لو كنت خالد القشطيني!
 

سلام عبدالله     

 

لقد سبق وان اجبت على رسالتكم الاولى ك(اخ لم تلده امك)) وليس كابن ومن دون ان أكون مغتاظا و بهدوء. والان اود ئانية أن ادون بعض الملاحظات حول مقالكم(اسام و كردستان). وقبل الدخول الى التفاصيل أود ان اذكركم بانني، لست مرتبطا بالمفاهيم و الطروحات القومية، لا من بعيد و لا من قريب:

+ان اول مجلة سياسية اعجبت بها و كنت اتابعها اسبوعيا و بشغف في بداية السبعينات، كانت مجلة الهدف الصادرة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و ليس مجلة كوردية! وعندما زرت مقر الجبهة في بغداد مع احد رفاقي و سألني الاستعلامات عن هويتي، قلت لة: انا أبن حبش!

+وأول قصيدة حفظتها على ظهر القلب كانت قصيد(البرائة) للشاعر والاخ وصوت المعذبين و الفقراء مظفر النواب وليس قصيدة كوردية ما!

+وأول رواية قرأتها كانت للروائي غسان كنفاني !

+ وأول كتاب سياسي قرأتها كانت للينين باللغة العربية!

+ وأول نشيد وطني، كانت نشيد(موطني)!

+وأول رسالة حب، كتبتها باللغة العربية!

+وأول اغنية اعجبت بها، كانت للمطربة الرائعة فيروز!

+وأول واخر قصيدة كتبتها، كانت حول مجزرة تل الزعتر، و رغم ان صديق اديب و زميل فلسطيني في الدراسة في بغداد اعتبروه، قصيدة معبرة و صالحة للنشر، ولكنني مزقتها و لم اقترب و لايزال من كتابة الشعر...

+ واول مقالة كتبتها كانت باللغة العربية حول سجن ابو غريب ورفقتها برسم أقسامها و نشر في جريدة عراق الغد التي كانت تصدر في اواسط الثمانيات في لندن بأسم كاروان.  

+واول من حمل شرف تعرف ابي على الحزب الشيوعي العراقي كان عاملا بصراويا!

وبالمناسبة : في عام1970افتتح اول مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في خانقين في بيت تلاخ العزيز(فاضل عرب)! 

كتبت تلك الاسطر القليلة اعلاه، ليكون واضحا بانني و كمدينتي و تراث و فكر الماركسيين و نهر الوند، غرباء عن النزعات والاحقاد الشوفينية والعنصرية و ما تسميه(التفكير الضيق بالنزعات القومية)!

ولاعود الان الى مقالتكم:

1-حقا سيستغرب وسيحتار اي كوردي و ربما سيغضب البعض من قولكم: ((انني انظر لهذه الامور من زاوية عملية و مصلحة الشعب المعيشية. اعتماد الكردية سيعرقل نمو كردستان و يسئ لمستقبل ابنائها-كان عليكم ان تكتبوا(وبناتها!)...)).

عزيزي، هل ترى انه من الحكمة و التعقل و الانصاف أن يقال للباسكيين في اسبانيا و الاذريين في ايران و الفرنسيين في كندا، و الاقوام و الشعوب و الملل السوفيتية(السابقة) والكلدانيين والاثوريين و الجيك و السلاف-اعلنوا دولتهم المسقلة- و الشعوب الاخرى : ((من زاوية عملية و مصلحة الشعب المعيشية. اعتماد لغاتكم القومية، سيعرقل نموكم و يسئ لمستقبل ابنائم و بناتكم))؟    

 ثم، هل تتمكم أو هل تجرأ ان تقول للشعب الفلسطيني: ((اعتماد اللغة العربية، سيعرقل نمو فلسطين و يسيئ لمستقبل ابنائه))؟

بأعتقادي، انكم كصحفي مخضرم، عليكم ان تحاولوا قدر المستطاع، المشاركة الجادة في رفع الغبن التاريخي بحق شعب كردستان و البدء بالعمل لكتابة ما يؤدي الى سحق اخر بذرة شوفينية و عنصرية في الوسط العربي و ما اكثرهم و ما اكثر مبرراتهم و تأويلاتهم ورغباتهم و احقادهم الدفينة.

2- لماذا تعتبر حق الامم في تقرير المصير و رغبته في الحصول على حريته الوطنية كسائر الشعوب الاخرى ب((ان التفكير الضيق بالنزعات القومية لايجلب للمجتمع غير التأخر و الفقر و البؤس في هذا العالم المعاصر الذي اصبح قرية صغيرة متكاملة...الخ))؟

يمر الان ما يقارب 13عاما على الادارة الذاتية في كردستان. ارجوا ان ينتابكم نفس الحنين الى (اسام) لزيارة كردستان و تقوموا بأنفسكم بالمقارنة بين الماضي و الحاضر وتتلمسوا بأنفسكم التقدم و الانبعاث العمراني والجامعي و التجاري والاقتصادي الهائل في كردستان عن قرب. لقد تم اعادة بناء الالاف القرى المؤنفلة و اعيد بناء المدارس والطرق و المستشفيات و الابار والكهرباء-بدعم من المنظمات الانسانية و الخيرية ايضا-. انني لا اقول هذا تزلفا لاصحاب السلطة هناك و لست راضيا على ما توصلوا اليه، فلي شهية خاصة لايصال اخر منتجات العقل البشري لاقصى قرية و الخلاص من اخر رمز من رموز التخلف و الظلم الاجتماعي للطبقات المسحوقة، ولكن رغم كل المأسي و الاقتتال الداخلي، فأن ما تحقق فقط خلال 13عاما، تستحق كل تقدير و اعجاب و سيتحقق المزيد منها تحت وابل النقد الصارم و المطاليب الجماهيرية و الوعي و ازدهارالثقافة. وبالمناسبة، نادرا ما كتبت جملة ايجابية باللغة الكردية حول الحكام، وثق سيتغربون من راي هذا و سيتفجرون ضحكا، لانني وبأختصار معروف بالكلمة المرة و النقد الحاد حتى درجة البذائة...!

