ضد الانتخابات؟ لماذا؟

نــــــزار حيدر

 

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

الذين يرفضون أن تجري الانتخابات العامة في موعدها المحدد ، على أنواع ، وهم بمجموعهم ، يمثلون الاقلية بكل المقاييس ، أما أغلبية الشعب العراقي ، فقد عبرت عن رغبتها وإصرارها على الالتزام بموعدها ، والمقرر بداية العام الميلادي الجديد ، مهما كان الثمن .

فمنهم الارهابيون الذين لازالوا يواصلون جرائمهم ضد الشعب العراقي بهدف عرقلة الانتخابات ، وكل ما يرتبط بتقدم العملية السياسية .

فهؤلاء لايفهمون سوى لغة القتل والتدمير والسيارات المفخخة وحزالرؤوس والتمثيل بالجثث وإطلاق القذائف والصواريخ بشكل عشوائي ، لتقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء ، لزرع الخوف والرعب في نفوس الناس ، يدعمهم في ذلك ، الفكر السلفي التكفيري المتخلف والمتحجر ، الذي ركب الدين مطية لتحقيق أهدافه المشبوهة وغيرالمشروعة ، والفتوى الدينية الطائفية الحاقدة ، والمال الحرام المسروق من قوت الشعوب المغلوب على أمرها ، وعدد لا بأس به من أجهزة مخابرات إقليمية ودولية ، يهمها أن يبقى العراق قلقا ، لايستقر فيه نظام سياسي ديمقراطي تعددي يعتمد صندوق الاقتراع وقبة البرلمان ، ليتم من خلالها ، تداول السلطة بين العراقيين ، بشكل سليم وسلمي ، بعيدا عن لعبة الانقلابات العسكرية ــ السرقات المسلحة ــ .

ومنهم فلول النظام الشمولي البائد ، من القوميين العنصريين والطائفيين المتعصبين ، الذين يسعون لإعادة عقارب الزمن الى الوراء ، لتعود السلطة بيد الأقلية ، من دون أن يكون للأغلبية ، أي دور يذكر .

إنهم لا يقدرون على إستيعاب التغيير الجذري الذي يشهده العراق الجديد ، يشترك في إدارة شؤونه كل العراقيين من دون إستثناء ، بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني ، أو الاتجاه السياسي والفكري ، إنهم لا يستوعبون رؤية العراق الجديد ، إما  بسبب مرض في عقولهم ، أو إنحراف في التفكير ، أو خطأ في الحسابات يعميهم عن رؤية الحقائق الجديدة على الأرض ، كما هي .

ومنهم الذين يعترضون على إجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد ، لأسباب سياسية وأدلة منطقية ، وحجج وبراهين واقعية ، يسوقونها في إطار إختلاف الرأي ، الذي يجب أن لا يفسد للود قضية ، في العراق الجديد ، وهم يسوقون أدلتهم بإتزان ومقبولية ومعقولية ، فلا يكفرون الآخر الذي يصر على إجرائها ، ولا يخونون من يختلف معهم في الرؤية ، ولا يسبون ولا يشتمون ولا يهرجون ضدها ، بأي شكل من الأشكال .

لن أحاور هنا ، النوعين الأول والثاني ، لأن منطقهم مرفوض وأساليبهم غير مقبولة ووسائلهم خارجة عن نطاق الحوار العلمي الرصين والحريص على مستقبل البلد ، فهؤلاء ، نهايتهم الى أفن وسعيهم الى جهنم وبئس المصير ، كما وصفهم بذلك أحد علماء السنة المتنورين .

إنما سأصب حديثي هنا ، مع النوع الثالث ، الذي يوظف الحجة والدليل والمنطق ، ليجتهد في الرأي ويختلف في الموقف ، من دون أن يلجأ إلى العنف والارهاب ، أو يسخر وسائل القتل ويوظف سياسة التسقيط ، لفرض رأي أو إجبار أحد بتبني موقف ما .

