومات المفيدة عن الأوضاع الأقتصادية و الأجتماعية و الثقافية للسكان الكرد في تركيا و عن المستوى المتدني الخدمات التعليمية و الصحية في كوردستان . وقد قام هسراتيان بهذه المهمة بنجاح ملحوظ ، اذ حلل تلك المعطيات و اظهر حالة البؤس الأقتصادي و الأجتماعي في كوردستان و ضآلة الخدمات الصحية و التعليمية فيها ، في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من (تخمة) حقيقية في عدد مراكز الشرطة و الجندرمة و مؤسسات القمع الأخرى (13).

وعند تصديه لدراسة تاريخ الحركة القومية الكردية حاول هذا العالم الأرمني الجليل تحديد التيارات الرئيسية فيها بعيد الحرب العالمية الأولى ، وهي مرحلة تعد من اعقد المراحل التي مر بها الكرد في تاريخهم الحديث . فقد انقسموا الى تيارات و مشارب تجاذبتهم تصريحات الحلفاء التي كانت تؤكد على انهم جاءوا (محررين لا فاتحين ) ويهدفون منح حملتهم تحرير شعوب الشرق من سيطرة الدولة العثمانية القروسطية ، فضلا عن بنود ويلسن الأربعة عشر التي اكدت على حق الأمم في تقرير مصيرها . فضلا عن وعود حكومة السلطان للكرد حول الحكم الذاتي في اطار الدولة العثمانية ، ووعود مصطفى كمال الضبابية لأخوة الدين بتحقيق امالهم بعد تحرير البلاد . وكانت مهمة صعبة حقا أن يتصدى الباحث لدراسة هذه الفترة المليئة بالمتناقضات و التعقيدات السياسية الداخلية و الدولية . ومما يؤكد صعوبة هذه المرحلة و تعقيداتها ان الباحث المعروف بدراساته المعمقة في الشؤون الكردية ميخائيل لازريف كرس فيما بعد أحد افضل مؤلفاته لدراسة هذه الحقبة التاريخية المهمة (14 ).

مع ذلك حاول هسراتيان تلمس المواقف المتباينة للقوى الكردية الفاعلة آنذاك ، اذ اشار الى مواقف الزعامات التقليدية الكردية التي وقفت اما الى جانب الكماليين ، الذين استطاعوا دغدغة عواطفهم الدينية ضد (الكفار ) ، او الى جانب حكومة السلطان بأمل تحقيق الحكم الذاتي للكرد في اطار الدولة العثمانية . كما اكد على بروز تيار تمثل في التنظيمات الكردية التي اعلنت استعداداها لدعم الحركة الكمالية شرط تحقيق الأماني القومية الكردية ، و بين هؤلاء و اولئك كانت هناك مجاميع من الشباب الثوري يطالبون بالعمل الجاد لأنتهاز الفرصة التاريخية و عدم الأنتظار،  لأن احدا لن يحقق للكرد ما يطمحون اليه الا أنفسهم (15 ) .

يبدو ان هسراتيان قد تأثر في تحليلاته هذه بالآراء التي وردت في مقال دقيق نشره الشاعر الأيراني ابو القاسم اللاهوتي حول القضية الكردية في بداية عشرينات القرن الماضي في إحدى المجلات السوفيتية(*).

بعد ذلك تابع هسراتيان تطور سياسة الكماليين تجاه الكرد ، اذ لم ينتظر مصطفى كمال وانصاره طويلا و بدأوا يضيقون الخناق على الزعامات و التنظيمات الكردية . فقد تلاحقت اوامره بغلق الجمعيات و الصحف الكردية تحت ستار (حماية وحدة الأمة ) أو اتهام اعضاء تلك التنظيمات بموالاة الأجنبي . وهكذا بدأت مطاردة و ملاحقة الناشطين الكرد و جرى اعتقال الكثيرين و نفي البعض الى خارج البلاد . كما يورد هسراتيان في هذا الباب اراء و  نظرات بعض السياسيين الأتراك و التي عبرت عن السياسة الرسمية التي انتهجتها الحكومة التركية على مدى عقود عديدة . و تنتمي هذه التصريحات الى الفكر السياسي السائد في تركيا في الثلاثينات و حتى الستينات من القرن الماضي ، نشير الى بعضها لعرض المفاهيم المتحكمة بالسياسة الرسمية التركية تجاه الشعب الكردي . فقد صرح وزير (العدل) التركي محمود أسعد في مدينة أوديمش أمام ناخبيه في ثلاثينات القرن الماضي قائلا ( نحن نعيش في تركيا اكثر بلدان العالم حرية ، ولا يجد مرشحكم مكانا مناسبا اكثر من هذا المكان ليعبر عن افكاره و آرائه بصورة مباشرة. أنا لا أخفي مشاعري الحقيقية ، التركي هو صاحب الكلمة الوحيدة في هذه البلاد ، و الذين لا ينتمون الى العنصر التركي النقي لهم حق واحد هو ان يكونوا خدما . فليعرف الأصدقاء و الأعداء هذه الحقيقة و لتدركها الجبال أيضا ) . لقد كان هذا الوزير التركي مسؤولا عن تحقيق العدالة في (أكثر بلدان العالم حرية !!) . والأشارة الى الجبال ذات مغزى و القصد منها الكرد و حركته القومية . أما نهال آدسز سكرتير حزب الشعب الجمهوري الحاكم الذي انفرد بالسلطة لأكثر من ربع قرن ، فلم يرضى حتى بذلك الحق ،  اي حق ان يكون أكثر من ثلث مواطني بلاده خدما ، بل طالب (بقذفهم الى خارج البلاد ) (16 ).

لقد تحكمت هذه الأفكار و الطروحات بعقول شريحة واسعة من السياسيين و الكتاب الترك خلال عقود طويلة من تاريخ الجمهورية التركية . الغريب ان التطورات الهائلة التي شهدها العالم اثناء الحرب العالمية الثانية و بعدها و التي تمثلت في هزيمة الفاشية و النازية و الفكر العنصري و سيادة المفاهيم الديموقراطية في بقاع كثيرة من القارة الأوروبية ، لم تخلف آثارا ملحوظة على الفكر السياسي الرسمي التركي ، بل بقيت المفاهيم العنصرية و سياسة الكره القومي و غرس المفاهيم العنصرية و الطورانية في عقول الأجيال التركية سائدة في هذه البلاد . وبقيت تلك العبارات التي اشرنا الى بعضها اعلاه تجد طريقها الى صفحات الجرائد و المجلات بل و حتى الكتب (العلمية ) التركية. فبعد الانقلاب العسكري الأول في عام 1960 اكد زعماء تركيا الجدد اخلاصهم لنفس المفاهيم و لسياسة اضطهاد الكرد وقمعهم ، فقد خاطب زعيم الأنقلابيين جمال كيورسل ، الذي نصب نفسه رئيسا للجمهورية ، خاطب سكان مدينة دياربكر الكردية والتي تعتبر بؤرة النشاط القومي الكردي في كوردستان الشمالية ، مهددا و متوعدا ( لا وجود للكرد . كلكم اتراك . هناك من يريد تفريقنا … ان الأرض التي انجبت ضياء كيوك الب لا يمكن ان تكون كردية . ليس هنا فقط بل في جميع الولايات الشرقية يعيش الأتراك فقط )(17).

الغريب ان افكارا مشابهة لا زالت تتحكم بعقول جمهرة واسعة من السياسيين الترك، سواء اولئك الذين يتربعون على هرم السلطة ، او الذين ينتمون الى المعارضة السياسية . و يمكن الأشارة الى عشرات التصريحات التي يطلقها هؤلاء يوميا و التي تزخر بها الصحافة التركية و التي تحمل نفس المفاهيم ولكن بعبارات اخرى لا تبدو متقاطعة مع مفاهيم العصر بصورة صارخة .

ومن تحليله لمواقف و سياسات الكماليين تجاه الكرد توصل هسراتيان الى نتيجة منطقية تتلخص في ان الضغط و العنف الكماليين ولدا الأنفجار لدى الكرد و الذي تمثل في سلسلة الأنتفاضات الكبرى التي شهدتها كوردستان الشمالية بدءا بانتفاضة عام 1925 و مرورا بانتفاضة اغري و انتهاء بانتفاضة درسيم .

أولى هسراتيان إهتماما خاصا بأحداث الانتفاضة الكبرى لعام 1925 لما تحتلها من مكانة مهمة في تاريخ المقاومة الكردية في تركيا ضد القمع الكمالي (18)، محاولا تشخيص دوافعها الحقيقية و القوى المحركة لها و الرد على الأفتراءات التي حاولت تشويه وجهها الناصع ، فقد رد على اتهام قيادة الأنتفاضة بالعمل على اعادة الخلافة و السلطنة الى دست الحكم في تركيا قائلا (ولدت الحركة القومية الكردية على اساس النضال ضد محتلي كوردستان سواء كانوا سلاطين آل عثمان أو المحتلين الأتراك الذين جاءوا عقب السلطان العثماني . ولم يكن الكرد ابدا مولعين بالسلاطين الى حد الثورة على النظام الجديد من أجلهم، فكثرا ما ثاروا ضد السلطان و حكومته ) (19) .