عليك ان تدرك جيدا باننا نقول الان كلماتنا بحرية لم نعرفها من قبل اطلاقا. كنا نخاف حتى من الجدران و التطرق الى السياسة في حضور الاطفال و الان  نشتم و نمارس النقد و نلعن من نشاء و كما نشاء و بملئ فمنا! و تنشر العشرات من الصحف والمجلات و وتصدر المئات من الكتب. و ما يحدث هنا و هناك من بعض التجاوزات على حرية التعبير عن الرأي، لايمر من دون تنظيم الاحتجاج و الادانة! هل تابعتم القنوات التلفزيونية الكردية؟! اه كم اشعر بالفرحة العظيمة حين ارى ابناء و بنات شعبي يتكلمون ملء الثقة بالنفس و يشيرون بأصابعهم الى النواقص و التجاوزات و الاخطاء و...الخ.   

لقد مر الان فقط 13عاما على هذا التقدم، وما قيمة هذة السنوات القصار جدا جدا على مستوى التاريخ؟ لاشيء بالمرة، ولكن سيفتتح عن قريب و لاول مرة في تاريخ مدينتي، معاهد و اقسام للجامعات. تصور، لقد افتتح قبل سنوات في مدينة كلار المهملة بالمرة، معهد اعداد المعلمين و معاهد اخرى للتعليم و يوجد عدة مراكز للانترنيت فيها. لا اتصور، لانك لم ترى مدينة كلار ولا تعرف درجة الوعي الثقافي و التركيب السكاني في تلك المدينة. كما وعن قريب سيفتتح مطارين عالميتين في السليمانية و اربيل و سيرحب بالمسافرين باللغة الكردية وعبر سماعات الطائرة ويقال باللغة الكردية: (اعزائنا المسافرين، سنصل بعد دقائق الى مطار هه ولير...)! هل تعرف ماذا يعنى ذلك؟!. انه خطوات مذهلة على طريق التقدم و ستذهل عند رؤيتكم لهذا التقدم و ستتألمون مثلي لدرجة التخلف والدمار على كل المستويان في مدينة عظيمة كمدينة بغداد و المدن الاخرى، عند ذاك ستعتذر عن أرائك الغريبة و البعيدة عن الواقع.

اخي خالد:

ارجوا منكم و بصدق ان تتركوا تلك النصائح و الارشادات الاخوية، فهناك الالاف من المختصين و الاوفياء و المناضلين الكرد ممن يدركون فرز صالحهم من طالحهم و ما يجب القيام به من اجل التقدم، كما ولنا الكثيرين من الاصدقاء و الاحبة من الاحزاب و المثقفين في العراق ممن يحترمون و يدعمون بصلابة و اخلاص رغبات و طموحات الشعب الكردي.

و ككلمة اخيرة اسمحوا لي ان اقول لكم و بصدق، لو كنت خالد القشطيني، لكتبت كل يوم وبالمانشيت العريض على اول صفحة جريدة الشرق الاوسط مايلي:

يوم السبت: القشطيني يطالب بأسقاط الكابوس الازلي في عمان!

يوم الاحد: خالد القشطيني يخجل من ملوك الدولار و المضاربات في البورصات و الملاهي العالمية و يدين انظمة الحرب والجريمة المنظمة و استعباد البشرية في لندن وواشنطن وطوكيو و برلين و باريس و روما...الغ  !   

يوم الاثنين: خالد القشطيني يطالب العرب في كل مكان بالكف عن العادة السرية!

يوم الثلاثاء: القشطيني يدعوا الى حرق كتاب الذبح على الطريقة الاسلامية(حلال) بالنفط العربي و اصدار قرار بمنع قطع الايدي لاي سبب كان!

يوم الاربعاء: القشطيني ينادي اهل الجزيرة الى تحويل المكة و المدينة الى اكبر مرحاض عالمي!

يوم الخميس: القشطيني يقدم محاضرة حول كيفية الجلوس على المرحاض!

يوم الجمعة: القشطيني يدعوا الى تحقيق حق النساء في المشاركة في الانتخابات الرئاسية و قيادة السيارات و حق المرأة في الحصول على وظيفة القاضي!

بالمناسبة، و بمزيد من الفخر و الاعتزاز، اصدر البرلمان الكوردستاني في يوم12/10 قرارا ينص على منع الزوج من ممارسة اية شكل من اشكال العنف بحق الزروجة ويعتبرها جريمة يحاسب علية قانونيا. الا يعتبر هذا القانون خطوة رائعة على صعيد كل المنطقة؟!  

وتقبلوا مني فائق المحبة و الصداقة....

مع خالص تحياتي

سلام عبدالله     

 

dwaroj@yahoo.de

 

HOME