وقبل ذلك ، أود أن أشير إلى الحقائق التالية ؛

أولا ـ ليس كل من يعارض إجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، هو ضد التغيير ، فالاختلاف في وجهات النظر ، حالة صحية ، لازالت في إطار الرأي والرأي الآخر .

كما أنه ليس كل من يصر على إجرائها في موعدها المحدد ، عميل للاحتلال ، أو أن  له مصالح خاصة يسعى لجنيها وتحقيقها من خلال صندوق الاقتراع .

يلزم أن نتعامل بحسن نية ، مع كل الآراء ، مهما اختلفت أو تقاطعت ، لازالت لم ترفع السلاح أو ترهب الآخر ، فلا نتهم أحدا بنواياه ، ولا نشكك بدوافع أحد أو نحاكمه على ضميره المستتر ، بل لا بد أن نثق بكلا الطرفين ـ المؤيد والمعارض ـ ، ونفترض فيهما حرصا وطنيا ونوايا حسنة ، هي التي تملي عليه موقفه ، أما سرائر النفوس ، فلا يعلم بها إلا رب العزة والجلال ، فلماذا ننازعه رداءه ؟.

ثانيا ـ من حق أي مواطن عراقي ـ مرجعا كان أم مقلدا ، هيئة أم مؤسسة ، حزبا سياسيا أم فردا ـ أن يبدي رأيه في الانتخابات ـ مؤيدا أو معارضا ـ ، ولكن ليس من حق  أي أحد أن يحتكر الحقيقة ، فيعتبر ، مثلا ، أن رأيه هو الحق وأن رأي الآخرين على باطل ، أو أنه يفكر بحرص وطني عال ، وأن الآخرين ينطلقون من ذواتهم ومصالح طوائفهم أو أحزابهم ، أو أن رأيه فقط يعبرعن صوت

الوطن والمواطن ، وأن بقية الآراء صدى لصوت المحتل ، وهكذا .

إن من حق أي مواطن أن يؤيد الانتخابات في موعدها فيشترك فيها ، أو يعارضها فلا يشترك فيها فتلك مسؤوليته الدينية والوطنية ، ولكن ليس من حق أي أحد أن يرعب الآخرين بالفتوى الدينية ، أو يرهبهم بالسلاح ، لتأييد الانتخابات والاشتراك فيها ، أو لرفضها ومقاطعتها ، لا فرق .

ثالثا ـ لا يجوز لأحد أن يعين نفسه أو حزبه وهيئته ـ لا فرق ـ ممثلا عن الشعب العراقي  بأي شكل من الأشكال ، مهما اتسعت قاعدته الشعبية ، أو امتد تاريخه الجهادي أو النضالي في عمق الزمن ، فالمواطن العراقي لا يمثله أحد الآن ، حتى يقف أمام صندوق الاقتراع ليدلي برأيه ، وينتخب من يمثله .

لندع مزايدات التمثيل جانبا ، فالعراقي لم يفوض أحدا حتى الآن ليتحدث بالنيابة عنه ، وبدلا من الانشغال بلعبة التمثيل الممجوجة التي مل منها العراقيون ، تعالوا نعمل معا من أجل أن نمكن المواطن من الوقوف أمام صندوق الاقتراع ، ليدلي برأيه لمن يثق فيه ، وعندها ليتحدث من يشاء عما يمثل في الساحة ، أما الآن فكل يمثل نفسه أو جماعته التي إنتمت اليه ، لا أكثر ولا أقل .

أما أن يدعي كل من هب ودب ، بأنه ضميرالعراقيين ، وأنه دون سواه ، يمثل آراءهم ومواقفهم ، وأن الباقين لا يمثلون إلا أنفسهم ، فهذا كلام هراء يشبه إلى حد بعيد منطق الطاغية الذليل الذي عثر عليه حيا في قبره ، وكل الأنظمة الاستبدادية الشمولية ، التي تدعي ما ليس لها أو فيها .

