Home
Uteheramkrauekan
Komelayaty
Nuseran
Mail
Library
Music
Art
Archive
Links
About Us

 

اللاعقلانية في خطاب الجبهة التركمانية (3)

   د.جبار قادر

 

الجبهة والرهان على الحصان الخاسر دوما      

    

من الطبيعي أن تكون شعارات و طروحات أية حركة أو منظمة سياسية معبرة عن الأهداف التي تناضل من أجل تحقيقها من خلال النشاط السياسي و الممارسات العملية. ولكننا هنا بصدد تجمع سياسي من نمط خاص و وظيفة فريدة من نوعها . لو كانت الجبهة التركمانية حركة سياسية ذات مصداقية و تنتهج أساليب العمل السياسي المعروفة و تشعر بالمسؤولية السياسية عن تصريحاتها و شعاراتها ، لوجبت العودة الى أدبياتها السياسية لمناقشتها من خلالها . ولكنها و بسبب ولادتها المشوهة و إفتقارها الى التجربة السياسية و النضالية بدأت تنتهج سياسات الطفولية السياسية و ترفع شعارات و أهداف طوباوية لا طاقة لأعرق و أكبر الحركات السياسية في العراق على تحقيق جزء بسيط منها فكيف بتجمع كاريكاتيري مثل الجبهة التركمانية .

لذلك و بسبب قراءاتها الخاطئة للأحداث و التطورات السياسية و توازن القوى نراها تراهن على الحصان الخاسر دوما . و قد ألحقت بسياساتها و شعاراتها تلك أكبر الأضرار بالحركة السياسية التركمانية كحركة قومية تهدف الى تحقيق طموحاتها المشروعة في العراق الجديد . وظهر ذلك بوضوح خلال العملية السياسية التي شهدها العراق على مدى العام الماضي . ورغم تباكي الجبهة و نواحها و كيل الأتهامات للأطراف السياسية الأخرى و بخاصة الأطراف الكردية إلا أنها تدرك جيدا بأنها تتحمل المسؤولية الأولى عن الغبن الذي لحق بالتركمان ،لا لأنهم غير ممثلين بصورة عادلة في مجلس الحكم كما تدعي الجبهة ولكن لأن سيدة شبه أمية تمثلهم و فيهم عدد لا بأس به من الأكاديميين و السياسيين الواقعيين الذين يستطيعون أن يقوموا بهذه المهمة بصورة أفضل . و آخر شطحاتها هي أنها إعتبرت التركمان جزءا من الأمة العربية من على شاشة إحدى الفضائيات العروبية لأن الذي سبقها في الكلام كان كرديا و أكد بأن الكرد يكنون الأحترام للأمة العربية و لكنهم غير عرب بل ينتمون الى أمة قائمة بذاتها و عاشت على هذه الأرض منذ آلاف السنين . كما أنها كانت تهيأ نفسها لتسنم منصب حقيبة وازرة الدفاع . نقول ،رحم الله إمرءا عرف قدر نفسه .

لقد كان رفع الشعارات الطوباوية و الكاريكاتيرية من قبل الجبهة ومعاداة الآخرين من خلال زرع روح الفرقة و حملات الصراخ و العويل و الأهم من هذا و ذاك ربط مصيرها بالمشاريع و الأطماع الأستعمارية التركية و الدعوة الى تدخل قوات أجنبية و إحتلال أراضي عراقية أسبابا كافية لأعتبارها منظمة مشبوهة تفتقر الى أدنى درجات المصداقية السياسية و الأنتماء الوطني . وحتى بعد إندحار الخطط و المشاريع التركية الشريرة و وقوف العراقيين بوجهها نرى الجبهة بأنها و بدلا من محاولة تحسين صورتها لدى الرأي العام العراقي واصلت و لا تزال الدعوة الى الأحتلال التركي للعراق . وبدلا من التخلي عن طوباوياتها و شعاراتها القومية البدائية و التحلى بشئ من الواقعية السياسية نراها تواصل نهجها السابق المضر بحقوق التركمان.