من الجدير بالذكر ان اكثر المعلومات الواردة في هذا الفصل من اطروحة هسراتيان ترجمت الى الكردية و العربية و نشرت في كتيب بالعربية تحت عنوان (كردستان تركيا بين الحربين) وآخر بالكردية حمل عنوان (انتفاضة الكرد عام 1925)(20) ، لذلك لا اجد ضرورة للتوقف عندها طويلا.

تابع هسراتيان بعد استعراضه لأحداث تلك الأنتفاضة و القمع الوحشي لها ، سياسة الكماليين تجاه السكان الكرد و فضح طابعها العنصري . وكانت تلك السياسة تقوم على تشديد القمع على الكرد و تدمير قراهم و مزارعهم و تهجير أعداد كبيرة منهم الى غرب البلاد. كما تتبع تطورات الحركة التحررية الكردية بعد قمع الأنتفاضة مشيرا الى جهود القيادات الكردية لتوحيد صفوف الوطنيين الكرد للوقوف بوجه السياسة العدوانية للحكومة الكمالية . ومع انه أشار بشئ من الأعجاب الى جهود جمعية (خويبون ) الكردية التي حملت راية النضال ضد الكماليين منذ عام 1927 و ذلك بعد توحد القوى السياسية الكردية المختلفة في اطار المنظمة الجديدة، ورد استنادا الى مصادر اصيلة على اتهامات رجال الأستشراق الحزبي لقادة خويبون بالعمالة للدول الغربية و معاداة السوفيت و اورد في هذا المجال نصا مقتبسا من منشور لخويبون تقول فيه(ان خويبون ليست اداة بيد اية قوة اجنبية و هدفها الوحيد هو تحرير الشعب الكردي من عبودية الحكومة التركية و اقامة دولة كوردستان المستقلة ، و لتحقيق هذا الهدف تستند خويبون على قوى الكرد الذاتية) ، نقول ورغم هذا الوضوح في الأهداف و اساليب النضال المعتمدة و مع اقتناع هسراتيان في قرارة نفسه بصحة تلك المنطلقات ، الا انه كان مجبرا على توجيه انتقادات قاسية الى خويبون بسبب علاقاتها بحزب الطاشناق الأرمني الذي كانت الحكومة السوفيتية و معها الأستشراق الحزبي تعده من ألد أعدائها . أعتقد أن هسراتيان كان في موقفه ذاك يدافع عن نفسه لكي لا يتهم وهو الأرمني بالتعاطف مع حزب الطاشناق و لكي يحصل على اجازة مرور لعمله من رقابة اساطين الأستشراق الحزبي .

وتناول في أطروحته كذلك الأحداث التي اعقبت انتفاضة آغري و التطورات التي مهدت لأندلاع انتفاضة درسيم 1937 - 1938 و الأساليب الوحشية التي اعتمدتها الحكومةالكمالية في قمعها . وهكذا غطت اطروحة هسراتيان مرحلة مهمة و مليئة بالآحداث الكبرى في تاريخ الكرد المعاصر في كوردستان الشمالية . وكان خير من تصدى لهذه المهمة و وصل الى استنتاجات علمية مهمة لخصها في هذه الكلمات المعبرة ( كان نضال الكرد خلال تلك الفترة نضالا من اجل البقاء اكثر من كونه نضالا من اجل الأستقلال ) (21). وقد اصاب بكلماته هذه الحقيقة لأن الخوف من الأبادة الجماعية و عمليات الصهر القومي و تدمير كوردستان كليا كان في مقدمة المخاطر المحدقة بالشعب الكردي في تلك الفترة العصيبة من تاريخه الملئ بالمآسي .

هكذا شكلت اطروحته للدكتوراه اساسا لدراساته اللاحقة و التي جاءت لتؤكد صدق استنتاجاته . فقد نشر عام في 1960 دراسة مكثفة عن موقف الأوساط التركية الحاكمة تجاه السكان الكرد (22) . وجاءت دراسته هذه في مقدمة  المحاولات العلمية المنشورة في الأتحاد السوفيتي و التي حاولت تقويم احداث كوردستان الشمالية في فترة ما بين الحربين العالميتين بصورة موضوعية منصفة . وقد استند في دراسته هذه على المعلومات الواردة في اطروحته فضلا عن حقائق علمية جديدة اصبحت في متناول يده بعد تخرجه و انشغاله بالبحث العلمي المعمق لسنوات عديدة.  لقد حلل هنا العديد من القوانين التي اصدرها المجلس الوطني الكبير ضد الكرد و بخاصة قانوني 1097 و 1178 لعام 1927 و القاضي بابعاد عدد كبير من العوائل الكردية الى غرب الأناضول ، و قانون 1505 لعام 1929 الذي تضمن الأستيلاء على ارضي الزعماء الكرد تحت ستار شعار كاذب هو ( توزيعها على فلاحي شرق الأناضول ) .

و كذلك القانون الذي حمل رقم 2510 و الذي كان يهدف الى تشتيت و بعثرة السكان الكرد في تركيا بصورة لا تتجاوز نسبتهم في اية ولاية من ولايات البلاد 10% من مجموع السكان (23). لقد تحولت دراسته هذه الى مصدر مهم للباحثين في تاريخ القضية الكردية في تركيا المعاصرة .

و نشر هسراتيان دراسة اخرى عن المسألة القومية في تركيا المعاصرة في عام 1963 (24) ، استعرض فيها سياسات الحكومات التركية المتعاقبة ازاء الكرد و الأقليات القومية في البلاد. وأكد بأن التطورات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية لم تخلف اثارا تذكر على صعيد السياسة القومية في تركيا، فقد أكد الزعماء الجدد الذين وصلوا الى دست الحكم و بإصرار غريب اخلاصهم للسياسات الشوفينية السابقة ازاء الكرد و غيرهم . الأنكى من ذلك ان بعضهم حاول ان يسد الثغرات التي لم ينتبه اليها المشرع التركي في العقود الأولى من عمر الجمهورية و التي حاول عدد من المثقفين الكرد النفوذ من خلالها للتعبير عن الهموم الكردية (25). فبعد سنوات من القهر القومي و محاربة اللغة و الثقافة الكرديتين بدأ بعض المثقفين الكرد يحاولون إصدار بعض المجلات التي تتحدث عن الأوضاع المأساوية في الولايات الشرقية . ولكن سرعان ما كانت السلطات التركية تتحرك للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة برأيها على وحدة البلاد وأمنها. وكان من بين أشد الأجراءات غرابة و قسوة هو منع التحدث باللغة الكردية ليس في مؤسسات الدولة فحسب بل و في الأماكن العامة ايضا ، فقد اشار والي اسطنبول في حديث له مع الصحفيين الى ذلك قائلا ( نحن نرغب في ان يحترم المواطنون الذين يتحدثون بغير اللغة التركية القانون و اعراف البلاد ، لأنهم بعملهم هذا ، اي بالتحدث بغير التركية يقلقون راحة المحيطين بهم … يجب اجبار هؤلاء على التحدث بالتركية ) (26).

من الضروري ان نشير هنا الى ان هسراتيان لم يتناول في هذه الدراسة القضية الكردية لوحدها بل بحث في موقف السلطات التركية من الأقليات القومية في البلاد بصورة عامة . ويكمن سبب ذلك برأيي في قلة المعلومات المترشحة عن الوضع الكردي في تركيا ، فقد كانت المنطقة الكردية معزولة عن العالم ويمنع الأجانب من دخولها لأي سبب كان و تخضع الأخبار الصادرة منها للرقابة الشديدة . كما دخلت الحركة القومية الكردية في كوردستان الشمالية مرحلة جزر مريعة بعد القمع الوحشي لأنتفاضة درسيم عام 1938 . ولم تشهد المنطقة الكردية التي كانت تخضع  للأجراءات الادارية و البوليسية القاسية اي تحرك سياسي ملحوظ خلال الأربعينات و حتى اواخر الخمسينات .

مع اواخر الخمسينات و بداية الستينات و بالتزامن مع اندلاع ثورة ايلول عام 1961 في كوردستان العراق لوحظت بوادر مد قومي جديد تمثلت في البداية في نشاطات ثقافية و سياسية و ظهور بعض التجمعات السياسية الكردية السرية و بعض التنظيمات الثقافية العلنية . كما لوحظت مساهمة الشباب الكرد بهمة و نشاط في حركات اليسار التركي ، وبدأ اقرانهم في المنافي و بخاصة في اوروبا ينظمون صفوفهم شيئا فشيئا و يصدرون بعض المنشورات .

وفي عام 1975 نشر هسراتيان تحت اسم (كيساروف) دراسة اخرى تناولت فترة جد مهمة و معقدة من تاريخ كرد تركيا نقصد بها سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى و ظهور الحركة الكمالية و حتى اعلان النظام الجمهوري في  عام 1923(27).

سبق و ان اشرنا الى تعقيدات تلك المرحلة و تداخل المواقف الدولية و الأقليمية و تشابكها بصورة ادت الى اختلال الموازين في الحركة الكردية و تقاطع المواقف السياسية فيها ازاء تلك التعقيدات . ولكن فكرة استقلال كوردستان كانت هي الأقوى لدرجة انها جذبت رئيس مجلس الأعيان العثماني الشيخ عبدالقادر النهري و الجنرال شريف باشا الذي مثل الكرد في مؤتمر فرساي (28).