رابعا ـ العراقيون الرافضون ، كذلك ، على نوعين ، بغض النظر عما يمثل كل فريق ؛

فقسم منهم يرفضونها بالمطلق ، فهم لا يريدون أن يحتكموا الى صندوق الاقتراع ، الذي يعتبرونه أداة فضيحة ، ستكشف عن الكثير من المستور، سواء على صعيد نسبة التمثيل ، أو حجم الثقل الاجتماعي الذي يدعونه ، أو مقدار التأثير الذي يتحدثون عنه ، أو نوعية الناتج الذي سيفرزه ، والذي يستند الى مبدأ الشراكة الحقيقية والتعددية الواقعية ، ما يتناقض ـ برأيهم ـ مع ما يتمنونه ، ألا وهو إحتكار السلطة والاستفراد بالقرار السياسي ، بالضبط ، كما كان العراق على مدى نيف وثلاثين عاما مضت ، تحكمه الأقلية والعشيرة والعائلة والحزب الواحد والقائد الأوحد ، لذلك لا يريدون أن يشهد العراق أي نوع من الانتخابات ، مهما كانت نتائجها ، لأنهم يعارضون أصل الموضوع ـ الانتخابات ـ وليس وسائله أو توقيته الزمني أو أدواته ، مثلا .

إنهم يرفضون التأسيس لمبدأ الانتخابات ، لأنهم يرفضون التأسيس للعراق الجديد ، لأنهم يبذلون كل ما في وسعهم من أجل أن تعود السلطة اليهم ، وحدهم لا شريك لهم .

قسم آخر ، مع الانتخابات ، كمبدأ وأصل من أصول بناء النظام الديمقراطي ، إلا أ نهم يعترضون على توقيتها الزمني ، ويستشكلون على أدواتها ووسائلها وآلياتها .

إنهم يتفقون على الأصل ويختلفون على التفاصيل ، فيستشكلون مثلا على قانون الانتخابات ، أو طريقة إعداد القوائم الانتخابية ، أو قانون إعتبار العراق ، دائرة إنتخابية واحدة ، وهكذا .

إن لهم وجهات نظر محترمة في التفاصيل ، أما أصل المبدأ فليس لهم عليه أي اعتراض بالمرة ، ولذلك فهم يسعون لتأجيل موعد الانتخابات ، لحين تصحيح التوقيت والوسائل والأدوات .

كذلك ، لن أناقش القسم الأول ، لأن منطقهم أعوج ، وتفكيرهم أخرق ، إذ لا يعقل أن يقبل العراقيون ، بالعودة إلى الزمن الماضي ، بعد كل هذه المآسي التي مرت عليهم ، فيحرمون مرة أخرى ، من حق المشاركة في الحياة السياسية ، ويتركون السلطة بيد قلة من المتآمرين الذين ينزون عليها في كل مرة على ظهر دبابة في منتصف الليل والناس نيام ، يديرونها كيف يشاؤون ، ويحتكرونها لأنفسهم ، من دون أن يختارهم أحد أو يفوضهم ، عبر صندوق الاقتراع .

الحوار ، إذن ، سينصب مع من يقبل الانتخابات كأصل في عملية بناء العراق الجديد ، إلا أنه يعترض على التفاصيل ، وهذا من حقه ، محاولا عرقلة إجرائها في الوقت المحدد .

أولا ـ حتى أشد المتحمسين لإجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد ، كالمرجع السيستاني ، له الكثير من الملاحظات والاعتراضات ، على الكثيرمن آلياتها ووسائلها ولوائحها وقوانينها ، إلا أن ذلك لا يبرر السعي لتأجيلها أبدا ، فلقد تأجلت عام كامل ، عندما أورد البعض ذات الاشكالات والاعتراضات ، من دون أن يتغير شئ ، فلا الأخطاء صححت ، ولا النواقص إكتملت ، ولا الظروف تبدلت ، ما يعني ، ربما ، أنها بحاجة إلى تجربة ذاتية وممارسة عملية ، من أجل تشخيص الثغرات ، والتمكن من حلها ، كما هو الحال في الكثير من تجارب الشعوب التي بدأت مشوارها الديمقراطي الصحيح بخبرة متواضعة وتجربة بسيطة ، لتتطور وتكتمل بمرور الزمن وتكرار الأداءات ، من دون اللجوء الى إلغاء الأصول التي تعتمد عليها العملية الديمقراطية

برمتها ، بحجة ضعف التجربة أو إشكالية الأدوات أو خطأ في اللوائح .