 و من هذه المنطلقات بدأت تبحث عن أطراف منبوذة للتحالف معها و بخاصة تلك التي تشاركها الموقف من الحقوق القومية الكردية . و أخذت عددا من رجال البعث و المخابرات من الحويجة الى تركيا لأقناع المسؤولين الأتراك بدعم هذا التحالف ضد الكرد في كركوك. كما أنها كتجمع إنتهازي و لا مبدئي و رغم تقديسها لعلمانية و مبادئ مصطفى كمال المعادية للدين الأسلامي بدأت تتقرب من الأوساط السلفية السنية و ترسل في الوقت نفسه رسائل و إستغاثات مليئة بالأكاذيب و تزييف الحقائق ضد الكرد الى المرجعيات الدينية الشيعية مستغلة إسم التركمان الشيعة و تقريب بعض وجهائهم الباحثين عن مواقع لهم في الساحة السياسية العراقية .وظهر تحالف الجبهة مع فلول البعث و عجايا مقتدى الصدر و غيرهم من الذين تضررت مصالحهم بسبب سقوط صدام و بخاصة في كركوك وذلك خلال العديد من المظاهرات و الفعاليات المشتركة التي قامت بها هذه المجموعات . وهنا يظهر رهان الجبهة الخاسر مرة أخرى . لن تعود فلول البعث و نظام المقابر الجماعية الى السلطة في العراق أبدا. كما أن التيارات السلفية السنية و عجايا مقتدى يفتقرون الى أية برامج سياسية تخدم العراقيين . كل ما تستطيع هذه القوى تقديمه هو الفوضي و القمع و التخريب و سفك المزيد من الدماء . ومن هنا فإن من مصلحة التركمان أن يلفظوا الجبهة من بين صفوفهم لكي لا تتسبب في إلحاق المزيد من الأضرار بهم و بمستقبل أبنائهم و بناتهم . 

الجبهة تعيش تناقضا كبيرا بين ما تتشدق به هنا و هناك و بين ما تقوم به بناء على طلبات و إستشارات ضباط الأرتباط الأتراك في كركوك و المرتبطين مباشرة بهيئة الأركان في الجيش التركي و مجلس الأمن القومي التركي . الخطاب السياسي للجبهة التركمانية يعبر عن قومية بدائية غارقة في العنصرية ومعاداة الآخر لا تختلف كثيرا عن بدائية الهوتو و التوتسي . يحاول هذا الخطاب تقليد المفاهيم التركية العنصرية حرفيا حتى دون أخذ أوضاع العراق المحلية بنظر الأعتبار . كما لا تفرق الجبهة بين الأتراك في تركيا كأمة سائدة لديها دولة و آلة قمع رهيبة  تقمع بواسطتها الآخرين و تحاول إجبارهم على السكوت ، و بين التركمان كأقلية قومية صغيرة في العراق تعيش الى جانب الكرد و العرب و الكلدان و غيرهم . لا تختلف قرابة الأتراك مع تركمان العراق هذا إذا أخذنا بطروحات الجبهة حول وحدة العرق ( و هي نظرية تمسكت بها النازية الألمانية و الفاشية الأيطالية و أثبت العلم الحديث سفاهتها و عدم صحتها و يحاول الجميع بمن فيهم أكثر القوميين تطرفا تجنب التورط في طرحها لكي لا يتهموا بالعنصرية و النازية ولكن الجبهة و بسبب أمية رجالاتها تفتخر بالحديث عنها ) ، نقول حتى لو أخذنا بطروحات الجبهة في هذا المجال فإن علاقات التركمان بالأوزبك و الكازاخ و الآذريين و القرغير و الترك لا تختلف عن علاقة الروس بالبولونيين و التشيك و البغار و السلوفاك و الصرب ، و الألمان بالدانماركيين و الهولنديين و الأنجليز و السويديين ، و الكرد بالطاجيك و الفرس و البشتون و الأوسيتيين وغيرهم . لقد ثارت الشعوب السلافية ضد السيطرة الروسية . كمالم تتحد جمهوريات أوزبكستان و كازاخستان و قرغيزيا و تركمانستان بعد إنهيار الأتحاد السوفيتي و إستقلال هذه الجمهوريات . و لا يستطيع رئيس الجمهورية التركية التحدث الى أي من رؤساء هذه الجمهوريات إلا عبر مترجمين . متى ستفهم الجبهة هذه الحقائق و البديهيات و تتخلى عن الخزعبلات التي تملأ بها رؤوس الصبيان و الجهلة ؟ . على رجالات الجبهة أن يدركوا حقيقة بسيطة مفادها أن كرد وعرب و كلدان العراق أقرب الى التركمان من الأوزبك و الكازاخ و الترك و الآذريين و غيرهم من المتحدثين بإحدى لغات الألطاي . لقد ظهر زيف العروبيين الذين كانوا يزعمون لعقود طويلة أن الموريتاني و السوداني و اليمني أقرب إليهم من الكردي و التركماني و الكلداني . نرى بأن هؤلاء يتخلون شيئا فشيئا عن طروحاتهم الديماغوغية هذه لأن الحياة المشتركة خلال عقود طويلة خلقت شبكة من العلاقات الأنسانية بين الناس في هذه الجغرافيا المشتركة لا يمكن لأحد أن يقفز عليها أو يتحرر منها حتى لو أراد ذلك فعلا . فكيف بأناس لا يرغبون في ذلك حتى الآن على الأقل ؟ . لقد شاهدت بنفسي خيبة أمل العديد من التركمان و صدمتهم من الأتراك و تركيا خلال الهجرة المليونية ربيع عام 1991 . كنت أستمع الى السيدات التركمانيات وهن يتحدثن عن صدمتهن من الأتراك و تركيا التي كن يحملن عنها صورا فنطازية بسبب دعايات أفراد و تجمعات شبيهة بالجبهة التركمانية . كما كنت أقوم بترجمة ما كان يقوله الطبيب التركي للعديد من التركمان الذين لم يكونوا يفقهون شيئا مما كان يقوله هذا الطبيب في إحدى مستشفيات قصبة صغيرة بتركيا .