ويشير الباحث الى المحاولات المحمومة التي بذلها الكماليون لبث الرعب في نفوس الكرد من (الخطر) الأرمني ، منتهجين في ذلك سياسة المداهنة تجاه الزعامات القبلية الكردية، اذ كان مصطفى كمال يخاطبهم في رسائله ب (ابناء امة واحدة و اخوة من نفس الوالدين ) . و يتجسد النفاق الكمالي في البرقية التي وجهها الى عبدالرحمن اغا الشرناقي ، إذ جاء فيها ( يعرف العالم كله اخلاصكم للبلاط و الخلافة ، ومن المؤكد انكم لن توافقوا على انتهاك ارضنا المقدسة من قبل الأرمن . أنا متأكد اكثر من اي وقت اخر خاصة وأنا اعرف خصالكم الحميدة و سجاياكم الكريمة بأنني سأراكم قريبا على رأس الوطنيين الذين سيضحون بأنفسهم على طريق الأمة و الوطن )(29). هكذا كان مصطفى كمال العلماني و رفاقه يدغدغون المشاعر الدينية عند الزعماء الكرد و يتحدثون عن (الأرض المقدسة) و التضحية بالغالي و النفيس من اجل (الأمة). وكان الأقطاعيون الكرد و زعماء القبائل من الغفلة بحيث انهم وقعوا في احابيل مصطفى كمال و انصاره و وقفوا بذلك من حيث لا يدرون عقبة كأداء امام حركة شعبهم ، و الذي سرعان ما تبين لطلائعه ان الحركة الكمالية تعمل على تحقيق اهداف لا تمت بصلة الى التطلعات الكردية ، بل وانها تهدف الى تكريس السيطرة التركية على كوردستان و استعباد شعبها . وقد تأكدت مخاوف الوطنيين الكرد بعد اقرار (الميثاق الوطني ) في مؤتمر سيواس و من ثم في البرلمان العثماني الذي سيطر عليه الكماليون قبل تفريقه من قبل الحلفاء. تمثل الرد الكردي انذاك في حركة ملاطية التي ساهم فيها بنشاط افراد العائلة البدرخانية امثال كامران و جلادت بدرخان و لكنها قمعت في مهدها . رغم قمع الحركة في ملاطية الا ان الكماليين لم يتمكنوا من القضاء على تطلعات الشعب الكردي ، و التي حصلت في جزء منها على اعتراف دولي في معاهدة سيفر . 

ويشير هسراتيان بصدد معاهدة سيفر الى سياسة الدول الأستعمارية التي كانت بطبيعة الحال مهتمة بمصالحها وليس بمصالح الشعوب التواقة الى الحرية و الأستقلال . وكانت نتيجة تلك السياسة ان معاهدة سيفر ولدت ميتة وبعد ان اتفقت الدول الأستعمارية على تأمين مصالحها في كوردستان غضت النظر بل وساهمت في تقطيع اوصالها لتحول بذلك القضية الكردية الى واحدة من اعقد مشاكل القرن العشرين ومن يدري ربما القرن الواحد و العشرين ايضا .

كما يشير هسراتيان في هذا الباب الى تحركات الشخصيات الكردية في هذه الفترة و بخاصة نشاطات خالد جبرانلي و يوسف ضياء و كذلك احداث انتفاضة قوجكيري التي حاول الكماليون أثناءها كسب الوقت من خلال ارسال الوفود (للتفاوض) مع المنتفضين الكرد و اطلاق الوعود بتحقيق مطالبهم ، في الوقت الذي سحبوا فيه قوات كبيرة من جبهة الحرب مع اليونانيين لقمع الحركة الكردية في منطقة درسيم في ربيع 1921 . تؤكد الحقيقة الأخيرة ، اي سحب قوات كبيرة من الجبهة وفي وقت عصيب جدا بالنسبة للكماليين ، خطورة تلك الأنتفاضة على مستقبل مصطفى كمال و انصاره و الذين استخدموا اساليب وحشية لقمعها . كما يشير هسراتيان الى لجوء الكماليين و في هذا الوقت المبكر من تاريخهم الى سياسة ابعاد المواطنين الكرد عن مواطنهم ، كما فعلوا ذلك مع الزعامات الكردية في درسيم . و الغريب ان السياسيين الكرد لم يدركوا هذه الحقيقة الا في وقت متأخر .

حاول هسراتيان تقويم الحركة الكردية في هذه الفترة مشيرا الى ابرز عناصر الضعف فيها و التي تمثلت في غياب الوحدة القومية و المذهبية في صفوف الكرد فضلا عن التناقض الصارخ بين أطماع الزعامات التقليدية و طموحات الجماهير الكردية العريضة، وهي السمة الملازمة للحركة الكردية الى يومنا هذا مع الأسف .كما كان لغياب التنظيم السياسي الموحد الذي كان بامكانه توجيه الحركة على طريق تحقيق اهدافها دوره السلبي في تطور الحركة الكردية ، اذ ان (جمعية تعالي كوردستان ) التي كانت تقود الحركة الكردية في هذه الفترة وكانت وراء انتفاضة قوجكيري ، اصبحت في هذا الوقت منظمة ميتة في واقع الحال . لذلك بقيت الأنتفاضة رغم سعة المنطقة التي شملتها و كثرة المشاركين فيها حركة محلية و ليست كردية شاملة .

ويؤكد هسراتيان على حقيقة لازالت تتسم بها القيادات الكردية و تتلخص في ان الزعماء الكرد المنقطعين عن جماهير شعبهم كانوا لا يستوعبون طموحات و آمال هذا الشعب ، ولم يكونوا مؤمنين بالطاقات الخارقة لشعبهم، بل كانوا يبنون حساباتهم على دعم هذه القوة الدولية او تلك وبذلك فسحوا المجال لتلك القوى لتلعب بمصير شعبهم و تحيك المؤمرات من وراء ظهره و تقرر مصيره في الصالونات و وراء الكواليس الدبلوماسية ، ويورد في هذا المجال الحديث الذي افضى به مصطفى كمال الى السفير السوفيتي أورلوف حول تشابك و تعقيدات القضية الكردية و اعترافه باستغلال انكلترا و تركيا و ايران للطموحات الكردية المشروعة لمصالحهم الخاصة. و يشير هسراتيان الى الأتفاقية التي عقدتها تركيا الكمالية مع حكومة الشيخ محمود في كوردستان الجنوبية و(اعترفت بموجبها تركيا باستقلال ذلك الجزء من كوردستان بزعامة الشيخ محمود الحفيد و اكدت بأنها لن تتدخل في شؤونها الداخلية و تكتفي بالأستعانة بقوات الشيخ محمود في وقت الحاجة فقط). وهكذا كانت تركيا (مستعدة) للأعتراف بحكومة الشيخ محمود مادامت الأخيرة تناهض الأنكليز ، في الوقت الذي كانت تقمع بوحشية حركات الشعب الكردي في كوردستان الشمالية ، كان ذلك كله قبل حل مشلكة الموصل (30). و عندما أثيرت قضية الشعب الكردي في مؤتمر لوزان كانت برقية الأعضاء الكرد في المجلس الوطني الكبير و الذين اعلنوا فيها أنهم لا يريدون الأنفصال عن اخوانهم الأتراك ، كافية (لأقناع ) الدول الأستعمارية بطي صفحة القضية الكردية و عدم الأشارة الى الكرد و حقوقهم في نصوص معاهدة لوزان 1923 .

ويمكننا ان نجزم بأن دراسته هذه تعتبر من اهم الدراسات التي تناولت الأوجه الداخلية للحركة القومية الكردية في كوردستان الشمالية خلال تلك المرحلة المعقدة و المليئة بالأحداث و المتناقضات وتشكل مع كتاب لازريف الأخير ( الأمبريالية و المسألة الكردية ) الذي تناول العناصر الخارجية للقضية الكردية و المواقف الدولية ازاءها في نفس المرحلة كلا مكملا.

ومما تجدر الأشارة اليه ان هسراتيان انشغل و لمدة ربع قرن تقريبا بجمع المعلومات و الحقائق المتعلقة بكوردستان الشمالية لأعداد اطروحته لدكتوراه العلوم (ناوك)، وكانت عن القضية الكردية في تركيا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى و حتى اواسط السبعينات من القرن العشرين (31).

نشر هسراتيان بالأشتراك مع نخبة من المهتمين بالدراسات الكردية من امثال ميخائيل لازريف وشاكرو  محويي وجليلى جليل و جيكاليناJigalina  دراسة تعتبر رائدة في بابها،نقصد بها دراستهم عن الحركة القومية الكردية في العصرين الحديث و المعاصر (32). وقد كتب هسراتيان الفصول و المباحث المتعلقة بالحركة القومية الكردية في كوردستان الشمالية منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى و حتى اوائل الثمانينات . يعتبر هذا الكتاب اول عمل علمي متكامل يتناول الحركة القومية الكردية منذ ظهورها و حتى اوائل العقد الأخير من القرن العشرين .