إن مسيرة الميل يجب أن تبدأ بخطوة ، وأن تكرار الأداءات كفيل بتصحيح كل الأخطاء وسد كل الثغرات ، فكم دستور في هذا العالم أدخلت عليه التعديلات الضرورية بتقادم التجربة الديمقراطية ؟ حتى في أعتى الأنظمة الديمقراطية ، كالولايات المتحدة والمانيا وغيرهما ، إضيفت مواد جديدة للدستور ، وألغيت أخرى ، من دون أن ترتهن العملية السياسية بالاضافات أو الالغاءات ، لأن العملية السياسية يجب أن تسير وتتقدم الى الأمام ، أما الاصلاحات وسد الثغرات ورفع النواقص وتصحيح الأخطاء ، فتتم كلها والحياة تسير ، وليست وهي واقفة ، لأن وقوف الحياة عن المضي قدما ، هو الخطأ الأكبر الذي لا يجوز أن يرتكبه العراقيون أبدا ، خاصة في هذا المنعطف التاريخي والمصيري الهام ، إذ تتربص بهم وحوش الغاب وضواري الصحراء ، لسرقة الأمل الجديد الذي يعملون اليوم من أجل تحقيقه ، مشروعا حيا يمشي على الأرض ، ويتلمسه الجميع .

ثانيا ـ ويحتجون بتدهور الوضع الأمني كدليل على وجوب إرجاء الانتخابات عن موعدها المقرر ، لحين إستقرار الوضع الأمني بشكل أفضل .

لقد قيل هذا الكلام في العام الماضي ، عندما أصرت الغالبية على إجراء الانتخابات المبكرة ، فتأجلت إلى بداية العام القادم ، من دون أن نرى أي تحسن في الوضع الأمني ، إذ لازالت المناطق المأزومة أمنيا على حالها ، وكأن الارهابيين إعتبروا التأجيل الأول نصرا لهم ، فراحوا يصعدون  أعمالهم الاجرامية للضغط بإتجاه فرض التأجيل مرة أخرى .

إن الجميع ، بمن فيهم الأميركيون والحكومة المؤقتة بل وحتى المواطن العادي ، يتحدثون اليوم عن تصعيد أمني خطير لم يشهده العراق منذ سقوط الطاغوت ، وبرأيي ، فإن تأجيل الانتخابات العام الماضي لعب دورا سلبيا لصالح هذا التدهور ، فكيف يريد البعض تأجيلها مرة أخرى ليمنح الارهابيين وفلول النظام البائد فرصة أخرى للتصعيد ، إلا أن يكون متحيزا لهم ؟.

ثم ، من سيضمن ياترى ، بأن الوضع الأمني سيتحسن لو تأجلت الانتخابات ؟ وإلى متى نرهن موعدها بأجندات الارهابيين ؟ ما يعني أنهم ، وليس الشعب العراقي ، هم الذين ينظمون جدول أعمال تقدم العملية السياسية ، وبالشروط والاملاءات التي يرغبون بها ، فهل يقبل ذلك عاقل

لنفسه ؟.

بل على العكس ، فمن يدري ، فلعل الانتخابات تكون سببا في إستقرار الوضع الأمني ، وهذا ما أميل إليه شخصيا ، إذ أعتقد أن واحدا من أسباب التدهور الأمني ، هو غياب الشرعية والسيادة ، والذي يتذرع به الارهابيون ومن يدعمونهم ، في تعبئة ضحاياهم ، وكما نعرف ، فإن الانتخابات ، هي الطريق الوحيد لتحقيق الشرعية والسيادة .