 اللغة المستخدمة في خطاب الجبهة لغة سوقية مليئة بالشتائم و محاولة النيل من الآخر و تفتقر الى أي تحليل سياسي أو فكري معمق للأوضاع و المواقف السياسية . يردد ممثلوا الجبهة كالببغاء أوهام خلقوها بأنفسهم و من كثرة ترديدهم لها صدقوها و لكنها لا تستند الى أية أدلة تأريخية و جغرافية أو معطيات إحصائية .

الكذبة الكبرى في خطاب الجبهة التركمانية تتجلى في زعمها الأخلاص لوحدة العراق و العمل على الحفاظ عليها . لا يشكك أحد في أن تركيا و دوائرها الأستخباراتية و الجاسوسية خلقت التنظيمات التي إنضوت فيما بعد و بتدخل مباشر منها تحت مظلة الجبهة التركمانية . هل يمكن أن يصدق أحد بأن منظمة مشكلة من قبل دولة أجنبية ذات مطامع معلنة في العراق تستطيع الأدعاء بأنها  مخلصة لوحدة الأراضي العراقية ؟. الجواب على مثل هذا السؤال معروف بطبيعة الحال .

الوحدة العراقية التي تقصدها الجبهة هي وحدة خاضعة لسيطرة القوات التركية الأستعمارية أو وحدة قسرية على غرار ( الوحدة الوطنية !) في عهد القائد الضرورة صدام حسين !.

وقف العراقيون جميعا ضد تدخل القوات التركية في العراق بل و أجبروا الأدارة الأمريكية و قيادة التحالف في العراق على التخلي عن فكرة الأستعانة بها لحفظ الأمن في أي مكان في العراق . ولم يكن هذا الموقف من العراقيين مجرد تجاوب مع رغبات الكرد الذين وقفوا بشدة ضد أي تدخل تركي ، بل أن جميع العراقيين أدركوا بتجربتهم التاريخية الغنية حجم المخاطر التي يمكن أن يشكلها أي تدخل تركي في العراق على مستقبل بلادهم . كانت الجبهة التركمانية و لازالت الجهة الوحيدة التي لا ترحب فقط بإحتلال القوات التركية للعراق، بل و توجه كل جهودها لبث روح الفرقة و زرع بذور الفتن و الأزمات و التوتر وصولا الى خلق الأرضية المناسبة للتدخل التركي . تحاول الجبهة أن تبرر ذلك بحماية التركمان من المخاطر التي لا وجود لها إلا في عقول قياداتها  و الذين يقفون خلفها في أنقرة . ولكن كيف يمكن لجهة تدعي العمل على الحفاظ على وحدة العراق أن ترحب بإحتلال قوات أجنبية لأراضي عراقية  ؟. لا تخجل الجبهة من الأعلان بصراحة بأن مجئ القوات التركية هو لصالح و حدة العراق أو أن القوات التركية ستأتي الى البلاد بدوافع إنسانية !!.