سأشير هنا فقط الى الفصول و المباحث التي تناولت الحركة الكردية في كوردستان الشمالية منذ الحرب العالمية الثانية لما فيها من وقائع و احداث قد تكون جديدة للكثير من القراء ، في حين ان الحقائق الواردة في الفصول التي تناولت مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية كان قد نشرها في دراساته السابقة و التي اشرنا الى اهمها اعلاه .

من المعروف ان الحركة القومية الكردية في كوردستان الشمالية كانت قد دخلت مرحلة جزر طويلة بعد القمع الوحشي للأنتفاضات التحررية الكردية التي اندلعت هناك في فترة ما بين الحربين العالميتين و كانت اخرها انتفاضة درسيم.رغم ان كوردستان الشمالية لم تشهد احداثا سياسية كبيرة اثناء و بعد الحرب العالمية الثانية، الا ان السلطات التركية كانت تتخذ الأجراءات الأحترازية لأستباق اية قلاقل تحدث هناك ، اذ ابقت قوات عسكرية ضخمة و مستعدة للعمل فورا في حال تحرك كردي . مع ذلك لم تتمكن تلك الأجراءات من عزل السكان الكرد عن الأحداث الجارية في كوردستان الجنوبية و الشرقية نقصد بها احداث جمهورية كوردستان و انتفاضة بارزان التي سبقتها .

رغم التطورات الكبيرة التي شهدها العالم بهزيمة النازية و الفاشية و عدم شعبية الأفكار القومية المتطرفة و العنصرية ، الا أن السلطات التركية بقيت تنكر وجود الشعب الكردي و تبقي سكان البلاد الكرد خلف ستار حديدي لمنع العالم من معرفة أي شئ عنهم . ولكن انكار وجود قضية كردية من قبل السلطات لم يعن بطبيعة الحال عدم وجودها. وجاء قيام نظام تعدد الأحزاب في تركيا وما كان يعنيه ذلك من تنامي تأثير و وزن اصوات الناخبين الكرد ليؤكد ما ذهبنا اليه. من المؤسف ان هذا التطور جاء لصالح الأقطاعيين و الزعماء القبليين الكرد وليس الجماهير الكردية العريضة . فقد نما نفوذ الأقطاعيين بتحكمهم باصوات الفلاحين و امكانية توجيهها لصالح هذا الحزب التركي او ذاك . وهكذا حدث تقارب بين الفئة الأقطاعية الكردية و الأوساط الحاكمة في تركيا و كان من نتائجها الغاء بعض الأجراءات و القوانين التعسفية بحق العديد من العوائل الأقطاعية الكردية (33).

ان اللعبة المزدوجة التي لعبها حزب الشعب الجمهوري مع السكان الكرد و نعني بها سياسة مداهنة الأقطاعيين و الزعماء القبليين و دعم مواقعهم في الوقت الذي اتبع سياسة الأضطهاد و القمع ضد الجماهير الكردية وقواها التحررية لم تسفر عن نتئج ايجابية لصالح الحزب المذكور ، بل جاءت نتائج انتخابات عام 1950 لتؤكد فشل تلك السياسات ، اذ فاز الحزب الديموقراطي فوزا ساحقا . وتميزت الولايات الكردية في دعمها للحزب الديموقراطي لا حبا بالحزب الجديد و برامجه السياسية بل نكاية بالحزب الحاكم الذي مارس سياسة القمع و الأبادة بحق االشعب لكردي لمدة تزيد على ربع قرن من الزمان  . وكان الحزب الديموقراطي قد نثر الوعود اثناء الحملة الأنتخابية . واصبح اللعب مع الأقطاعيين و الزعماء القبليين الكرد من اللعب التقليدية في الحياة السياسية التركية من قبل الأوساط الحاكمة و المعارضة على حد سواء. اما الوعود الأنتخابية فسرعان ماطواها النسيان واكثر من ذلك بدأ الحزب الديموقراطي الحاكم ينسق الجهود مع ايران و العراق و بمباركة كل من بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية لقمع اية حركة قومية كردية،إذ بدأت الجهود لأقامة حلف بغداد و كان التعاون بصدد القضية الكردية والأصح في قمع الحركة التحررية الكردية و تطلعات الكرد نحو الحرية و الأستقلال أحد العناصر المهمة   في هذا الحلف الأستعماري .

 أحدثت ثورة 14 تموز 1958 في العراق تغييرا هاما في المناخ السياسي و العلاقات الدولية في المنطقة و يبدو انها كانت وراء تحرك الجنرالات في تركيا للقيام بانقلابهم العسكري الأول في 27 ايار / مايس 1960 .لم يأت هذا الانقلاب بجديد على صعيد السياسة الرسمية التركية تجاه الكرد ، بل ان الزعماء الجدد سرعان ما اعلنوا تمسكهم بسياسة الأضطهاد القومي ، بل و اتهموا الحزب الديموقراطي بالتراخي ازاء النشاطات الكردية. ولم تشمل قرارات العفو عن السجناء السياسيين الناشطين الكرد بل بدأوا حملات جديدة من الأعتقالات في صفوف الأخيرين بتهمة النشاط السياسي و تهديد (وحدة البلاد ) . فقد اعتقل 24 كرديا بتهمة النشاط المعادي (لأمن الدولة التركية ) . وسن زعماء الأنقلاب قانونا جديدا تحت رقم 105 في 17 أكتوبر 1960 يقضي بنفي العوائل الكردية التي يشتبه في نشاطاتها الى الولايات الأخرى من البلاد.

وكان هذا القانون مكملا لقانون التهجير رقم 2510 . جرى في كانون الأول من العام التالي نفي 55 شخصية كردية من كوردستان الى ولايات انطاكية، ازمير ، بوردور ، موله ، افيون ، اسبارطة ، مانيسه ، جروم و دينزلي . وكان 54 من هؤلاء اعضاء في الحزب الديموقراطي أما الآخر فكان عضوا في حزب الشعب الجمهوري . كما جرى طرد 147 استاذا من الجامعات اتهم بعضهم بالعمل على اقامة دولة كردية مستقلة (34).

وأثناء مناقشات الدستور الجديد جرى التركيز على ضرورة تبني المفاهيم القومية العنصرية، حتى أن زعيم الأنقلابين الجنرال جمال كيورسل اكد على ضرورة التمسك بمفاهيم (القومية التركية - التوركيزم ) بمفاهيمها الأشد عنصرية وعدوانية . وقد اشار بهذا الصدد قائلا (اننا نخوض نضالا مريرا ضد الكورديزم و يجب ان تتحول امتنا الى امة تركية واحدة ، كما يجب ان تعود تركيا للأتراك ، ولو تنازلنا اليوم عن هذا الهدف فلن يكون هناك تركي واحد بعد خمسين عاما ) (35) .

وعندما تبين للكرد سياسات النظام الجديد بدأوا يجمعون قواهم للنضال من اجل حقوقهم القومية ، وتميز المثقفون الكرد في نشاطاتهم خلال مرحلة ما بعد انقلاب 1960 إذ أصدروا بعض الجرائد و المجلات ك (دجلة و الفرات Dicle - Firat ) و ( ده نك Deng ) . و بدأت التنظيمات السياسية الكردية و أخرى خاصة بالأقليات القومية في تركيا تمارس نشاطاتها بصورة سرية . فقد أسس الوطنيون الكرد منذ منتصف الستينات و في ظل القمع الحكومي بعض الأحزاب السياسية السرية مثل الحزب الديموقراطي الكوردستاني ، الذي طالب بالحكم الذاتي الأداري و الثقافي للكرد في إطار الجمهورية التركية . واكد الحزب وقوفه الى جانب الثورة الكردية في جنوب كوردستان . وعقد الحزب مؤتمره الأول عام 1970 و أقر برنامجه و نظامه الداخلي و أكد على حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في تركيا . الى جانب الحزب الديموقراطي الكوردستاني كانت هناك تجمعات سياسية أخرى مثل (حزب تحرير كوردستان ) و ( منظمة مناضلي كوردستان ) تمارس نشاطاتها بسرية تامة . كما كانت هناك تنظيمات علنية ظهرت بتشجيع من الكتلة الكردية في حزب العمل التركي و تميزت في هذا المجال مراكز الثقافة الثورية الشرقية (DDKO ) التي فتحت فروعها في معظم مدن كوردستان فضلا عن مراكزها الرئيسية في أسطنبول و انقرة و غيرها وبلغ عدد المنتمين اليها اكثر من عشرين الف شخص . مارست هذه المراكز نشاطا سياسيا و ثقافيا واسعا و تميزت منشوراتها و اصداراتها بالجرأة و التحدي ، اذ بدأت تستخدم عبارات ( شعوب تركيا ) ، كما استنكرت حملات القمع التي كانت تقوم بها قطعان الكوماندوس و الجندرمة في كوردستان ، إذ أصدر فرعا أسطنبول و انقرة خلال عامين فقط ( 1969 - 1971 ) تسع نشرات و 24 وثيقة من بينها رسائل موجهة الى رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء . وكانت هذه الجمعيات تمارس نشاطاتها بالتعاون مع حزب العمل الذي اكد في مؤتمره الرابع في اكتوبر 1970 على (وجود الشعب الكردي في تركيا و ادان سياسة القمع و الصهر القومي التي تبنتها الحكومات التركية المتعاقبة و التي اتخذت في العديد من الحالات شكل حملات دموية ) . كما اكد الحزب على دعمه لنضال الشعب الكردي من اجل نيل حقوق المواطنة المتساوية و تحقيق الحياة الديموقراطية الدستورية . ودعا الحزب الى تعاون القوى الديموقراطية و التقدمية الكردية و التركية للعمل معا من اجل القضاء على التعصب العنصري و الأيديولوجية الشوفينية في اوساط الطبقات الكادحة و الأشتراكيين (39).

