حتمية انتصار الاشتراكية الماركسية
ابو سعد

 

بعد انهيار الكتلة السوفيتية ومارافقها من انهيارات اخرى في الصين وفيتنام وفشل التجارب في بلدان العالم الثالث مثل اليمن الجنوبية ونيكاراكوا وغيرها ومارافق ذلك من هجوم اعلامي وتشهير بالماركسية من قبل الراسمالية وكل الرجعية العالمية وتصوير هذه الانتكاسات بأنها دليل على فشل الماركسية وعدم صلاحيتها للتطبيق وان الرأسمالية هي النظام الوحيد القابل للحياة والاستمرار الى الابد, كما حدثت انحرافات في الاحزاب الشيوعية بين يميني متطرف انصهر في الاحزاب البرجوازية او انسجم معها بشكل لايمكن معه التفريق بينهم او يساريين متطرفين ومشبعين بأفكار وسياسات البرجوازية الصغيرة. كل ذلك خلق اليأس لدى الجماهير وراحت تتسائل عما اذا كانت الشيوعية ستستعيد زخمها الثوري, او بعبارة اوضح هل يمكن للاشتراكية الماركسية ان تنتصر في المستقبل؟

ونحن كشوعيين عندما ندحض افتراآت الرجعية واكاذيبها أو نرد على تساؤلات الجماهير البريئة لانطلق من ردود فعل هستيرية كما تفعل قوى الاستعمار والرجعية, انما نرد استنادا على القوانين الموضوعية لتطور المجتمع البشري والوقائع التاريخية التي حدثت ولا تزال تحدث وفق تلك القوانين واستشراق المستقبل على ضوءها.

فالهجوم الفتاك على الماركسية ليست جديدة, بل هي بدأت منذ ان ظهرت الماركسية كنظرية علمية اكتشفت قوانين تطور الطبيعة والمجتمع وتعريفه للمادية الديالكتيكية والمادية التأريخية.

والماركسية ليست وحدها تتعرض للهجوم والتشهير, بل كل النظريات والافكار وحتى الاديان التي كانت تظهر بين فترة واخرى كانت تتعرض للاضطهاد والتشهير من قبل الذين تتعارض مع مصالحهم او الذين يجهلون حقيقتها و اهدافها.

واخيرا ينتصر الجديد على القديم, وهكذا تدرج الانسان من دور الهمجية والعيش في الكهوف والغابات حتى وصل الى العصر الحاضر.

والان اجيب على التساؤلات حول انتصار الاشتراكية الماركسية فأقول ان الصراع الطبقي يختلف عن الصراع بين الدول والحروب التي تنشب بينهم وتنهي بانتصار احدهما على الاخرى.

اما الصراع الطبقي فانه لا ينتهي الا بانتصار الطبقة التي تمثل سمة العصر وتعيد التوازن والتوفيق بين قوى واسلوب الانتاج وبين علاقات الانتاج. ولنا في ذلك شواهد واقعية واحداث تاريخية معروفة للجميع, وهو الصراع الذي حدث اولا في اوروبا بداية النهضة الصناعية بين الانظمة الاقطاعية وبين البرجوازية الناشئة التي كانت تمثل التيار التقدمي في ذلك العصر. وقد تخللت تلك الصراعات كثيرا من الاخفاقات والانتكاسات بسبب المجازر التي ارتكبتها الانظمة الاقطاعية وحليفتها الكنيسة الكاثوليكية التي لا يزال يضرب المثل بوحشية محاكم التفتيش التابعة لها.

واخيرا انتصرت البرجوازية وازالت النظام الاقطاعي وقلمت مخالب الكنيسة بتطبيق الدستور العلماني الذي فصل الدين عن الدولة. كل ذلك جرى بين نظامين مستقلين يختلفان فقط على شكل الحكم ونمط الاستغلال.

أما الان فان الصراع يجري بين الطبقة العاملة والرأسمالية ليس على نوع الاستغلال أو تخفيفه كما تطالب الاحزاب الاصلاحية, بل من اجل الغاءه نهائيا والقضاء على النظام الراسمالي الذي لايمكنه البقاء الا على استغلال الاخرين.

ومن البديهيات التي لا يمكن لاحد انكارها ان الطبقة العاملة هي التي توفر مصادر العيش والحياة للمجتمع البشري, بينما اصبحت الراسمالية طبقة طفيلية تسبب البؤس والشقاء لملايين البشر.