ثالثا ـ ويطعنون بأية إنتخابات تجري في ظل الاحتلال ، فنسمعهم تارة يتحدثون عن محاولات تهميش طائفة ، وأخرى يطالبون بدور للامم المتحدة ، باعتبارها المنظمة الدولية صاحبة الشرعية

والقادرة على منح الانتخابات الشرعية المطلوبة في بلد يفتقر الى أي نوع من الشرعية ، كالعراق ، ولكن ؛

أ ـ إن المقاطعة لا تقاوم التهميش ، بل تزيد من إتساعه وتعمقه .؟

إن من يخشى التهميش ، عليه أن يحضر في الساحة السياسية ليترك بصماته على مسار الأحداث لحظة بلحظة ، ليؤثر فيها فيتحدى التهميش ، لا أن يترك الساحة ليتفرج عليها ويقاطع الانتخابات ، فالحق يؤخذ من خلال الحضور الفاعل ولا يعطى لمن لا يرغب فيه .

لقد إختارت طوائف  في السابق ، طريق المقاطعة والتعامل السلبي مع الساحة السياسية وتطوراتها فلم يجنوا من ذلك سوى المزيد من التهميش والاقصاء ، كما حصل ذلك لشيعة العراق إبان تأسيس الدولة العراقية الحديثة بداية القرن الماضي ،  أو كما حصل لمسيحيي لبنان أبان  تأسيس الدولة اللبنانية الحديثة بالاعتماد على قرارات إتفاق الطائف ، ما يعني أن المقاطعة ليست حلا للتهميش ، بل أن الحضور والمشاركة هو الحل .

ب ـ لا أحد يمنح الانتخابات ، أية إنتخابات ، شرعية ، إنما هي التي تمنح لنفسها الشرعية ، بما يسمى بالشرعية الذاتية ، فلو كانت نسبة المشاركة  الشعبية حسب القانون الانتخابي المدون ، فستكون الانتخابات شرعية بذاتها ، إذ أن النسبة المطلوبة ، تعني أن أغلبية العراقيين مع الانتخابات ولذلك شاركوا فيها ، أما إذا لم تحصل الانتخابات على النسبة القانونية المطلوبة ، فسوف لن تتمتع بالشرعية ، بغض النظرعما إذا أجريت هذه الانتخابات في ظل نظام سياسي شرعي أو تحت الاحتلال .

إن الانتخابات ، هي مصدر الشرعية ، إذا  ضمنت النصاب القانوني اللازم ، بغض النظر عن الظروف التي تجرى فيها .

إنها تتحدث عن نفسها ، ما إذا كانت شرعية أم لا ؟ فالميزان هو النصاب القانوني فحسب ، لذلك ، يلزم أن نمنح المواطن العراقي فرصة الوقوف أمام صندوق الاقتراع ، لنتأكد ما إذا كانت الأغلبية مع الانتخابات أم ضدها ؟ فنسبة المشاركة هي التي ستحدد هوية الانتخابات ، ومدى شرعيتها .

ج ـ لماذا يقبلون بالشرعية التي قد تمنحها المنظمة الدولية للانتخابات ، ويرفضون الشرعية التي منحتها للاحتلال في وقت سابق من العام الماضي ، إثر سقوط النظام البائد ؟.

د ـ ولماذا ، إذن ، يرفضون إعترافه بمجلس الحكم الانتقالي المنحل ؟ وإعترافه بالحكومة الانتقالية المؤقتة الحالية ؟ ولازالوا يصرون على التشكيك بشرعية كل المؤسسات التي انبثقت في العراق ، منذ سقوط الطاغية ولحد الآن ؟.