 شكلت قرارات المؤتمر الرابع لحزب العمل التركي ظاهرة جديدة في الحياة السياسية التركية و أدت الى التقارب بين الوطنيين الكرد و اليسار التركي . من المؤسف ان هذا الصوت العقلاني ضاع وسط صياح و عربدة العنصريين و الفاشيين الذين بقوا يصرون على انتهاج سياسة القمع و القهر القومي بحق الشعب الكردي و الأقليات القومية في تركيا . كما اثار هذا التقارب بين الوطنيين الكرد و قوى اليسار التركي النوازع العدوانية لدى الأوساط العنصرية التي بدأت من خلال قوات الكوماندوس و الجندرمة الخاضعة لسيطرتها حملات مداهمة و تفتيش و اسعة شملت معظم المدن و القصبات الكردية ومارست هذه القوات سياسات الأذلال و الأهانة و الأعتداء بحق المواطنين الكرد. ولم تتمكن حملات الأستنكار التي قامت بها القوى الديموقراطية من ردع هذه القوات من مواصلة سياساتها في كوردستان . وتميز الخطاب السياسي الكردي بنضج ملحوظ  و جرى تحديد الأعداء الحقيقيين للكرد و الحركة الديموقراطية في البلاد ، كما جرى التأكيد على ضرورة البحث عن اساليب جديدة للنضال . وتشكل تجارب هذه الفترة حلقة مهمة من حلقات النضال القومي الكردي في تركيا ، اذ خلقت ارضية مناسبة للأنتقال الى مرحلة اكثر تقدما في العقدين التاليين . اما الأوساط الحاكمة في تركيا فقد ظلت تردد اتهاماتها للتحركات الكردية بالعمل على تفتيت وحدة البلاد تارة و خدمة المخططات الشيوعية تارة اخرى (40) .

وعندما توضحت فشل حملات الكوماندوس و الجندرمة في كسر شوكة الوطنيين الكرد و الحركات اليسارية التي أخذت تشكل ثقلا مهما في الحياة السياسية التركية في البلاد ، لجأ الجنرالات مرة أخرى و بمباركة من الأوساط الحاكمة و من ورائها الولايات المتحدة الأمريكية و حلف الناتو للقيام بأنقلاب جديد في اذار 1971 والذي عرف بانقلاب المذكرة . جرى بعد الأنقلاب تشكيل حكومة (غير حزبية) سرعان ما بدأت حملة قمع واسعة ضد القوى اليسارية و الشخصيات الكردية واعلنت الأحكام العرفية في العديد من المدن الكبرى و في كوردستان . فبعد اقل من شهرين من الأنقلاب بدأت المحاكم العسكرية بمحاكمة 22 كرديا ، كانوا جميعا اعضاء في (DDKO ) ، بتهمة التخطيط لأقامة دولة كردية مستقلة . كما جرى اعتقال عدد من الكتاب و المثقفين الكرد من امثال موسى عنتر ، محمد امين بوزارسلان ، كمال بورقاي ، مهدي زانا ، طارق ضياء ايكنجي ، جانيب يلدرم ، ناجي كوتلاي ، يوسف ايكنجي و مئات غيرهم من الشخصيات الثقافية و السياسية الكردية . ووفق بعض الأحصائيات جرى اعتقال اربعة الاف كردي في دياربكر و سيلفان فقط . كما اقرت ادارة الأحكام العرفية في ولايات دياربكر و سيرت باعتقال عشرة الاف شخص حتى منتصف عام 1972 . وجرت في مايس من العام نفسه محاكمة 40 كرديا بتهمة الأنتماء الى الحزب الديموقراطي الكوردستاني . وحكم على عالم الأجتماع التركي اسماعيل بيشكجي في اب من العام المذكور بالسجن لمدة 13 عاما بتهمة (الشيوعية و الدعاية الكردية) فضلا عن اتهامه بالدعاية للأفكار (الهدامة) أثناء عمله بجامعة اتاتورك في ارضروم خلال الأعوام 1967 و 1971 و نشاطاته في حزب العمل التركي و الشباب الثوري (dev- Genc   و DDKO ) . رغم ذلك جرى في منتصف السبعينات  تشكيل احزاب و تنظيمات سياسية كردية جديدة ك ( الحزب الأشتراكي الكوردستاني في عام 1974 ) و منظمة (طريق الحرية ).

بقي الحزب الديموقراطي الكوردستاني ، الذي شهدت برامجه تحولا نوعيا ، من اقوى التنظيمات الكردية في تركيا. كما جرى تشكيل مكاتب ثقافية للنساء و المعلمين تابعة للحزب .

ويشير مانفيل هسراتيان  في الصفحات الأخيرة من الكتاب الى تنامي النشاط الكردي في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات و ما رافق ذلك من اشتداد حملات القمع و الملاحقة . كما اكد على ان قمع النشاط السياسي الكردي كان من بين الأهداف الرئيسية للأنقلاب العسكري في 12 أيلول من عام 1980 . وقد دخل هذا النشاط مرحلة جديدة بظهور حزب العمال الكوردستاني P.K.K الذي بدأ يشكل فرقا مسلحة لمقاومة السلطات التركية . وهكذا عادت المقاومة المسلحة الى الواجهة بعد ركود استمر لنصف قرن تقريبا . لقد نال الحزب الجديد الشعبية بعد لجوئه الى المقاومة المسلحة . وبكمن السبب  برايي في سياسات القمع التركية لأي تحرك كردي و قطع الطريق على الوطنيين الكرد من ممارسة النشاط السياسي السلمي . وجاءت تصريحات قادة الأنقلاب العسكري الجديد لتقنع الكرد بأن موجة جديدة من القمع الوحشي و الأضطهاد القومي في انتظارهم . فقد صرح زعيم الأنقلاب كنعان ايفرين لمجلة (دير شبيغل ) الألمانية في 19 نوفمبر 1981 قائلا( لقد تمرد الكرد في ظل الدولة العثمانية و في عهد اتاتورك مرات عديدة . نحن امام مخطط شيطاني ، فعندما تضعف الدولة التركية يتمرد الكرد و يريدون تقسيم البلاد بمساعدة القوى الأجنبية نعم الكرد موجودون و لكننا لن نسمح لهم بتقسيم البلاد و لن يحصلوا على شئ منا ، سنعمل كل ما من شأنه لقلع جذور هذه المسألة ) (41).

وجرى تثبيت مبادئ سياسة الأضطهاد القومي و قمع الشعب الكردي في الدستور الجديد الذي فرض على الناس في تركيا عبر استفتاء صوري جرى في ظل الأحكام العرفية و الطوارئ و سيادة حملات القمع و الملاحقة ضد القوى  الديموقراطية و اليسارية و القومية الكردية و ذلك في السابع من نوفمبر من عام 1982 .

 شكل الدستور الجديد ، الذي رفض طموحات الشعب الكردي و الأقليات القومية في تركيا ، خطوة الى الوراء حتى بالمقارنة مع دستوري عام 1924 و 1961 . وبما أن سياسات الدول تبنى على دساتيرها، كان لابد من التوقف عند بعض بنود القانون الأساسي التركي (دستور عام 1982 ).

رغم تبجح مسني الدستور بالمساواة بين المواطنين في ممارسة حياة لائقة في ظل (الثقافة القومية)والتقدم الأجتماعي و النظام لقانوني و ضرورة تطوير المواطن لنفسه في ظل هذه الأجواء معنويا و ماديا ، الا أن المواطن المقصود دائما هو المواطن التركي و ليس مواطن الجمهورية التركية . و يعني هذا ببساطة ان أكثر من ثلث مواطني البلاد لا يشملهم هذا التوصيف . 

ورغم ان المادة (10) تشير الى مساواة الجميع امام القانون بغض النظر عن اختلاف الدين أوالعرق أو اللون أو المعتقد  السياسي . الا أن نظرة سريعة على مواد الدستور تظهر زيف هذه الأدعاءات و عدم مطابقتها مع الواقع. فقد نصت ديباجة الدستور و مقدمته على إنصياع الدولة التركية (لمفهوم اتاتورك القومي) و أن السيادة التامة الغير مشروطة تعود (للأمة التركية ) . هذا فضلا عن عشرات المقولات التي تزخر بها ديباجة الدستور و مواده مثل ( الوطن التركي الخالد ) و ( الدولة التركية المقدسة ) و (الأمة التركية العظيمة ) . فأين هذا من مبدأ مساواة الجميع أمام القانون ؟.