لذلك فان المرشح للزوال الاكيد هو النظام الراسمالي وليس الطبقة العاملة واحزابها الشيوعية لان الاحزاب الشيوعية هي الطليعة القائدة للطبقة العاملة وستبقى تقودها الى الانتصار النهائي وبناء النظام الاشتراكي العالمي.

اما متى وكيف سيحصل ذلك؟ فليس من المنطق العلمي ان يتحدث اي انسان بشكل تفصيلي عن الاحداث التي ستجري في المستقبل ولكن يمكن وفق المنطق الديالكتيكي واستنادا الى تجارب الماضي والواقع الحقيقي للحاضر ان يرسم الخطوط العامة او كما يقولون في المصطلح الجديد ان يرسم خارطة الطريق للمستقبل.

صحيح ان الذي ينظر الى الاوضاع العالمية من السطح يراها مدلهمة وغير مشجعة للشعوب والحركة الثورية. ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما. فالتحالف الراسمالي الذي كان متماسكا في فترة الحرب الباردة قد تفكك عمليا الان. فأمريكا التي ساعدت اوروبا اقتصاديا بعد الحرب العالمية الثانية وفق مشروع مارشال, وعسكريا باقامة حلف الشمال الاطلسي لتحمي اوروبا الغربية من الشيوعية ولتجعلها ستار يطوق الكتلة السوفيتية لم تعد بحاجة الى ذلك الستار, بل اصبحت اوروبا منافس لها, اما اوربا فهي الاخرى لم تعد بحاجة الى الحماية الامريكية بل اخذت تنظر الها كشريك غير مرغوب فيه وربما عدوا في المستقبل. لذلك نرى اوروبا يقف موقف المتفرج من الحرب التي يخوضها امريكا على الارهاب العالمي, وتنتظر ان تضعف امريكا نتيجة هذه الحرب لتستطيع ارغامها على اقتسام العالم من جديد. ولاشك ان امريكا تعي هذه النوايا ولكنها مضطرة لان تؤجل الرد عليها الى الوقت المناسب.

ومن المؤكد ان الارهابيين لا يستطيعون احتلال امريكا او اوروبا ولا حتى اقامة دولة خاصة بهم لانهم سيضطرون للظهور الى العلن لادارة دولتهم وبذلك سيتم القضاء عليهم خلال ايام قلائل.

لذلك اعتقد ان كل ما يستطيعون عمله هو ضرب المصالح الغربية واحداث ازمة اقتصادية عالمية اشد من الازمات السابقة, الامر الذي سيوقض الطبقة العاملة في الدولة الراسمالية من سباتها الطويل وتتحد مع الطبقة العاملة العالمية وربما سيعاد تشكيل الاممية الشيوعية وتبدأ الثورة الاشتراكية الماركسية وسوف تنتصر ولا يستطيع احد ايقافها عند حد معين لان الرأسمالية وهي تتخبط في ازمتها الاقتصادية سوف لا تتمكن من رشوة شعوبها وطبقتها العاملة كما كانت تفعل في السابق.

وحتى اذا لم تجري الامور وفق هذا السيناريو, فان الازمة الاقتصادية وازدياد نسبة البطالة قد بدأت منذ زمن وهي الان تزداد اتساعا فقد نقلت جريدة المؤتمر الصادرة في بغداد يوم (1/11/2004) خبرا عن الاقتصاد الالماني وهي الدولة العملاقة في اوروبا, بأن ثلث العمالة الالمانية تفقد وظائفها بسبب العولمة, وفي الوقت نفسه صرح وزير الدفاع الالماني ان حكومته ستزيد عدد الجيش الالماني من خمسين الفا الى مئتين الفا. فلماذا هذه الزيادة في القوات المسلحة مع ازدياد نسبة البطالة؟ وعلى الصعيد الدبلوماسي تعمل المانيا على تلاحم اوروبا وتكتلها ضد السياسة الامريكية وتتجاوب معها الان اكثر الدول الاوروبية وروسيا.

ان هذه المساعي المحمومة ماهي الا تهيئة للاصطدام مع امريكا, وهناك مؤشرات كثيرة تدل على حدوث مفاجآت في الوضع العالمي خلال السنين القادمة وستكون نتائجها لمصلحة الشعوب والطبقة العاملة اذا هي احسنت استغلالها وتحولها لمصلحتها.

 

----------------

بلاغ الشيوعية العدد 20 كانون اول 2004

HOME