هـ ـ وهم يتناسون بأن الامم المتحدة هي التي اقترحت هذا الموعد الزمني لاجراء الانتخابات العامة في إطار جدول زمني متكامل ، وذلك بعد جولة ميدانية ومسح جغرافي وسياسي شامل ، قام به وفدها إلى العراق ، وعلى مدى ثلاث زيارات مكوكية ، إلتقى خلالها مبعوث الأمين العام السيد الأخضر الابراهيمي ، بمختلف أطياف المجتمع العراقي ، الدينية منها والسياسية والقومية والمذهبية بل أنه إلتقى بمواطنين عاديين ، ليستخلص نتيجة من كل ذلك ، مفادها ، أن الأغلبية المطلقة من العراقيين هم مع إجراء الانتخابات ، بالرغم من موجة العنف والارهاب والحالة المعيشية المتدهورة ووجود الاحتلال ، وأن أفضل موعد لاجرائها ، هو نهاية العام الحالي أو بداية العام القادم ، جاء هذا في نص التقريرالذي قدمه الابراهيمي للأمين العام للمنظمة الدولية ، والذي إعتمد كوثيقة رسمية للنص على الجدول الزمني لتقدم العملية السياسية ، في القرار الدولي الذي صدرعن مجلس الأمن ، بهذا الشأن .

وبصراحة أقول هنا ، أن الزمن أثبت بأن المرجعية الدينية ، وعلى رأسها السيستاني ، كانت الأصدق من بين كل الاطراف التي طالبت بدور محوري للامم المتحدة ، فعلى الرغم من الاشكالات الكبيرة والكثيرة التي سجلتها المرجعية ، على تقرير وفد الامم المتحدة ، وكذلك على الآثار التي ترتبت عليه ، إلا أنها ظلت متمسكة بالقرارات التي ترتبت عليه ، ما يعني أنها لم تكن تتعامل مع المنظمة الدولية ، كمطية تحقق من خلالها أهداف خاصة ، كما هي نوايا آخرين حاولوا ركوب المنظمة الدولية كمطية للوصول إلى بر رسمته إلى نفسها ، فلما تغير إتجاه المركوب بما لا تشتهي السفن ، غيرت منطقها وبدلت رأيها .

و ـ ثم ، أوليس الأمم المتحدة هي من شكلت المفوضية العليا للانتخابات ، بعد عملية تشاور قانونية وسياسية ومهنية وفنية واسعة ، رشح لها أكثر من ألفي عراقي ، لتختار منهم المنظمة الدولية سبعة عناصر، هو عدد أعضاء المفوضية ؟ فلماذا ، إذن ، التشكيك بنزاهة المفوضية وشرعيتها ؟ من دون أن يعني ذلك أن نشاطها وقراراتها لا يشوبها الكثير من الأخطاء أو النواقص ، أو حتى التأخير؟.

إنهم ، وبصرحة ، يكيلون بمكيالين ، فيحتكمون الى المنظمة الدولية ، شريطة أن يأتي مشروعها منسجما مع ما تشتهيه أنفسهم ، أما إذا تناقض الأمران ، فلا نزل القطر .

ز ـ أما موضوعة الطعن في شرعية الانتخابات التي تجري في ظل الاحتلال ، فعلى فرض أنهم لا يأخذون بنظر الاعتبار القرار الدولي الذي شرعن هذا الاحتلال ، والآخر الذي إعتبرها قوات متعددة الجنسية منذ تاريخ تسليم السلطة الى العراقيين ، نهاية حزيران الماضي ، فـ ؛

أولا ـ ما هو البديل إذن ؟ إنهم يطعنون بمثل هذه الانتخابات من دون أن يقدموا بديلا شرعيا وقانونيا وواقعيا وحقيقيا ، ينتشل العراق من محنته .

ثانيا ـ لا أحد من العراقيين يرغب بذلك ، ولكن ، ليس هناك طريق آخر يمكن أن يسلكه العراقيون لانتزاع السلطة والسيادة من المحتل ، لأن أية طريقة أخرى تظل فاقدة للشرعية ، لا زالت لم تأخذ بنظر الاعتبار، صوت العراقي ورأيه ، لأن الشرعية الحقيقية تنبثق منه فقط .