تعطي المادة (70) من الدستور الحق (لكل تركي في تسنم مناصب الدولة) ، أما المادة (76 ) فتنص على ان (لكل تركي بلغ الثلاثين من العمر الحق في ان ينتخب الى البرلمان ). ويطرح هسراتيان سؤالا مشروعا: وكيف الأمر ياترى مع غير التركي ؟ . وتجد مغالطات الأوساط التركية الحاكمة بشأن تحديد انتماءات السكان القومية انعكاساتها في مواد الدستور ، اذ تعتبر المادة (66) منه (كل من ارتبط بالدولة التركية برباط المواطنة تركيا). ولكن الغريب في الأمر ان تلك الأوساط نفسها لا تؤمن الا بسياسة التتريك لنيل شرف المواطنة . وتناقض المادة (44) ماجاء اعلاه ، اذ تشير الى منع تدريس اية لغة سوى التركية كلغة ام  في جميع مؤسسات التعليم ، اي منع الأطفال الكرد من التعلم بلغتهم الأم . كما منعت المادة (26) نشر الأفكار السياسية باللغات الممنوعة قانونا(42).  و اللغة المقصودة هنا طبعا هي اللغة الكردية . وهناك مواد أخرى كثيرة تكرس كلها سياسة الأضطهاد و الصهر القومي . و الغريب ان هناك دولا و منظمات كثيرة لاتجد في كل ذلك سببا لوصف تركيا بدولة غير ديموقراطية و لازالت تترد في ادانة سياساتها العنصرية بحق مواطنيها الكرد . بدأت دول الأتحاد الأوروبي أخيرا تولي هذه القضية المتأزمة شيئا من الأهتمام بالتزامن مع المحاولات التركية للأنضمام الى هذا الاتحاد . ولعل أصدق وصف للسياسة الأستعمارية التركية ازاء الشعب الكردي جاء على لسان عالم الأجتماع التركي اسماعيل بيشكجي الذي أعتبرها اسوأ بكثير من سياسات التمييز العنصري في جنوب افريقيا.

ويورد هسراتيان حقائق كثيرة عن منع السلطات التركية للسكان الكرد من التحدث بلغتهم و نشر الجرائد و المجلات بها أو الأستماع الى اغانيهم و ارتداء أزيائهم القومية . و قامت  تلك السلطات بمحاكمة الكتاب و المثقفين الكرد الذين تحدوا هذه القرارات و أصدروا بين وقت و آخر بعض الجرائد و المجلات و الكتب الكردية . كما لجأت الأجهزة التركية السرية الى إغتيال الكتاب و الصحفيين و دعاة حقوق الأنسان الكرد. فبموجب الأرقام التي اوردتها الصحافة الكردية في المهجر جرى خلال ثلاث سنوات اعقبت انقلاب ايلول 1980 اعتقال و حجز اكثر من 170 الف شخص توفي اكثر من 200 منهم تحت التعذيب على ايدي رجال الأمن التركي ، و قتل 700 شخص اثناء حملات الملاحقة .كما جرى اعدام 48 شخصا و حكم على 170 آخرين بالأعدام . ولجأت أعداد كبيرة من الوطنيين الكرد الى خارج البلاد ، حيث بدأوا يمارسون نشاطا سياسيا و اعلاميا ملحوظا الأمر الذي دفع بالسلطات الى سحب جوازات سفر عدد كبير منهم . ولم تتخلف الحكومة التركية عن حليفاتها في اتباع سياسة الأرض المحروقة في كوردستان و تدمير القرى و القصبات الكردية و اقامة احزمة امنية بعمق عشرات الكيلومترات على طول الحدود مع سوريا و العراق و ايران لمنع احتكاك الكرد على طرفي الحدود و خلق عقبات اكبر امام الحركة القومية الكردية و عملية التكامل القومي و الأقتصادي للأمة الكردية .

وشهدت كوردستان الشمالية خلال الثمانينات و التسعينات نشاطا عسكريا كبيرا ليس ضد مقاتلي حزب العمال الكوردستاني فحسب بل وضد الشعب الكردي بأسره . واكتفت الدول الحليفة لتركيا باصدار بيانات خجولة عن  انتهاك حقوق الأنسان على ايدي السلطات التركية . واصلت تركيا في الوقت نفسه التعاون الوثيق في قمع الحركة القومية الكردية مع جاراتها و بخاصة مع النظام البعثي في العراق ، اذ شهدت هذه الفترة عمليات توغل واسعة للجيش التركي داخل اراضي كوردستان العراق لملاحقة المقاتلين الكرد على طرفي الحدود .

لقد حاولت الحكومات التركية المتعاقبة تصوير القضية الكردية على انها نتيجة للتخلف الأقتصادي والأجتماعي والثقافي للمنطقة الكردية دون التطرق الى جوهرها القومي السياسي . ورغم ما لتلك النواحي من دور كبير في تأزم الوضع في كوردستان الشمالية ، الا أن اهمال الجانب القومي و السياسي لن يؤدي الى حل عادل و دائم لهذه القضية التي لازمت الجمهورية التركية على مدى تاريخ وجودها .

قامت الحكومة التركية من منطلق فهمها المبتور للقضية الكردية بأقامة بعض المشاريع في كوردستان كمشروع جنوب شرق الأناضول ( GAP ) وذلك لأمتصاص نقمة السكان الكرد الذين يكنون العداء لها لنهبها لثروات بلادهم و اهمالها لها و عدم تذكرها الا اثناء الأنتخابات او الحملات القمعية و جمع الضرائب . ولكن هذه المحاولات جاءت متأخرة جدا و لم تجد شعبية تذكر بين المواطنين الكرد الذين فقدوا الأمل نهائيا في الحكومات التركية المتعاقبة. كما تجني الأوساط الحاكمة الآن ثمار ما غرستها في نفوس الأجيال التركية خلال عقود من الزمن من الأفكار العنصرية و مفاهيم الأستعلاء القومي و قمع الآخرين ، اذ تجد صعوبة كبيرة في اقناع الجنرالات و الزعماء السياسيين الغارقين في الشوفينية بالقيام بأية خطوة مهما كانت تافهة على الغاء السياسات العنصرية بحق الشعب الكردي و الأقليات القومية و الدينية في تركيا . ولن يؤدي الأعتراف الخجول بالوجود الكردي أو السماح بأستخدام الأخيرين للغتهم الى حل القضية الكردية هناك . ظهرت بوادر كثيرة على افلاس السياسة الرسمية التركية في مجال التعامل مع القضية الكردية ، ولم تجد معها محاولات الحكومة في احياء النفوذ الأقطاعي في كوردستان أو تجنيد المرتزقة ضد الحركة القومية الكردية هناك . الغريب انها لم تأخذ العبرة من حليفتها في قمع الكرد، الحكومة العراقية التي جندت بدروها قطعانا كبيرة من المرتزقة ، الذين سرعان ما انقلبوا عليها ، عندما شعروا بأنها ايلة الى السقوط بعد حرب تحرير الكويت . 

من المآخذ على هسراتيان ، انه حاول شأنه شأن كل الكتاب السوفيت تصوير الحزب الشيوعي التركي كقوة مؤثرة في الحياة السياسية التركية،رغم ان شيئا من هذا لم يلاحظ منذ عام 1921 عندما قام عملاء مصطفى كمال بالتخلص من قادة الحزب الشيوعي التركي في مؤامرة وحشية ، و حتى قيام البيريسترويكا التي اودت بحياة المعسكر الأشتراكي. لقد كان مجبرا على ذلك من منطلق حزبية العلم في ظل الحكم الشيوعي و الأستشراق الحزبي ، الا ان ذلك لا يقلل من قيمة جهوده العلمية المخلصة .

لقد كشف في دراساته إستنادا الى المصادر الأصيلة السياسة العنصرية للأوساط التركية الحاكمة و معها الأحزاب الرسمية في السلطة و المعارضة، واظهر بطلان العديد من اراء اساطين الأستشراق الحزبي السوفيتي و الأستشراق الأستعماري الغربي بحق الحركة التحررية الكردية في كوردستان الشمالية. واكد على ارهاب الدولة التركية و اعطى الكرد كل الحق في الرد على ذلك الأرهاب . ويقف هسراتيان في موقفه هذا من القضية الكردية الى جانب الكتاب و الباحثين المنصفين امثال اسماعيل بيشكجي و هادي العلوي و عزيز شريف و كاظم حبيب و غيرهم .

لقد عاد هسراتيان و أجمل جهوده و دراساته في كتاب قيم أصدره عام 1990 في يريفان باللغة الروسية و حمل عنوان ( كرد تركيا في المرحلة المعاصرة ). يقع كتابه هذا في 385 صفحة و استند في تأليفه على 261 مصدرا و مرجعا باللغات الروسية ، التركية ، الأرمنية ، الفرنسية و الأنجليزية . وترجم الكتاب الى اللغتين الكردية

و التركية (43).