 هل هناك منظمة سياسية في العالم تلعب دور قنصلية تابعة لدولة أجنبية ؟ . المعروف أن الجبهة كانت و لا تزال تبيع سمة الدخول ( الفيزا ) التركية مقابل 600 دولار لكل سمة دخول . رغم أن شبكة المافيا داخل الجبهة تأخذ جزءا من هذا المبلغ ، إلا أن حصة الأسد تذهب الى الجنرالات الترك . وكان هناك إتفاق بين الجنرالات و رجالات الجبهة بتقديم معلومات كاملة عن الشخص الحامل لسمة الدخول التركية . وكانت الجبهة تقدم تقارير أمنية عن الأشخاص الذين تبيعهم سمات الدخول هذه و لا تنسى أن تسجلهم كتركمان حتى ولو كانوا من السليمانية أو البصرة . يمكن أن يكتشف كل من سافر عبر تركيا خلال العقد الماضي بأنه سجل كتركماني في سجلات الميت التركي بناء على معلومات الجبهة التركمانية . هل يمكن أن تصبغ مثل هذه الوظيفة على هذه المنظمة سوى صفة العمالة لتلك الدولة؟ . ولن تجد الجبهة أية أسباب تبرر بها فعلتها الشنيعة هذه . ففضلا عن القيام بمهام هي من صلب واجبات دوائر تابعة لدولة أجنبية فإنها نهبت أموالا طائلة من المواطنين العراقيين لحساب جنرالات أجانب و إستغلت حاجة الناس الى  الهرب من ظلم نظام صدام أو حتى السفر بهدف المعالجة لتبتزهم خدمة لمصالح دولة أجنبية. و هناك حالات خدعت فيها الجبهة الناس و أخذت منهم الأموال ولم تمنحهم سمات الدخول. لا أعتقد أن أية حكومة عراقية في المستقبل ستبرر مثل هذا السلوك السياسي للجبهة التركمانية أو أية حركة أخرى و سيطالب الناس الذين تضرروا من سياسات الجبهة و تعرضوا لأبتزازها بإسترداد أموالهم من الجبهة .

وهناك الكثير من الأدلة و الشواهد الدامغة التي تثبت إرتباط الجبهة بالأستخبارات التركية و تنفيذ تعليماتها. كما أن واجهات الجبهة و أنصارها في الخارج يرتبطون مباشرة بالدوائر السرية في السفارات التركية. لقد إتصلت الداوئر الأمنية في السفارات التركية في بعض البلدان الأوربية بالعديد من أنصار الجبهة من بين الذين جندوا خلال تواجدهم في تركيا على طريق الوصول الى بلدان اللجوء، للذهاب الى كركوك بعد سقوط صدام مباشرة بعد أن كلفوا بواجبات محددة و منحوا بطاقات السفر و مبالغ نقدية من الأموال . وقد سرب العديد منهم هذه المعلومات الى إصدقاء لهم   في كل من هولندا و ألمانيا و بريطانيا و الدانمارك. لذلك فإن مزاعم الجبهة التركمانية عن الأخلاص لوحدة العراق ما هو إلا ستار لتمرير سياسات أخرى موجهة من قبل الميت التركي .

يقوم الخطاب السياسي للجبهة التركمانية على الكذب في كل شئ فهي مرة حركة مناضلة قارعت الدكتاتورية كما لم تقارعها أية حركة أخرى . و يعتقد الذي يستمع الى الجبهة بأنها كانت دائما على رأس الأنتفاضات و ثورات العراقيين رغم ظهورها في أواخر القرن الماضي . و كثيرا ما يثير كلام الجبهة عن بطولاتها ضحك و سخرية الناس . إذ أنها تزعم بأن أشباحها هي ( أقول أشباح لأن أحدا لم يشاهدهم أبدا ) التي حررت كركوك من طغيان البعث ليلة نوروز عام 1991 . ويعرف القاصي و الداني من الذي قام بهذا العمل و نقلت محطات التلفزة العالمية صور ملاحم البيشمركة ضد قطعان البعث المنهارة .

ولكنها في مواقف أخرى تقول بأنها كانت مهادنة دائما ولم تحمل السلاح ضد أية حكومة بما فيها حكومة البعث كما فعل الآخرون !!. و تقصد الجبهة بهذا الكلام الحركة القومية الكردية التي قارعت الحكومات الدكتاتورية و بخاصة حكومة البعث و قدمت على هذا السبيل عددا هائلا من الشهداء و الضحايا يعادل عددهم حسب أقل التقديرات عدد المواطنين التركمان في العراق . وسيبقى الكرد يتفخرون بمقارعتهم للبعث و سيخلد التأريخ دورهم البطولي في التصدي لحكم صدام حسين رغم حملات التشويه و التشويش التي تقوم بها الآن أطراف سياسية و إعلامية مختلفة. وسيدرك العراقيون جميعا الخدمة التي قدمها الكرد الى العراق و الأنسانية من خلال نضالهم البطولي ضد صدام حسين و زمرته الباغية . لم تعرف الجبهة من النضال سوى بيع سمات الدخول و تقديم الخدمات للمخابرات التركية و العراقية . وتحاول الجبهة أن تلعب الآن أيضا مثل هذا الدور ولكن لجهات أقل شأنا و أهمية هذه المرة .