إن الذين يصرون على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، يعتقدون بأن ذلك سيكون خطوة إضافية الى الأمام وفي الاتجاه الصحيح ، ستساهم في إنهاء الاحتلال وتقصير عمره ، أما تكرار التأجيل أو إلغائها ، فسيبقي الوضع على ما هو عليه ، سواء كان من الناحية الشرعية أو الواقعية .

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن مهام البرلمان الذي سينبثق عن هذه الانتخابات ، تاريخية وخطيرة ، منها تدوين مسودة الدستور الدائم ، والاعداد لأول إنتخابات دستورية في البلد ، نهاية العام القادم ، لعرفنا مدى أهمية إجرائها في الوقت المحدد ، وإلا ، إلى متى سيبقى البلد من غير دستور، وبلا وضع دستوري ينظم العلاقة بين العراقيين ، ويؤسس لنظام سياسي دستوري مستقر ؟.

ثالثا ـ هناك تجارب عديدة بهذا الخصوص ـ تاريخية وحاضرة ـ جرت فيها الانتخابات في ظل الاحتلال ، من دون أن يشكك أحد في شرعيتها .

فالعراق ، مثلا ، شهد في العام 1924 أول إنتخابات عامة ، تحت الاحتلال البريطاني ، لتشكيل المجلس التأسيسي الذي أخذ على عاتقه صياغة الدستور وتشكيل الحكومة الوطنية ، وغير ذلك ، كما أن دولا مثل المانيا واليابان وغيرها الكثير ، إنتقلت من الحالة غير الدستورية إلى الحالة الدستورية ، من خلال إجراء الانتخابات العامة وهي بعد تحت الاحتلال ، بل أن الانتخابت كانت هي السبيل لانهاء الاحتلال عن البلاد .

أما الأراضي الفلسطينية المحتلة ، فهي الأخرى شهدت العديد من الانتخابات العامة ، وعلى

مختلف المستويات ، شارك وفاز فيها أكثر التنظيمات الفلسطينية الأصولية والراديكالية ، عداءا لاسرائيل ، من دون أن يشكك أحدا بشرعيتها ، أو يعترض عليها أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة .

هم يقولون ، إذا خرج الاحتلال ، فسنقبل بالانتخابات ، وأقول بصراحة ، أخرجوا الارهابيين الغرباء الذين تسللوا من خارج الحدود ، أخرجوهم من جحورهم ، وارموهم وراء الحدود ، وطهروا مناطقكم منهم ، وحرروا الناس الأبرياء من أسرهم وسطوتهم ، لتسهلوا عملية رحيل القوات الأجنبية ، أما أن يظل هؤلاء يعيثون في العراق فسادا ، ويوزعون الموت ، وينثرون الدم في الاتجاهات الأربعة ، ثم تطالبون برحيل القوات الأجنبية ، فذلك ليس من المنطق السليم بشئ ، إذ لا يعقل ذلك أبدا .

دعوا الحكومة ووزاراتها ، تشكل الجيش الجديد ، وأجهزة الشرطة المحلية ، وشرطة الحدود ، لتنتشر في مناطق العراق ، وتحل محل القوات الأجنبية ، وعندها سنطلب من آخر جندي أجنبي بالرحيل فورا عن أرض العراق الطاهرة ، أما أن يواصل الارهابيون قتل المتطوعين وذبحهم ، فرادا وجماعات ، ويعرقلوا مساعي تشكيل كل أنواع القوات الوطنية ، المسؤولة عن بسط الأمن وحماية حياة المواطن العراقي ، ثم تطلبون من القوات الأجنبية بالرحيل عن العراق ، فهذا منطق أعوج لا يؤيدكم به أحد ، سوى الارهابيين والقتلة ، فمن يا ترى سيمسك بالبلد ويبسط الأمن ويضبط الحدود ؟ أم تريدون أن تفلت كل الأمور ليتسلل الارهابيون زرافات زرافات ، بلا حسيب أو رقيب ؟.

فكروا بطريقةأكثرعقلانية لنصدق نواياكم الطيبة ، وإلا ــ لكم دينكم ولي دين ــ .

 

31 OCTOBER 2004

 

HOME