خصص الفصل الأول من كتابه هذا للحديث عن القضية الكردية في تركيا خلال الحركة الكمالية (1918-1924) ، واشار فيه بالتفصيل الى نشاطات المنظمات و الشخصيات السياسية الكردية بعد الحرب العالمية الأولى و حركات  ملاطية (1919 ) و قوجكيري (1920-1921 ) المناهضة للكماليين بعد أن أدرك الوطنيين الكرد المواقف العدائية للأخيرين تجاه الشعب الكردي و طموحاته القومية المشروعة. وألقى الضوء على المناقشات التي دارت بشأن القضية الكردية في مؤتمر لوزان .ختم هسراتيان هذا الفصل بتحليل مواد الدستور التركي الأول الذي أهمل الحقوق الكردية كليا . ورغم تناول هسراتيان هذه المواضيع في دراساته السابقة ، ألا اننا نلاحظ بأنه أضاف الكثير من الحقائق التاريخية الجديدة و أستعان بمجموعة من المصادر و المراجع الحديثة .

شكلت أحداث الأنتفاضة الكردية الكبرى في عام (1925 ) المعروفة بانتفاضة الشيخ سعيد بيران مادة الفصل الثاني من كتاب هسراتيان هذا . ويظهر تخصيصه لستين صفحة من الكتاب للحديث عن التحضير للأنتفاضة و أحداثها و الأجراءات القانونية و الأدارية القمعية التي اتخذتها الحكومة الكمالية و إعدام قادتها ، الأهتمام الكبير الذي اولاه لهذا الحدث الكبير في التاريخ الكردي المعاصر . و شخص طبيعة الأنتفاضة القومية و التحررية استنادا الى المصادر الأصيلة مكذبا بذلك طروحات التاريخ الرسمي التركي و العديد من المستشرقين السوفيت و الغربيين . كما بين العلاقة الجدلية بين احداث الأنتفاضة و وضع نهاية لمشكلة الموصل .

وكرس الفصل الثالث من كتابه للحديث عن سياسات الكماليين بحق السكان الكرد بعد القمع الوحشي لأنتفاضة عام 1925 و رد الأخيرين على تلك السياسات بانتفاضة جديدة هي انتفاضة اغري أو ارارات بقيادة المنظمة القومية الكردية خويبون خلال اعوام (1927 -1931 ). واوضح هسراتيان في هذا الفصل تعاون تركيا و جيرانها في قمع الحركة التحررية الكردية . وشكل هذا التعاون حجر الزاوية في سياسات هذه الدول على مدى القرن الماضي و لم تخلو أية اتفاقية ثنائية او جماعية بينها من البند الخاص بالوقوف بوجه التطلعات القومية الكردية .

وشكلت الاحداث التي سبقت و رافقت انتفاضة درسيم التحررية (1937-1938 ) و السياسات التركية (لحل ) القضية الكردية نهائيا  في ثلاثينات القرن الماضي المواضيع الأساسية للفصل الرابع من كتاب مؤلفنا . وكانت هذه الأنتفاضة نهاية لمرحلة تاريخية مهمة في حياة كرد تركيا . ومن هنا حاول هسراتيان ان يحدد في نهاية هذا الفصل من كتابه الملامح الرئيسية للحركة التحررية الكردية في كوردستان الشمالية في عشرينات و ثلاثينات القرن العشرين .

بينما تناول في الفصل الخامس القضية الكردية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية . و تؤشر الفترة التاريخية الطويلة نسبيا (1945-1970 ) التي تناولها هذا الفصل حالة الجزر التي عاشتها الحركة الكردية في تركيا بعد قمع الأنتفاضة الكردية الأخيرة في درسيم عام 1938 .كما عاشت كوردستان خلال هذه الفترة معزولة عن العالم الخارجي بستار حديدي و عانى الباحثون من ندرة في المعلومات عن حقيقة الأوضاع هناك . حاول هسراتيان ان يسد هذه الثغرة من خلال اعطاء صورة عن عدد السكان الكرد في تركيا و عن الواقع  الأقتصادي و الأجتماعي المؤلم الذي كانوا يعيشون في ظله. وسلط الأضواء على سياسة السلطات التركية ازاء الشعب الكردي بعد انقلاب عام 1960  كما اشار الى تنامي النشاط السياسي والثقافي الكردي في النصف الثاني من الستينات و الذي قادته المنظمات الثقافية و الأجتماعية الكردية. والقى الأضواء على التجمعات الجماهيرية التي شهدتها مدن كوردستان ضد السياسات الحكومية و كذلك على حملات القمع التي كانت تقوم بها قوات الجندرمة و الجيش و الكوماندوس في كوردستان ضد الوطنيين الكرد و اعضاء التنظيمات اليسارية و الديموقراطية التركية .

وخصص الفصل الأخير من كتابه للحديث عن الحركة الكردية والأحداث السياسية المهمة في سبعينات و ثمانينات  القرن الماضي ، ملقيا الأضواء على انقلاب عام 1971 المعروف بانقلاب (المذكرة) و معتبرا اياه مؤامرة بين حكومة سليمان ديميريل و الجنرالات لقطع الطريق على تنامي وزن و دور القوى الديموقراطية و اليسارية و الحركة القومية الكردية في البلاد . كما اشار في هذا الفصل الى البرامج السياسية للأحزاب المختلفة وبخاصة فيما يتعلق بمواقفها من القضية الكردية و رسم صورة معبرة عن تناسب القوى السياسية عشية انقلاب 12 أيلول 1980 . كما القى الأضواء على سياسة القمع التي انتهجتها الطغمة العسكرية  بحق الوطنيين الكرد و القوى الديموقراطية و اليسارية التركية . وحلل كذلك مواد الدستور التركي الجديد لعام 1982 مشخصا دورها في تثبيت اركان حكم الجنرالات في تركيا . واشار الى محاولات القوى السياسية الكردية الى توحيد جهودها من اجل تحقيق أهدافها و نيل حقوقها القومية .

ولخص هسراتيان في خاتمة كتابه الأستنتاجات التي توصل اليها خلال دراساته عن القضية الكردية في تركيا . كما ذيل الكتاب بفهرست للأسماء و المواقع الجغرافية و قائمة المصادر والمراجع التي اعمتد عليها .

أولى الكتاب الكرد مانفيل هسراتيان الأهتمام الذي يستحقه و قيمت كتاباته عاليا من لدن الدكتور كمال مظهر أحمد و الأستاذ جلال الدباغ و كاتب هذه السطور و غيرهم (44). 

لقد تعرفت على هسراتيان و زاملته في قسم الدراسات التركية بمعهد الدراسات الشرقية في موسكو و التقيته مرات عديدة في التسعينات في برلين و موسكو و أمستردام و لوزان و أهداني كتبه و دراساته الجديدة و منحني حق ترجمتها الى العربية او الكردية و من بينها ( كرد الأتحاد السوفيتي، وضع الكرد في تركيا، التشريع التركي و الكرد ، الأتحاد السوفيتي و كرد الخارج و التشريع التركي في فترة ما بين الحربين العالميتين ) وقمت بترجمة بعضها الى العربية و الكردية . 

الهوامش و المصادر :

1.ك . فاسيلييف ، اسباب الأنتفاضات الكردية و قواها المحركة ، مجلة - المشاكل الزراعية - الكتابان (9-10) موسكو ، 1931 ، ص 102 .(بالروسية ).

2 . ورد اسم هسراتيان بصيغ متعددة مثل اسراتيان و كسراتيان و حسراتيان ، كما نشر تحت اسم كيساروف ايضا. آثرنا صيغة هسراتيان الأرمنية رغم انه نشر اكثر نتاجاته تحت اسم كسراتيان .

3 . انظر مقالنا الموسوم _ حياة و نتاجات المستكردين السوفيت - نيركز - مجموعة ادبية ثقافية ، الباقة الأولى ، كركوك 1985 ( بالكردية ).

4.   م . أ . هسراتيان ، المسألة القومية في تركيا 1919 - 1938 ، أطروحة دكتوراه غير منشورة ، موسكو 1956 (بالروسية ).

5.    اقتبس هسراتيان معلوماته هذه من التقارير و المصادر السرية السوفيتية التي كان الكتاب و الباحثون يمنعون من الأشارة اليها في دراساتهم و كتاباتهم .

6.    Istatistik Yilligi , c 4-5, 1931 -1932 , ss. 63-70

7.    هسراتيان ، المصدر نفسه ، ص 40 .

8.    المصدر السابق ، ص 125 .

9.    حول هذه القوانين و مضامينها انظر : د.جبار قادر ، حول المصادر التركية للتاريخ الكردي ، مجلة -روشنبيرى نوى - العدد 106 ، بغداد 1985 (بالكردية ). 

10. لا نود التوقف عند (التحليلات العلمية ) للكتاب الأتراك بصدد الكرد و اصلهم و تاريخهم و لغتهم لأنها لا تثير الا السخرية عند القراء و لحسن الحظ بدأوا يتخلون عنها شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة .

11. Kucuk Istatistik Yilligi , nr.330. Ankara 1951 , s.60.

12. الجمهورية التركية ، تأليف نخبة من المستشرقين السوفيت ، موسكو 1975 ، ص 30-31 (بالروسية) .

13. هسراتيان ، المصدر نفسه ، ص 60 ، 75 .

14. مما يؤكد رأينا المذكور قيام المستشرق المعروف م . س. لازريف بتخصيص كتابه الأخير لدراسة هذه المرحلة التاريخية المهمة و المعقدة ، انظر : م . س. لازريف ، الأمبريالية و المسألة الكردية 1917 -1923 ، موسكو 1989 (بالروسية ) . ترجم الكتاب الى العربية و نشر تحت عنوان - المسألة الكردية .

