لماذا خاطب بوش البارزاني بالرئيس؟
ردا على إنتقاد تركي

   

محسن جواميرـ كاتب كوردستاني

 

نشرت وكالات الانباء بان وزارة الخارجية التركية استدعت نائبة السفير الامريكي في أنقرة, وأبلغتها قلق تركيا بشأن الزيارة التي يقوم بها الزعيم الكوردي مسعود البارزاني رئيس كوردستان الى واشنطن واجتماعه بالرئيس الامريكي جورج بوش. وبحسب صحيفة ( حريت ) التركية, فإن نائب وزير الخارجية التركي نبي شانصو أبلغها بقلق واحتجاج تركيا حيال إطلاق صفة ( رئيس ) اقليم كوردستان على مسعود البارزاني من قبل المسؤولين الامريكان, واعتبر استخدام هذه الصفة " تهديدا لوحدة الاراضي العراقية ".

 

يذكرني هذا الخبر بتصريح أدلى به وزير تركي في الثلاثينيات من القرن المنصرم للصحفيين الاجانب, عندما كان الصراع بين الترك والكورد على أشده وكانت دخان حرائق القرى الكوردية تتصاعد إلى عنان السماء.. وقد قرأته في كتاب سويدي عن تأريخ القضية الكوردية, حيث قال سعادة الوزير وقتئذ غاضبا وحانقا : " إما أن يرضى الكورد بالعيش كما نريد ونأمرهم به, أو نجعلهم أذلاء وعبيدا ..!"

 

نعم .! ذرية بعضها من بعض .. نفس الطاس والتصريح ونفس الحمام والتوبيخ والتلميح.. ما خلق الله الكورد إلا ليكونوا خدما وما خلق الأتراك إلا ليكونوا سادة وقََََََمما.. وليس جائزا أن يكون الكوردي حتى رئيسا لفريق كرة القدم أو يشغل منصبا يكون له فيه سابقة أو قَدم, لان هذا مقرر من عهد سيدنا آدم.. وإذا حدث, فان هذا لشئ عجاب ولا بد ان تشتغل آنئذ السهام والحراب, وقد يكون هناك عذر للدخول الى المنطقة عسكريا تحت ذريعة مكافحة الارهاب.!

 

 لانه مكتوب على الجبين و مسطور في كتاب رب العالمين أن وحدة العراق أو وحدة تركيا تهتز وتتمزق أوصالها بمجرد تسنم أحد أبناء الكورد صفة الرئاسة بين العالمين, حتى في دولة إتحادية وباتفاق بين أطيافها وألوانها من الناس أجمعين.. لان ( القيد ) و ( الكورد ) صنوان لا يفترقان إلى يوم الدين.!

 

حكى لي أحد الاخوة من ليبيا ان الشعب الليبي كثيرا ما يستعملون كلمة " الاستكراد " في حالة تعرض شخص ما إلى الاستهانة, مثلا يقال "لا تستكرده " أي لا تستهن به ولا تستهزء.. وقال إن هذه الكلمة دخلت قاموس اللهجة الليبية أيام الحكم العثماني حينما كان ضمن الجندرمة التركية جنود كورد, وكانوا يتعرضون الى إهانات شديدة من لدن الضباط وأصحاب الدرجات العثمانيين الذين كانوا ينظرون إليهم بسخرية وإحتقار وكأنهم خلقوا من مارج من نار. ويمكن تصريف " الاستكراد " الى : إستكرد , يستكرد , إستكردْ ..

 

يبدو أنه لهذا السبب توصل الرئيس الليبي معمر القذافي بعبقريته إلى قراره الحكيم بأنه لابد ان تكون للكورد دولة تحت الشمس حتى ينعتقوا من سلاسل الاستكراد.. وهذا ما صرح به صراحة أمام رئيس الوزراء الاسبق الاستاذ نجم الدين أربكان, وأوشك كثيرمن العساكروالمسؤولين الأتراك آنذاك أن يصيبوا بالسكتة الدماغية اوالجلطة القلبية وتهتز عروشهم وكادوا لا ( يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ).ا

 

إذا كان السيد بوش قد إعترف برئاسة البارزاني لكوردستان, فإن الشعب الكوردي هو الذي منحه هذا المنصب واختاره من قبل, مثلما اختيرالرئيس مام جلال الطالباني لقيادة دولة على انقاض  الدكتاتورية والخراب.

 

 وبعيدا عن كل تنزيه وتقديس, فانهما لا يقلان ذكاء وحكمة عن زعماء العالم في إدارة شؤون بلادهم, بالرغم من تعرض كليهما للانتقاد المتواصل من طرف الشعب, لان كل ابن آدم خطاء. وإن مام جلال من الرؤساء القلائل في المنطقة ممن يتصفون بالشعبية ودماثة الخلق وخفة الظــل .

 

إذا كان الاستهزاء والحسد التركي وصل الى حد ان أصبح الانتقاص من الكورد مثلا يدخل إلى قاموس أمثالهم " كما لا يمكن ان يتحول الملقط إلى نار, كذلك لا يمكن أن يصبح الكوردي رئيسا (باشا ) ".. فليعلم الذين كذبوا, بأن صلاح الدين الايوبي قد قاد أمة بالعدل لا بظلم وتفسخ السلاطين العثمانيين ولا بشوفينية العلمانيين الجدد.. وان الشيخ سعيد النورسي الذي لا تخلو قرية او مدينة في تركيا من حلقاته, ومرشد لكثير من وجهاء تركيا ومسؤوليهم, هو من طينة الميديين الكورد الذين يعادونهم ويزدرونهم في حين هم يريدون مصافحتهم والدخول في السلم كافة.

 

يبدو أن السيد بوش واصحابه من الذين باتوا يدركون أخيرا بانه لابد ان يكون للكورد كيانهم ورئيسهم تحت الشمس, أدركوا أن من سبقوهم من الساسة أيام سايكس بيكو ( 1916 ) قد غدروا بالكورد, أو توهموا في حساب ان الذين سيعيشون ويحكمون مع الكورد سينصفونهم.. ولكن ظهرت لهم حقيقة الامر, بأن لا هؤلاء الحكام يتوددون للكورد ولا الكورد يسكتون عن حقهم ويقبلون بالذل.

 

 لهذا خاطب السيد بوش رئيس كوردستان ب : الرئيس مسعود البارزاني.!

 

 

mohsinjwamir@hotmail.com