15. هسراتيان ، المصدر نفسه ، ص 85 : أنظر كذلك :Dr.Nuri Dersimi , Dersim ve Kurt milli                     mucadelesine dair hatiratim , 2 basin, Ankara 1992 .     

*) قمت بترجمة هذا المقال من الروسية و نشرته مع مقدمة و تعليقات في كتيب باللغة الكردية في هولندا . أنظر: 

 أبو القاسم اللاهوتي ، الكورد و كوردستان ، ترجمة وتقديم وتعليق الدكتور جبار قادر،روتردام 1998 .

16. نشرت هذه العبارات في جريدة ملييت : Milliyet, 19.9.1930 & 17.10.1931 وللمزيد من التفاصيل حول تلك التصريحات انظر : مجلة اخبار اكاديمية العلوم السوفيتية ، العدد 8 ، موسكو 1949 (بالروسية).

17. انظر جرائد : Kim , 24.4.1961  و Hurriyet , 24.10.1960 .

18. تعرف هذه الأنتفاضة في المصادر التاريخية خطأ بانتفاضة الشيخ سعيد . اطلق الأتراك على الأنتفاضة تسمية عصيان او تمرد  الشيخ سعيد وذلك للتقليل من قيمتها و أهميتها التاريخية و ابعادها السياسية و القومية. الغريب أن الكتاب الكرد تلقفوا التسمية دون تمحيص ليبدلوا كلمة عصيان بثورة او انتفاضة . وهذه ظاهرة ملفتة للنظر في التاريخ الكردي ، اذ ان اغلب الأنتفاضات الكردية تسمى باسماء قادتها .فنجد مثلا تسميات انتفاضة الشيخ عبيدالله و حركات الشيخ محمود و حركات سمكو الخ . وهدف الذين اطلقوا هذه التسميات واضح و هو اظهار هذه الأنتفاضات بانها حركات قامت لتحقيق اطماع الزعماء الشخصية و الأقليمية . اشير هنا فقط الى ان الشيخ سعيد مثلا وجد نفسه على راس انتفاضة عام 1925 بمحض الصدفة بعد اعتقال المخططين و القادة الحقيقيين لها و مع ذلك ظهر كتابان باللغة التركية يحملان عنوان ( عصيان الشيخ سعيد) رغم معرفة كاتبيهما بحقائق الأمور . أنظر :Metin Toker, Seyh Sait ve Isyani ,Ankara 1968             

                                   Behcet Cemal, Seyh Sait Isyani, Istanbul 1955.

19. هسراتيان ، المصدر نفسه ، ص 161 .

20.  ترجم الكتيب الى العربية و الكردية ، أنظر  البروفسور م. أ. هسراتيان ، كردستان تركيا بين الحربين ، ترجمة د.سعدالدين ملا و بافي نازى ، بيروت 1987 : م. هسراتيان ، انتفاضة الكرد عام 1925 ، ترجمة جلال الدباغ ، السويد 1988 ( بالكردية). تحوي الترجمة الكردية اخطاء كثيرة في الهوامش و أسماء المواقع   و المدن و الشخصيات .

21. هسراتيان ، المصدر نفسه ، ص 206 .

22. م.أ . أسراتيان ، سياسة الأوساط  التركية الحاكمة تجاه السكان الكرد خلال 1924 - 1939 ، مجلة- الأخبار الموجزة لمعهد شعوب اسيا - المجلد 30 ، موسكو 1960 ، ص 120 ، 137 (بالروسية).

23. المصدر السابق ، ص 126 - 128.

24. نشر هسراتيان هذه الدراسة في كتاب : ( مشاكل تركيا المعاصرة ) تاليف نخبة من المستشرقين السوفيت . موسكو 1963 (بالروسية ).

25. للمزيد من التفاصيل عن ذلك الأنقلاب انظر دراستنا الموسومة : انقلاب عام 1960 . تحليل دوافعه الأقتصادية و السياسية ، مجلة - دراسات تركية - العدد الأول . جامعة الموصل 1991 .

26. مشاكل تركيا المعاصرة ، ص 141. أنظر كذلك : Kim , 24.4.1961.

27. م. أ. كيساروف ، المسألة الكردية في تركيا منذ قيام الحركة الكمالية و حتى مؤتمر لوزان . في كتاب : بلدان الشرقين الأدنى و الأوسط ، المجلد السابع ، الدراسات الكردية ، يريفان 1975 (بالروسية و الأرمنية).

28. المصدر السابق ، ص 43 .

29. للأطلاع على نصوص هذه البرقية و عشرات غيرها أنظر :     K.Ataturk, Nutuk.III. Istanbul 1962 , Vasikeler , ss.901-904,940. 

30. كيساروف ، المصدر نفسه ، ص 53-65.

31. نوقشت اطروحته في اواخر السبعينات بصورة سرية لأن الأستشراث الحزبي كان يرفض مناقشة مثل هذه المواضيع بصورة علنية لكي لا تؤثر على العلاقات السوفيتية - التركية، لذلك بقيت فصولها و المعلومات الغزيرة الواردة فيها بعيدة عن متناول الباحثين لفترة طويلة . وكان قد تفضل باعارتي بعض فصولها للأطلاع فقط اثناء عملي على اعداد اطروحتي للدكتوراه ، رغم ما كان يمكن ان يسببه ذلك من مشاكل له مع رجال الأستشراق الحزبي .

32. الحركة الكردية في العصرين الحديث و المعاصر ، تأليف نخبة من الباحثين السوفيت ، موسكو 1987 (بالروسية ).

33. المصدر السابق ، ص 189-190.

34. المصدر نفسه ، ص 229-230 .

35. المصدر نفسه ، ص 230.

36. للمزيد من التفاصيل عن الصحافة الكردية في تلك الفترة أنظر :    Malmisanij , Mehmud Lewendi , Li Kurdistana Bakur u li Tirkiya rojnamegeriya kurdi 1908-1992 , 2 basin. Ankara 1992 .

يعتبر هذا الكتاب محاولة جادة تلقي الأضواء على الصحافة الكردية في تركيا و التي بقيت صفحاتها طي النسيان لسنوات طويلة .

37 . خصص العالم التركي الشهير اسماعيل بيشكجي احد أولى مؤلفاته العلمية لتحليل الأبعاد السياسية و الأجتماعية لتجمعات الشرق ، أنظر : Ismail Besikci , Dogu Mitinglerinin Analizi, Erzurum ,1967

38. الحركة الكردية في العصرين … ، ص 235.

39. المصدر السابق ، ص 237-238 : أنظر كذلك : TIPDosyasi , Ankara 1973

40. من الملاحظ ان الأوساط الحاكمة في تركيا و الدول الأخرى المتحكمة برقاب الكرد تغير اتهاماتها للشعب الكردي و حركته التحررية مع الزمن وبصورة تتناغم مع مفاهيم العصر . ففي العشرينات و عندما كانت افكار التحديث و التطور تسيطر على عقول الناس و يرنون  نحو التحرر من قيم و أعباء العصور الوسطى ، كانت تلك الأوساط تتهم القائمين بالحركات الكردية بالتخلف و التزمت الديني و الوقوف بوجه الأصلاحات الكمالية و العمل على اعادة الخلافة و السلطنة . ومع ظهور بوادر الحرب الباردة و الصراع بين المعسكرين بدأت تهمة الشيوعية تلاحق كل تحرك كردي  ، رغم ان التهمة الأخيرة كانت متناقضة كليا مع التهمة السابقة ، اذ ليس من المعقول ان يتغير المجتمع الكردي بهذه السرعة من مجتمع تشده افكار العصور الوسطى الى الوراء الى مجتمع يتبنى المفاهيم الشيوعية التي لا تعير التقاليد الأجتماعية الشرقية اي اهتمام. ولكن الأوساط الحاكمة كانت تعرف بان تلك الأتهامات كافية لتبرير سياساتها القمعية تجاه الكرد. أما الآن فان الحكومة التركية تتهم الحركة الكردية بالأرهاب لأن افكار الديموقراطية اخذت تغزو مناطق واسعة من العالم و تنبذ المجتمعات الأرهاب رغم ان ارهاب الدولة التركية غير خاف على القاصي و الداني . ومع تنامي الأصولية الأسلامية يجب ان لا نستبعد اتهام الكرد بها هذا اذا لم يتهموا فعلا رغم ان التاريخ لا يسجل على الكرد التعصب الديني .

41. الحركة الكردية في العصرين الحديث و المعاصر …، ص 259.

42. المصدر السابق ، ص 259 - 261 .

43. م . أ. هسراتيان ، كورد تركيا في الفترة المعاصرة ، يريفان 1990 (بالروسية ).

44. أنظر : د.كمال مظهر أحمد ، حول مشاكل تاريخ الشعب الكردي و مهمات المجمع العلمي الكوردي ، جريدة (التاخي ) البغدادية 20 - 11 - 1973 . و أنظر كذلك : الترجمة الكردية لكتيب ( انتفاضة الكرد عام 1925 ) ، و : جبار قادر ، الحركة القومية الكردية في تركيا بين الحربين العالميتين ، ص 4 .